الإرهاب لم يخلق من عدم، ولم ينزل من السماء مثل كبش إبراهيم.. ليس نباتا شيطانيا، ولم يوجد في فراغ ولا من فراغ.. للإرهاب مذهب، وشيوخ، وكتب، ومراكز دينية، ومعاهد، وكليات، ومنابر.. تابعوا هويات الإرهابيين، واعرفوا شيوخهم، وتأملوا في كناهم، وتعرفوا على خلفياتهم التربوية والتعليمية.. ستجدون أن معظم الإرهابيين الانتحاريين والمفجرين والمقاتلين والمقبوض عليهم قد درسوا في مراكز دينية سلفية، وتدربوا في معسكرات تمويلها سلفي.. يكابر شيوخ السلفية، بإنكارهم دور المراكز والجامعات والجمعيات السلفية في صنع الإرهابيين، بينما كثير من الإرهابيين، يمنيين وأجانب، تتلمذوا في جامعة الزنداني، ومراكز سلفية في دماج وكتاف، ومأرب، ومعبر، وبعض منهم مر بالجمعيات التي تبدأ خيرية إنسانية، ثم يصير لها مساجد، ومراكز تعليمية، وفي لحظات غضب ينتهي القائمون عليها إلى إعلان انحيازهم للتنظيمات الإرهابية، كما هو حال الذين بايعوا تنظيم داعش، وحثوا تنظيم القاعدة في اليمن على مبايعة خليفة الدواعش أبو بكر البغدادي.. بل إن ثقافة التكفير الذي يفضي إلى الإرهاب، لها نصيب في كتب مدرسية تروج لحاكمية السلفية، باسم الحاكمية الإلهية، وتقسم أبناء المجتمع إلى كفار ومؤمنين، على قاعدة الولاء والبراء المبتدعة، وتقسم توحيد الله إلى توحيد ربوبية وتوحيد ألوهية، وترسخ في أذهان التلاميذ والشبيبة أن من يسخر من اللحية مرتد، وأن الاختلاف معصية، وأن جهاد الطلب واجب، وأن الغرب كافر، وعدو على طول الخط. ليس للإرهابيين قنوات فضائية خاصة بهم، ولا صحف مقروءة تنطق بلسان حالهم ومقالهم، لهم فقط مواقع في الشبكة الإلكترونية، ومع ذلك فثمة خطاب ديني حكومي لا يختلف عن خطاب الإرهابيين.. أخبار الإرهابيين وعملياتهم الدموية تسوق للناس وتروج عبر قنوات تلفزيون فضائية حكومية وغير حكومية، وصحف سيارة حكومية وغير حكومية، وصحف إلكترونية حكومية وغير حكومية، بزعم "إطلاع" الجمهور على ما يدور حوله، وفي ذلك"الاطلاع" يدس عسل في السم، وتقدم للإرهابيين خدمة كبيرة يحسدون أنفسهم عليها، بينما من حق الإرهابيين أن يجهلوا. ليس للإرهابيين أحزاب سياسية علنية مشروعة أو غير مشروعة، ومع ذلك تعمل لمصلحتهم أحزاب، وترتبط معهم بعلاقات لوجستية، وثقافية، وسياسية، وإعلامية، وتتحالف معهم على المكشوف، وقد دللت على ذلك وقائع كثيرة، من كتاف ودماج صعدة، إلى أرحب صنعاء، مرورا برداع وقيفة والمناسح في البيضاء، وحصبة العاصمة، ولبنات الجوف، وسحيل مأرب، وعدين إب، وشواهد أخرى معروفة في عمران، وأبين، وشبوة، ولحج، وحضرموت.. إن للإرهاب أعمام، وله أب وأم، فليس يتيما، ولا لطيما.