تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    "سيتم اقتلاعهم من جذورهم": اكاديمي سعودي يُؤكّد اقتراب نهاية المليشيا الحوثية في اليمن والعثور على بديل لهم لحكم صنعاء    وزير الخارجية الدكتور شائع الزنداني يطلع نظيره الباكستاني على آخر مستجدات جهود إنهاء حرب اليمن    أخيرًا... فتيات عدن ينعمن بالأمان بعد سقوط "ملك الظلام" الإلكتروني    حوثيون يرقصون على جثث الأحياء: قمع دموي لمطالبة الموظفين اليمنيين برواتبهم!    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الإرياني: استهداف ممنهج وغير مسبوق للصحافة من قبل مليشيا الحوثي    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    الكشف عن كارثة وشيكة في اليمن    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    خادمة صاحب الزمان.. زفاف يثير عاصفة من الجدل (الحوثيون يُحيون عنصرية أجدادهم)    الرئيس الزبيدي يعود إلى عدن بعد رحلة عمل خارجية    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    ميلاد تكتل جديد في عدن ما اشبه الليله بالبارحة    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع الإرادات.. من خليج هرمز إلى باب المندب
نشر في اليمن اليوم يوم 10 - 08 - 2015

في ذروة أحداث الفوضى التي عمّت بعض دول الشرق الأوسط في عام 2011م تحت مسمى (الربيع العربي)، تداول الكثير من وسائل الإعلام العالمية ومراكز الدراسات والأبحاث في مختلف أنحاء العالم، معلومات عن وجود قرار قديم اتخذه الكونجرس الأميركي في ذروة الحرب العراقية الإيرانية عام 1982م، يشأن تفكيك دول الشرق الأوسط واسيا الوسطى وإعادة صياغة خارطتها السياسية. استند القرار إلى دراسة قدمها المستشرق الأميركي اليهودي للكونجرس في إطار خطة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريجان، التي استهدفت تصعيد عمليات الحرب الباردة، ومحاصرة العمق الاستراتيجي الجيوسياسي للإتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط، تمهيدا لإضعافه أو إسقاطه، وقد وافق الكونجرس الأميركي على مشروع القرار الذي تقدم به المستشرق الأميركي اليهودي برنارد لويس، كمخطط استراتيجي غير قابل للإعلان. صناعة التطرف كان برنارد لويس في تلك الفترة مستشارا مزدوجا للبيت الأبيض الأميركي وجهاز الاستخبارات الأميركية (CIA) بشأن استخدام الإسلام السياسي والتعليم الديني في حرب أفغانستان، وكتب في مذكراته أنه أشرف بالتنسيق مع رابطة العالم الإسلامي التي يديرها جهاز الاستخبارات السعودية، على وضع مناهج متشددة ومتطرفة في مدارس التعليم الديني التي ساعدت الاستخبارات السعودية والأميركية على إنشائها وتمويلها في كل من باكستان واليمن الشمالية والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية ذات الأغلبية الشيعية والصومال والسودان ونيجيريا. وكان الاتجاه الرئيسي لتلك المناهج يتمثل في صناعة جهاز مفاهيمي متخلف ومتوحش للإسلام، بما يساعد لاحقا على تفكيك العالم الإسلامي، والإجهاز على ما تبقى من الحضارة الإسلامية، وهو ما واصله في مطلع تسعينيات القرن العشرين أشهر تلاميذ برنارد لويس، وهما المفكر الأميركي المسيحي الصهيوني فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية (نهاية التاريخ)، والمفكر الأميركي اليهودي صموئيل هنتجتون مؤلف كتاب (صراع الحضارات) الذي صدر بعد مرور ثماني سنوات على قرار الكونجرس