ثارت زوبعة كبيرة في بحر الألم الذي تتقاذفنا أمواجه منذ أربع سنوات؛ بسبب عطلة السبت وموقف الحوثيين منها. موقفهم واضح من السبت ومن كل الرموز اليهودية، مع أن الأيام كلها لله، ومع أن اسم السبت واحد من المشتركات الكثيرة بين الديانتين- اليهودية والإسلام- اللتين خرجتا من مشكاة واحدة، أو على الأصح بين العربية والعبرية اللتين تنتميان لعائلة لغوية واحدة.. والحقيقة أننا نحتاج الكثير من الوقت لتنقية الحَبّ الإسلامي من الحصى اليهودية، في تفسير القرآن وفي رواية الحديث، في العادات والتقاليد، وفي ألعاب الأطفال، في كتابة التاريخ وفي صناعة المستقبل. لكن حيثيات اعتماد السبت عطلة بدلاً عن الخميس لم يكن لها علاقة باليَهودة، وكان الأمر مطروحاً قبل أزمة 2011م؛ لأسباب اقتصادية بحتة نستطيع تغييرها حين نكون نحن طليعة العالم، والمتحكمين في حركته وصيرورته. إن تحويل يوم العطلة إلى قضية مصيرية لها علاقة بالهوية والعقيدة أمر يصل إلى درجة السخف، لكنه سبيل يسير عليه كلُّ من يريد امتلاك قلوب الناس والفوز بولائهم والظفر بتأييدهم، ومن ثم النجاح في تجييشهم. والمثل يقول: "اليَهودة في القلب، ما هي بطول الزنانير"! البنوك في العالم كله، تقريباً، تعمل يومي الخميس والجمعة من كلِّ أسبوع، بينما يكون السبت والأحد عطلة في كثير من الدول التي نحن مرتبطون بها اقتصادياً بطريقة أو بأخرى، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص. وباعتماد الخميس عطلة بدلاً عن السبت، نكون قد حذفنا 4 أيام من الأسبوع؛ تصبح كلها سُبُوتاً وسُبَاتاً: عطلتنا يومان وعطلة النصارى واليهود يومان، "والباقي على الله"! فهل من طموحاتنا السيادية أن ننقطع عن العالم 4 أيام؟ وهل وصلنا إلى مرحلة من الترف كي تصبح العطلة- لا العمل- هي موضوع خلافنا؟! هذا وجه من وجوه القضية، أما الوجه الآخر فهو أسلوب الترويج لفكرة إلغاء العطلة، الذي لا يخلو من الاتهام والتخوين، وكأن الذي قرر أن نرتاح يوم السبت قد حرَّم علينا إيقاد النار والسفر وغيرها من المحظورات السبتية، وأمرَنا بالذهاب في الثياب الملونة إلى الكنيس للصلاة، وتنظيف لفائف التوراة من الغبار! ما هذا؟! ما هذا التسطيح بالله عليكم؟ وإلى متى سنظل نهتم بالأعراض والشكليات ونهمل الأمراض المزمنة والأولويات والأمور الجوهرية؟! ألا يصلح العمل ليكون سلاحاً بدلاً عن الشعارات؟ ألا يجوز أن تكون المصالح (الدنيوية) العامة ميدان تنافسكم، بدلاً عن الشعارات الدينية؟ وثمة وجه ثالث للقضية لا يقل قبحاً عن سابقيه، هو طريقة وضع القرار الحوثي موضع التنفيذ؛ فهو- ككثير من القرارات في الآونة الأخيرة- يمرّر بعيداً عن القنوات الرسمية؛ ما يجعله فاقداً للشرعية. سيجادل "الأنصرليُّون" بأن هذه هي شرعية الثورة، وهي بصراحة شرعية انتهت صلاحيتها يوم توقيع (اتفاق السلم والشراكة)؛ مع أن السلم لم يتحقق، والشراكة لم تتجسَّد على أرض الواقع. والذين سبقوكم إلى العمل بالشرعية الثورية سمحوا لأنفسهم بأن يخوِّنوا الآخرين ويُقصوهم، وزدتم عليهم استخدام التهديد ولغة السلاح ومنطق القوة لفرض إرادتكم التي ترتدي زي الشعب. باختصار، نحن لا نريد دولة داخل الدولة، ولا نتمنى أن تمنحوا آخرين مبرراً للتوغل في التفكير الانقلابي أو الانتقامي، ولا إغراق البلاد في وحل المذهبية. هل سمعتم بسوق السبت؟ إنه موجود في كثير من مناطق اليمن، فهل كان اختيار السبت، يوماً للتسوق، مسألة دينية أو دنيوية؟ هل له علاقة بمصالح الناس أو بعقائدهم؟! وكل سبت والجميع بألف خير.