لا تزال بعض النخب السياسية الحاكمة تتوهم أن التدخلات الدولية يمكن أن توفر لها طوق نجاة ينقذها من مأزق الضعف والارتباك والانسداد التي تعيشها، منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية الثورية التي دكت وأسقطت معاقل وقلاع الفساد والاستبداد، ولا زالت تواصل مسيرتها الثورية صوب الانعتاق التام من الوصاية الأجنبية والتدخلات الخارجية التي تراهن عليها هذه النخب المأزومة والمتعالية. منذ يومين أمطرتنا المواقع الإعلامية البائسة التي يديرها جلال هادي وأيتام علي محسن وحميد الأحمر، بتوقعات وأوهام تشير إلى أن مجلس الأمن الدولي سيصدر عقوبات ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام، لدوره المفترض في دعم الانتفاضة الشعبية الثورية التي أدت إلى سقوط معاقل وقلاع الإرهاب والفساد والاستبداد في اليمن، وتتوجت بالتوقيع على وثيقة اتفاق السلم والشراكة الوطنية، فيما تتداول الأوساط السياسية معلومات خطيرة نقلا عن مصادر مقربة من الرئيس المنتهية ولايته مفادها أنه طلب من المبعوث الدولي جمال بنعمر والسفير الأميركي بصنعاء سرعة التدخل لإقناع مجلس الأمن الدولي باتخاذ عقوبات ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام والسيد عبدالملك الحوثي وحركة أنصار الله، لتمكين رئاسة الجمهورية من ممارسة مهامها في ضوء المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن الدولي وتوجيهات سفراء الدول العشر!!! من نافل القول أن المرتشي الدولي جمال بنعمر أعلن بامتعاض شديد ووسط حالة من الذعر والارتباك أن سقوط قلاع ومعاقل وقصور طواغيت الفساد والإرهاب والاستبداد والتي أصبحت مزارا للفقراء كان مفاجئا له، الأمر الذي يؤكد خطأ مقاربات بنعمر للتسوية السياسية في اليمن، وجهله بموازين القوى التي تدير مفاعيل الأزمة السياسية، وتورطه في تقديم تقارير كيدية وكاذبة إلى مجلس الأمن الدولي!! لا ريب في أن التحولات الجذرية التي شهدتها صنعاء خلال الأسبوعين الماضيين كشفت الحجم الكبير من التضليلات التي وقع مجلس الأمن الدولي ضحية لها، نتيجة التقارير الكاذبة والكيدية التي يقدمها المدعو جمال بنعمر إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وهي تقارير مدفوعة الثمن محليا وأميركيا. والثابت أنه وبحسب آليات اتخاذ العقوبات بموجب الفصل السابع لميثاق الأممالمتحدة، يفترض أن تقدم لجنة الخبراء تقريرها الأولي إلى لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء الموافق 25 فبراير 2015م، وهي لجنة تتكون من خمسة أعضاء يمثلون الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وتخضع لنظام اتخاذ القرارات بالموافقة أو التحفظ أو النقض. لا نبالغ حين نقول أنه من الصعب صدور عقوبات ضد معرقلي التسوية السياسية بحسب توصيف جمال بنعمر وبعض النخب المتسلطة خلال المرحلة الانتقالية التي انتهت بدون نتائج عملية يوم 21 فبراير 2014م ، لأن صدورها من شأنه تفجير التسوية السياسية بكاملها، وتأسيسا على ذلك، بوسعنا القول أن المراهنة على صدور مثل هذه العقوبات كطوق نجاة لرئاسة الجمهورية المنتهية ولايتها، والنخب السياسية المتسلطة والمأزومة، يصبح ضربا من الأوهام التي يصر بنعمر على تسويقها داخليا بهدف طمأنة أهل السلطة، خصوصا بعد التحولات العميقة التي شهدتها البلاد غداة الانتفاضة الشعبية الثورية التي شاركت فيها ملايين المواطنين والمواطنات، ووضعت في صدارة أهدافها التحرر من