المواطن (سعد) قصد العاصمة مع بعض أولاده، قادماً من منطقة بني حشيش، حينما استوقفه على مدخل العاصمة عدد من الشباب المسلحين وأغرقوه بالأسئلة البليدة، كان أكثرها برودة ما يلي: - هل أنت شخص مشكوك به؟.. وأجابهم: (مدري..!) أنتم أخبر، ثم طُرح السؤال الثاني عليه: هل أنت تضم في الصلاة أم تسربل؟! وجاء رده متأخراً قائلاً: (مدري) أنتم أخبر.. هنا صرخ أحدهم في وجهه: حتى هذه مدري!! يعني أيش مدري يا.... حينها عقَّب (سعد): أنا لا أفعل هذه ولا هذه.. يعني أيش؟! قال أحدهم مزمجراً، ورد (سعد) أنا الحمد الله لا أصلي بالمرة.. هذه الحكاية خرجت إلينا بالصدفة، غير أنها تحدث كثيراً منذ فترة وبصيغ عدة وأشكال متنوعة، لكن خلاصتها ونتائجها واحدة، نحن في خطر، والمذهبية تجتاح البلاد أكثر من الجوع والظلام، والجراد القادم بعد حين. والهوية المذهبية تعبر حدودنا في أشكال وصور لم تكن واضحة المعالم اليوم، فستكون في الغد أكثر وضوحاً، وأطرافها سيبرزون في صباح الغد بأنياب وليس بابتسامات، وحبات السُّبَح المتدلية من خواصرهم أو أيمانهم وشمائلهم ستنفجر مساء الغد قنابل ومفخخات، وحينئذ لن يقدر أحد على إيقاف جنونها، بما فيهم الطرف الفاعل نفسه، لأنه سيجد نفسه حينها في صفة نائب الفاعل إن لم يكن أحد أخوات كان.. لذا علينا أن نكون أكثر يقظة وحذراً، وإذا كان معنى (التقوى) التي وردت في القرآن أكثر من عبارة الإيمان والإسلام تعني شرعاً اليقظة والحذر، فإنه يتوجب على هؤلاء أن يتقوا الله سبحانه وهذا الوطن الذي يتدحرج نحو المجهول أمام أعيننا، فللأوطان حرمة كحرمة النفس البشرية، وقتل نفس واحدة عند الله أشد وأنكى من هدم البيت العتيق.. كما ورد بهذا المعنى في الأثر الشريف. الوطن هو الأم، وأوطان الآخرين أياً كانت هي الخالات والحموات ولو أعجبتنا.. وكون عبارة "الوطن" في القرآن الكريم لم ترد نصاً، ووردت عوضاً عنها عبارة "أوطان" أو "مواطن"، فذلك لا يعني أن (بلاد العرب أوطاني). لأن ذلك مدعاة لإطلاق أناشيد وأغانٍ جديدة تصبُّ في ذات السياق، على غرار (بلاد الغرب أوطاني).