من أبرز عيوب الممارسة السياسية في اليمن أن من يديرون خيوطها يرون أن مهمتهم لا تتجاوز عمليات الشد والشد الآخر، دونما اعتبار لمخاطر توقف الحياة إلا من هذا الفجور وهذا المكر الحاقد وتداعياته. المؤسف أن يصل حال البلاد مع ساستها حد إلحاح الواقع في أسئلة تطرح قضية مدى صمود ما تبقى من الدولة، أملاً في يوم تتحقق فيه هذه الأحلام الموؤودة المؤجلة.. كان عندنا مؤسسات وطنية لكننا لم نتكاتف في إصلاحها وتنقيتها من الفساد، وإنما سارع بعضنا إلى هدمها نزولاً عند أطماع الحالة الثورية التي أدارها أشخاص لم يكونوا يوماً بمنأى عن الفساد بل والاستبداد، ما دفع البلاد إلى المزيد من السجالات والمغامرات لمجرد إشباع الأنا، حتى وجدنا صنعاء تسقط من داخلها بصورة دراماتيكية.. ولا غرابة من كل هذا الارتباك والتلعثم بين حال هو خليط عجيب بين الأزمات والثورات وتخريب المخرب، رغم ما أبداه ويبديه الشعب اليمني من تمسك بحكمة ومزاج عام يرفض الانجرار إلى الدعوات المذهبية والطائفية ويحصرها في مراكز استلام الأموال وطباخة الصراعات. وكلا.. لا يجوز أن يكذب الواحد منا أو يدعي وهو يحاول الدفاع عن مواقفه أو يبرر سقطات الطرف السياسي الذي ينتمي إليه، فلقد خرجت "الرُّباح" تحت الأمطار وظهر كل شيء تحت أضواء النهار وأستار الليل.. ونشاهد تبعات هذا الحال المأزوم في إفراغ مؤتمر الحوار الوطني وتجويف مخرجاته، وتعطيل اتفاق السلم والشراكة بهذا التسويف وهذه التوجهات التي تهدم تحت مزاعم ما أريد إلا إصلاح الأمور، فيما الممارسة تعطيل كل فكرة بحماقة وفجور. لقد أوصلنا هؤلاء إلى حد صار فيه الكثيرون يعلنون أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه وهم يشاهدون تقويض أركان الدولة من داخلها والخفة في النظرة إلى الوحدة، فضلاً عن شق المجتمع بغريب التصورات وعجيب الأفكار.. هذا الواقع يفرض دعوة كل من لا يزال متمسكاً بموروثنا النبوي في الحكمة لأن يسهم في كل مسعى يهدف لإحداث تغيير عميق ينهض بالوطن من عثرته، ويؤكد على ثوابت الوحدة الوطنية، والنأي بالقوات المسلحة والأمن عن الصراعات السياسية، ومعالجة ما خلفه التفكيك بالهيكلة. وحتى نمسك بالخيط ونستعيد البوصلة لتكن البداية المسارعة إلى تطبيق اتفاق الشراكة والسلم وتشكيل حكومة كفاءات لم تتلوث بالفساد السياسي أو المالي، في ضوء شراكة وطنية ندرك بها دقة المرحلة وصعوبتها، ونستشعر بها المسؤولية الوطنية والمزاج الوطني والشعبي العام على قاعدة الشراكة في الحقوق والواجبات.