الوصاية الأجنبية، واستعادة القرار الوطني المستقل. ويزيد من صعوبة المراهنة على تظليلات المبعوث الدولي جمال بنعمر بإمكانية صدور عقوبات دولية ضد القوى والزعامات السياسية المناوئة للتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لبلادنا، موقف روسيا الاتحادية الذي عبرت عنه تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عقب التطورات الأخيرة في صنعاء، حيث شدد على ضرورة توصل جميع القوى السياسية إلى حلول وسط، في إشارة إلى أن الموقف الروسي الجديد من الحالة السياسية الراهنة في اليمن، لا يتطابق مع الموقف الأميركي والبريطاني الذي تستقوي به رئاسة الجمهورية والنخب المتسلطة!! في هذا السياق يمكن القول أن المسؤول الأول عن الاعتداء الإرهابي البشع على المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير أثناء إجازة عيد الأضحى المبارك احتجاجا على قيام رئيس الجمهورية بتعيين مدير مكتبه أحمد عوض بن مبارك رئيسا للوزراء، هم الذين يصرون على تمييع وتجويف وثيقة اتفاق السلم والشراكة الوطنية ومخرجات الحوار الوطني. إنهم الذين يصرون على اختيار رئيس وزراء ضعيف يأتمر بهم ويخضع لإرادة جمال بنعمر والسفير الأميركي. إنهم المتضررون من سقوط معاقل وقلاع وقصور طواغيت الفساد والاستبداد والإرهاب يوم 21 سبتمبر التاريخي. إنهم باختصار شديد رؤوس دواعش القاعدة وليس أذنابها. ولا أبالغ حين أقول إن الذين سقطوا في ميدان التحرير انضموا إلى قائمة طويلة من الضحايا الذين قتلهم الإرهاب والصراع السياسي في ظل المرحلة الانتقالية والرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور. لا يمكن لأي عاقل إعفاء هذا الرجل المتعطش للبقاء في السلطة والاستقواء بالأجانب من كل هذه الجرائم، وكل هذه الأرواح و الدماء التي تزهق وتسفك بسبب سياساته التي لا هدف لها سوى التمديد والتمكين!!! يقينا أن الرئيس عبدربه منصور اكتسب شرعيته بتفويض شعبي عبر انتخابات عامة لمدة عامين بدأت في 21 فبراير 2012م وانتهت في 21 فبراير 2014. حيث كان ينبغي على الرئيس الانتقالي المؤقت إنجاز دستور جديد خلال عامين يحل محل الدستور الحالي بعد استفتاء شعبي. بيد أن الرئيس الانتقالي المؤقت لم يقم بالمهام التي فوضه الشعب بها، وسعى إلى إخضاع البلاد للوصاية الأجنبية، وإدارة شؤون الحكم بالأزمات، ومنح نجله جلال هادي سلطات تنفيذية غير شرعية، ولم يتردد في تنفيذ مخطط تفكيك الدولة والجيش والعبث بالمال العام لشراء الذمم والولاءات وتقسيم القوى السياسية والحراك الجنوبي، وتخويف معارضيه بالعقوبات الدولية والفصل السابع بهدف التمديد والبقاء في الحكم طويلا، الأمر الذي أدى إلى ضعف الدولة وانتشار الفساد والإرهاب والانفلات الأمني والفوضى وإفلاس الخزانة العامة وزيادة معدلات الفقر. وبما أن الشعب هو صاحب السلطة ومصدرها، يجب على الرئيس المنتهية صلاحيته وولايته تقديم استقالته إلى مجلس النواب، وبموجب الدستور الحالي بجب على رئيس مجلس النواب القيام بمهام رئيس الجمهورية لمدة 60 يوما تجرى بعدها انتخابات رئاسية على أن يقوم الرئيس الجديد بالدعوة إلى مؤتمر للحوار الوطني يمثل مختلف القوى السياسية والفئات الاجتماعية لتقرير أسس ومبادئ بناء الدولة العصرية والمجتمع الجديد، خلال فترة لا تزيد عن عام واحد، يتم خلالها صياغة مشروع دستور جديد والاستفتاء عليه وإجراء انتخابات برلمانية على ضوئه بما في ذلك الحل العادل والشامل للقضية الجنوبية.