منذ أن خربوها وقعدوا على تلها لم يعد الانفراد بالسلطة مغنماً لأي قيادة حزبية تتمتع بالذكاء، كما لم يعد المنصب يمثل حلماً شخصياً عند كثيرين يرون المسؤولية في زمن الفوضى أمانة لا يقوى على حملها إلا كل ظلوم وكل جهول. ومن يذوبون ويتشكلون مع المناصب إما أنهم يسيرون على منهج الفراشات التي تطارد الضوء فيحرقها اللهب ثم يأتي غيرها ويقع في ذات النار، أو أنهم يرون الوطن مجرد سوبر ماركت والمنصب صالة ترانزيت يعقبها الفرار عند أول نازلة سيراً على مذهب خذ الفلوس واجري. ولو أن الأجواء كانت طبيعية وتسمح بأن يكون الحُكم والحكومة.. الوزير والوزارة روافع تنتصر لقضية التطور لكان في الذي سبق تحريض على الهروب من المسؤولية.. لكن الأمر كما نراه ليس سوى صراع على المغانم لا يأمن فيه المتصارعون على حياتهم، والنتيجة أن السيارات المدرعة صارت لازمة من لوازم بعض المسؤولين فضلاً عن جحافل المرافقين أما جديد الصراع السياسي فهو أنه أجَّج حالة المراوحة بين فشل إدارة الأمور من مواقع المسؤولية وبين التبعية والاستقواء بالخارج على الداخل، وهو ما صار يستفز أعصاب وضمائر الناس بمختلف انتماءاتهم الحزبية ومشاربهم الثقافية. لقد صار بيننا عمال ومزارعون لم تعركهم المدارس والجامعات ولا الأحزاب يتمنون أن تصل أصواتهم الرافضة لكل تفريط بالسيادة الوطنية لصالح الأغراب مهما بلغ الصراع السياسي والكيد الحزبي الذي يعيد أصحابه إلى زمن الجاهلية الأولى. ولعل الذين فككوا الدولة بنوازع ثأرية وأهدروا قوة جيش الوطن وكرامته بماكنزمات عدائية يدركون خطر أن يكون اليمن هو الغائب من المعادلة بسبب حرصهم على تفعيل كل نظرية للهدم، معتقدين أنهم يحسنون صنعاً. اللافت للنظر أن الشعب ما يزال يتمتع بخليط من العصامية والصبر على مكاره حكوماته المتعاقبة وأحزابه التي لا تراه غير أصوات انتخابية كلما دعت الضرورة بدليل أنه أدار نفسه ولم يشعر بوجود حكومة باسندوة إلا عندما صعقته الجرعة الظالمة وزادت حراب ثلاثية الفساد والإقصاء والاستبداد. واليوم ها نحن في انتظار الشعور بوجود حكومة خالد بحاح التي لا هي تشكلت وفقاً للدستور المعطل ولا على هدى من المبادرة الخليجية، ولا أخذت في الاعتبار نصوص اتفاقية السلم والشراكة. عند هذه النقطة أعود إلى بدء لأقول: ثقيلة هي المسؤولية عندما تكون محكومة بالمصالح الضيقة التي تصل درجة النظرة إلى أن البلد مجرد عجوة تمر للأكثر استقواء ونفوذاً.