الأميركي بشأن تفكيك دول وجيوش منطقة الشرق الأوسط أثناء الحرب العراقية الإيرانية عام 1982م. وقد تزامن صدور قرار الكونجرس الأميركي بشأن تفكيك الشرق الأوسط عام 1982، مع تنامي الحرب العراقية الإيرانية في الشرق الأوسط، وما كان يُسمَّى (الجهاد الإسلامي) ضد القوات السوفيتية في أفغانستان، وما ترتب عن تلك البؤر الحربية من فوضى عمّت منطقتي الشرق الأوسط والشرق الأدنى. حاولت الولايات المتحدة الأميركية استثمار حالة الفوضى، من خلال انتهاج سياسة (الاحتواء المزدوج) لكل من العراق وإيران والجماعات الجهادية في أفغانستان والعالم العربي بشكل عام، على نحو ما فعلته المخابرات الأمريكية في إيران أيام حكم مصدق، حيث نجحت حينها في إعادة شاه إيران إلى سدة الحكم عام 1956م، بينما فشلت في إعادة النظام الإمبراطوري عقب اندلاع الثورة الإيرانية الإسلامية عام 1979م.. غير أن الفوضى التي رافقت الانهيار المفاجئ للإتحاد السوفييتي وجدار برلين في أوروبا الشرقية مطلع التسعينيات، دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى التحول من سياسة (الاحتواء المزدوج) في زمن الحرب الباردة، إلى استراتيجية الهيمنة على العالم عن طريق الضغوط والتدخلات الخارجية المباشرة، واستخدام مختلف أجيال الحروب، بما فيها الجيل الثاني من الحروب ممثلاً بالاحتلال المباشر (من الخارج)، والجيل الرابع من الحروب ممثلا بالاحتلال (من الداخل) بواسطة المنشقين والعملاء والجواسيس، أو بالاثنين معا. تعتبر مؤلفات المستشرق الأميركي اليهودي برنارد لويس من أبرز المصادر الفلسفية والفكرية لما تسمى(نظرية الفوضى الخلاقة)،مع الأخذ بعين الاعتبار أن برنارد لويس أعلن بصوت عال عقب اجتياح الجيش العراقي للكويت وإخراجه منه بالقوة، بأن فكرة القومية العربية انتحرت، ومات معها مفهوم العالم العربي، واقترح عدم التعامل مع اصطلاح (العالم العربي) واستبداله باصطلاح (الشرق الأوسط الجديد). من نافل القول أن المستشرق برنارد لويس كان أول مفكر أميركي يدعو في نهاية الثمانينيات إلى ضرورة الاعتراف العالمي بيهودية الدولة في إسرائيل، لدرء ما أسماه خطر الإسلام التكفيري، بعد أن أعترف في مذكراته بأنه ساهم في وضع مناهج التعليم الديني في المدارس السلفية والموازية في الشرقين الأوسط والأدنى، بهدف إنتاج إسلام تكفيري إقصائي دموي ومتوحش، لا يساعد على انتشار الإسلام عالميا، بوصفه عدوا لدودا للحضارة الحديثة بحسب تعبيره، وهو ما ذهب إليه في مطلع التسعينيات تلميذه صموئيل هنتجتون في كتابه (صدام الحضارات)، وتلميذه الروسي المهاجر إلى إسرائيل ناتان شارانسكي، والذي وصف الإسلام في كتابه الشهير (مستقبل الديمقراطية والحضارة الحديثة) بأنه لا يهدد فقط دولة إسرائيل التي يجب الاعتراف العالمي بيهوديتها، وإنما يهدد العالم المتحضر بأسره!! في ذروة الحرب العراقية الإيرانية كان دعاة نظرية (الفوضى الخلاقة) يتطلعون إلى الاستفادة من تلك الحرب لوضع المداميك الأولى لتفكيك إيران والعراق، غير أن صمود إيران ونجاحها في استعادة المبادرة والتوازن الاستراتيجي، بالإضافة إلى صمود العراق وقدرته على عدم التراجع إلى الخلف في تلك الحرب، كان لهما الأثر الكبير على فشل مشروع تفكيك إيران والعراق. بيد أن الولايات المتحدة الأمريكية وبالتنسيق مع دول حلف الناتو ظلت تراهن على نظرية الفوضى الخلاقة كمدخل لتفكك العراق وإيران ودول الشرق الأوسط لاحقا، وقد تجلى ذلك بوضوح