في كل منعطف تاريخي، حين يضعف التأثير السياسي للقوى الطُفيلية، في إعادة إنتاج مصالحهم، على حساب تطلعات الشعب، أو نضوج حراك جماهيري وسياسي، يهدد مصالحها، كما في حالة اغتيال جار الله عمر، أو أي تسوية سياسية تكفل ولو مقداراً ضئيلاً من الشراكة، وحلحلة أزمة البلاد تلجأ هذه القوى إلى استخدام ورقة الإرهاب والاغتيالات، لتخلط الأوراق ، وتعيق هذا المجرى السياسي، تأتي جريمة اغتيال الدكتور المُتوكل في هذا السياق وهي مُركبة أيضاً، فهو لم يُقتل فحسب لفعالية حضوره السياسي وعَشِية الاتفاق على تفويض هادي وبحاح لتشكيل حكومة أي لخلط الأوراق مرحلياً، بل استهدافهم إستراتيجياً، ولأنه فِكر حي، تأتي خطورة المتوكل على هذهِ القوى في فكره، فهو الأقدر على بلوره رؤى تَرشيد مُمارسة أنصار الله العسكرية وتعطي مُقاربات سياسية في ضل وجودهم في العاصمة. ليسَ مجرد إنشاء أن نقول عن اغتيال المتوكل اغتيال وطن واغتيال الدولة المدنية والحرية والديمقراطية، فهو الصوت الأبرز المنادي بها عن وعي مع انسجام وجداني، بل وهو المُعبر عنها والمُجسد لها طوال فتره توليه مناصب حكومية، وليست تكتيكا انتهازيا، ظل قريبا من كُل الأطراف السياسية مُجسداً الديمقراطية الحقيقية في القبول بالآخر لا القطيعة، فمن منظورهِ هذا كانَ يرى أن أزمة البلد كواقع اجتماعي سياسي وطني بالإمكان حلها وطنياً، إذا توافرت الرغبة لدى جميع الأطراف في تجاوز هذه التناقضات، لهذا كان موقفه واضحاً حين قام بزيارة صالح بعد عودته من العلاج في السعودية في تصديه للهجوم عليهم، بكلمة بسيطة أن زيارته إنسانية، فالقطيعة لا تعني الحسم الثوري بالنسبة للمُشترك بل أكثر منها نزعات فاشية تَصفَوية فلم يُدن أحد منهم جريمة تفجير دار الرئاسة، كما أن المُصالحة التي كان يقصدها المتُوكل ليست تجاوز تطلعات الشعب، بل هي المناخ الأكثر مواتاة لحل هذه القضايا، فالاستقرار يعني التنمية. خسارة المُتوكل كفكر مُتحرك لا يمكن تعويضها في هذهِ المرحلة التي تتكالب الشطحات والانتهازية على المواقف الوطنية والثورية النقية، إلا أن القيم التي جسدها ستظل إرثا وطنيا وإنسانيا وإنتاجه الفكري والإبداعي سيَظل يُدرس، باسم المُتوكل كمدرسة سياسية يمنية، فعليه السلام.. *إمضاء على روح الشهيد كإله من تُراب كان المتوكل عارياً من السِلاح إلا فؤاده الكبير، وفكره المُنير يحملهُ بالجسد النحيل وملؤه عِشقُ الوطن.. لم يكُ أكثر من مناضل منذ سنين وسبع حروب، لم يلتفت للخلف خُطاهُ شفافةً كالغيم، في كل خطوة مائة سُنبلة وقاتلٌ بعيون "يزيد" الأمريكية يترصد الضوء في خفقات قلبه وطلقة واحدةٌ تسقطهما معا هو والوطن.