في قيام الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية الكبرى بالتعاون مع السعودية ودول الخليج، بفرض عقوبات اقتصادية ومالية قاسية على العراق بعد عشرين يوما من انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر 1988، بعد أن كانت حليفاً وداعما له طوال سنوات تلك الحرب، بالإضافة إلى قيام السعودية ودول الخليج بوقف كافة المساعدات للعراق والمطالبة بتسديد عشرات المليارات من الدولارات التي قدمتها هذه الدول للعراق كمساعدات أثناء الحرب، وصولا إلى إغراق الأسواق بالنفط بهدف تخفيض أسعاره العالمية وحرمان العراق وإيران من الموارد التي تساعدهما على إزالة آثار الحرب وإعادة البناء. فخ تدمير العراق وبصرف النظر عن ما تردد حول دوافع قيام العراق بغزو الكويت في أغسطس 1990م، إلاّ أن ثمة إجماعاً داخل العراق وخارجة، على أن غزو الكويت كان فخّاً مُدبَّرا للعراق، ساعد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في حلف الناتو على تدمير الجيش العراقي بعد إخراجه من الكويت بالقوة، وفرض حصار اقتصادي طويل الأمد على العراق، بالتزامن مع قرار الولايات المتحدة الأمريكية بصورة أحادية في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون بفرض ثلاث مناطق حظر جوي على العراق في الشمال والوسط والجنوب، وهو ما يشير بكل وضوح إلى مخطط تقسيم العراق إلى ثلاث كيانات جيوسياسية قائمة على أساس عرقي وطائفي. كان لافتاً للنظر أن وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية والخليجية أطلقت على تلك الأحداث التي خرج منها العراق مدمرا ومحاصراً، اسم (حرب الخليج الثانية)، في إشارة إلى أن ثمة حرباً ثالثة تنتظر العراق والمنطقة. تبلور نظرية الفوضى الخلاقة تستند نظرية الفوضى الخلاقة تاريخيا إلى منظور أيديولوجي تبلور في خضم تصاعد الآثار الجانبية للثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، بعد أن وقعت تحت سيطرة الطبقات الشعبية المهمشة، وغير المنظمة،على الرغم من شعاراتها التي دعت إلى الحرية والعدالة والمساواة، ما أدى إلى تآكل وتراجع الثورة الفرنسية، بسبب نشوء فوضى تفتقر إلى القيادة والتنظيم والسيطرة في ظل غياب المرجعيات الفكرية والسياسية التي تضمن للثورة وحدتها واستمرارها. وفي أواخر القرن العشرين بعد ما تُسمّى (حرب الخليج الثانية) صاغ برنارد لويس وتلاميذه، مفهوما جديدا لنظرية الفوضى الخلاقة، يعتمد على ما تسمى فجوة عدم الاستقرار التي تولد زعزعة حادة في البيئة السياسية المحلية، وإحباطاً واحتقاناً في أوساط المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى افتقاد مؤسسات الدولة والنظام السياسي القدرة على التكيف مع هذه الفوضى التي تتسلل من داخلها مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية غير متوقعة، وغير ممكنة التنفيذ بدون إحداث إصلاحات سياسية قاسية،ومشاركة سياسية هلامية وفسيفسائية لاستيعاب تلك المطالب، التي تفتح الباب للمزيد من الفوضى، وتؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة واللاعبين بمن فيهم الحكام والحكومات!! وفي بداية الألفية الثالثة تعرضت نظرية (الفوضى الخلاقة) لاختبارات صعبة، خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في نيويورك وواشنطن، وما ترتب عنها من قيام الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق جورج بوش بغزو أفغانستان وإسقاط نظام طالبان في نوفمبر 2001، وصولا إلى غزو العراق (تحت مسمى حرب الخليج الثالثة) وإسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل وفي مقدمتها السلاح النووي !! كانت الإدارة الأمريكية تعتقد أن إسقاط النظامين القائمين في أفغانستان والعراق بواسطة الجيل الثاني من الحروب ممثلا بالغزو المباشر، من شأنه تهيئة الظروف لاستثمار نظرية الفوضى الخلاقة وتطبيق مشاريع التفكيك على أسس طائفية وعرقية.. لكنها تراجعت عن هذه الرؤية بعد الخسائر السياسية والعسكرية والأخلاقية التي تكبدتها القوات الأميركية في كل من أفغانستان والعراق، وأجبرتها على الرحيل من هذين البلدين دون أن تحقق أهدافها السياسية والعسكرية كاملا. وقد تزامن هذا التراجع في الرؤية الأمريكية لنظرية الفوضى الخلاقة ومشروعات التفكيك، مع اتخاذ إدارة الرئيس بوش قراراً غير مسبوق تمثل في تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي بعد غزو العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين عام 2003، يقضي بأن حل الصراع العربي الإسرائيلي لا يمكن أن يتم بدون إقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية والاعتراف المتبادل بهاتين الدولتين من قبل العالم بأسره والدول العربية على وجه الخصوص، بعد مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين برعاية دولية.. مع العلم أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت الفيتو عشرات المرات ضد أي مشروع قرار يقر بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم الوطنية المستقلة. في هذه السياق لا يستبعد بعض المراقبين والمحللين أن يكون مشروع السلام العربي في الشرق الأوسط الذي تقدم به الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز إلى قمة بيروت عام 2002 م عندما كان نائبا للملك فهد رحمه الله قد تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس جوروج بوش الابن وموافقتها، وهو ماساهم في تمهيد الطريق لتحول كبير في الموقف الأمريكي من قضية الدولة الفلسطينية المستقلة على نحو ما تميزت به سياسة الرئيس جورج بوش البراجماتية بهذه الشأن، الأمر الذي دفع القيادات الصهيونية المتعصبة في إسرائيل إلى مواجهة مشروع حل الدولتين بمشروع يهودية دولة إسرائيل الذي تبناه الكنيست الإسرائيلي رسميا عام 2002م. تراكمت كل هذه المتغيرات والمستجدات لتضع أمام مراكز الدراسات والبحوث في الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو، مسؤولية بلورة منظور جديد لنظرية الفوضى الخلاقة ومشروع تفكيك الشرق الأوسط في ضوء التعقيدات والتحديات التي واجهت هذه المشروع بعد غزو أفغانستان والعراق من خلال الجيل الثاني للحروب.. الأمر الذي دفع حكومات الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو في أوروبا إلى رعاية ملتقى استراتيجي لكبار المفكرين والمستشرقين الأوروبيين والأمريكيين في العاصمة النمساوية سالز بورغ عام 2005 برئاسة وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق مادلين اولبربرايت. اللافت للنظر أن الغالبية الساحقة من المشاركين في ذلك الملتقى الاستراتيجي كانت من يهود أمريكا وأوروبا، وعلى رأسهم المفكر الأمريكي برنارد لويس والمفكر الفرنسي الصهيوني برنارد هنري ليفي فيما كانت أقلية المشاركين في هذه الملتقى من التيار المسيحي الصهيوني على النحو التالي: 1- برنارد لويس 2- هنري كاسينجر 3- زبينجنيو بريجنسكي 4- برينت سكوكروفت 5- مادلين اولبرايت 6- ناتان شارنسكس (بروفسور روسي هاجر إلى إسرائيل قبل انهيار الاتحاد السوفيتي) 7- فؤاد عجمي (يهودي عربي عضو في حزب الليكود الإسرائيلي وبروفيسور في جامعه جون هوبكينز) 8-
رالف بيترز (جنرال بريطاني متقاعد) 9- جوزيف ناي (جنرال أمريكي متقاعد) 10- جوروج سوف (ملياردير أمريكي يهودي يدير ويمول الصندوق الوطني للديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية الاتحاد الأوروبي NED) 11- وليام تافت (رئيس منظمة فريدم هاوس، سفير دائم لأمريكا في حلف الناتو من منتصف الثمانينيات إلى بداية التسعينيات) 12/ 13- جارد كوهين وسيرجي برين(وهما من أبرز المؤسسين الأوائل لشركة جوجل في نهاية التسعينيات) 14- برنارد هنري ليفي (مفكر صهيوني فرنسي كان عرّابا محورياً لما تسمى ثورات الربيع العربي في 2011م لاحقا). خلص هذا الملتقى إلى تشكيل فريق عمل باسم (لجنة الحكماء العشرة) برئاسة السيدة مادلين أولبرايت، حيث أعدت هذه اللجنة رؤية استراتيجية عُرفت باسم (وثيقة سالزبورغ)، تناولت الخطوط الرئيسة لمشروع إشاعة الفوضى الخلاقة وتفكيك الشرق الأوسط، وبناء شرق أوسط جديد. ومما له دلالة أن الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو أحاطت قرار الكونجرس الأمريكي الذي قدمه المستشرق الأمريكي برنارد لويس عام 1982 بالسرية، ولم يتم الإعلان عنه آنذاك، فيما تم الكشف عن مضامينه الرئيسة بعد ثلاثين عاما عقب قيام ما تسمى ثورات الربيع العربي من خلال الكتب والدراسات والتناولات الإعلامية في عام 2012م. وفي الاتجاه نفسه تم إحاطة (وثيقة سالزبورغ) التي حددت ملامح استراتيجية الفوضى الخلاقة لتفكيك دول وجيوش الشرق الأوسط، بالسرية النسبية أيضا، ولم يتم نشر هذه الوثيقة حتى الآن، على الرغم من تناول مضامينها في عدة كتب وأبحاث وتناولات إعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا ومصر وإيران والجزائر، استنادا إلى ما كشفته المخابرات الروسية وبعض مراكز الأبحاث العالمية المناهضة للصهيونية والعولمة عام 2012م، وهو العام نفسه الذي تم فيه الكشف عن قرار الكونجرس الأمريكي بشأن تفكيك دول وجيوش الشرق الأوسط عام 1982م. واستنادا إلى هذه المراجع التي بذلت جهدا كبيرا في متابعتها وترجمتها، يمكن تلخيص أبرز ما جاء في هذه الوثيقة التي أعلنت مضمونها الرئيسي - لأول مرة - وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس، بعد فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006م، على النحو التالي: أولا: ضرورة تصفية مخلفات الحرب الباردة في هذه المنطقة وفي مقدمتها الدول والجيوش التي نشأت وتطورت في حقبة الكفاح ضد الاستعمار في الخمسينيات والستينيات بدعم من الاتحاد السوفيتي وفي مقدمتها الجزائر، مصر، ليبيا، سوريا، العراق واليمن. ثانيا : بناء شرق أوسط جديد لا يقوم على عوامل القومية والدين والموروث الفكري والسياسي لحقبة الحرب الباردة. ثالثا: إشاعة الفوضى من خلال استخدام الجيل الرابع من الحروب، وإذا تعذر ذلك يمكن الاستعانة أيضا بالجيل الثاني من الحروب بشكل محدود. رابعا : إشاعة ثقافة الكراهية بين الجماعات الدينية والعرقية والطائفية، التي تضم مسيحيي الشرق الأوسط والسنة والشيعة والبهائية والإسماعيلية والنقشبندية والأباظية والزيدية، وإعادة تقسيم الشرق الأوسط إلى كيانات جيوسياسية غير وطنية، انطلاقا من تركيبة سكانية غير متجانسة. خامسا: إحياء الموروث الفقهي الديني لبعض المذاهب الإسلامية التي لا تعترف بفكرة الوطن، وتسليحها وتمكينها من إقامة كيانات جيوسياسية محلية ومغلقة ومعادية لفكرة الوطن والقومية العربية. سادسا: احتواء النخب السياسية والثقافية التي تشكل عقلها السياسي والثقافي في حقبة الحرب الباردة، ودمجها ضمن مفاعيل الفوضى الخلاقة. سابعا: إنشاء ودعم وتمويل وتدريب مؤسسات إعلامية ومنظمات مدنية غير تابعة للحكومات في الشرق الأوسط. ثامنا : دعم وتمويل وسائل وطرق جديدة لنشر الفوضى والديمقراطية من خلال التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات. تاسعا : زيادة فاعلية الصندوق الوطني للديمقراطية NED في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بمشاركه فعالة من الحكومة الأمريكية وحكومات الاتحاد الأوروبي ودول الناتو والشركات في أمريكا وأوروبا. عاشرا : الانفتاح المحدود على بعض الفعاليات الإعلامية والسياسية والاجتماعية من الشباب في منطقة الشرق الأوسط، ومنحهم فرص الظهور العالمي من خلال الجوائز والشهادات التقديرية والمنتديات الدولية. أحد عشر : تمويل وتصميم برامج لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، من قبل المنظمات غير الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودول حلف الناتو تحت رعاية الصندوق الوطني للديمقراطية NED ومنظمة فريدم هاوس. اثنا عشر: دعم وتمويل الأبحاث الخاصة بتطوير تقنيات التواصل الاجتماعي عبر الانترنت، وتوظيفها في الدعاية والتحريض والحرب النفسية والتنظيم، لزيادة تأثير المنظمات والمؤسسات غير الحكومية والحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، بعد استيعابها في برامج نشر الديمقراطية والفوضى الخلاقة. ثالث عشر : دمج الدبلوماسية الدولية بالدبلوماسية الشعبية بما يكفل ممارسة ضغوط سياسية على الحكومات التي تتضرر من الفوضى الخلاقة، وتلجأ إلى مقاومة مطالب التغيير الجديدة. رابع عشر: إنشاء، ودعم شبكات إعلامية حرة ومستقلة عن الحكومات، وتغيير مفهوم الإعلام الحر فيما يتعلق بالعمليات التي تدخل ضمن مفاعيل الفوضى الخلاقة، وتمكين الإعلام الحر وغير الحكومي، من توجيه هذه العمليات، وإضعاف تأثير الحكومات. خامس عشر: بلورة خطط سياسية وعسكرية وإعلامية لدول حلف الناتو وحكومات العالم الحر لتأمين الموارد الطبيعية والمضايق والخلجان والممرات المائية وطرق الملاحة التجارية في منطقة الشرق الأوسط، وربط الاتجاه العام للفوضى الخلاقة بالمصالح الحيوية للعالم الحر في الخلجان والممرات المائية وطرق الملاحة التجارية (الخليج الفارسي، خليج عدن، خليج السويس،خليج سرت، خليج العقبة،مضيق هرمز، مضيق باب المندب، ومضيق قناة السويس). سادس عشر : الاستفادة من خبرات التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأطلسية والسعودية والخليجية والأردنية والمغربية، مع فروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في الشرق الأوسط، ورابطة العالم الإسلامي التابعة لجهاز الاستخبارات السعودية في حقبة مكافحة خطر انتشار الأفكار الشيوعية والأفكار القومية العربية، واستيعاب فروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في الشرق الأوسط وناشطيها الذين درسوا في أميركا وأوروبا، ضمن برامج نشر الديمقراطية، وتأهيلها كتيار يميني محافظ يستلهم التجربة الديمقراطية التاريخية للأحزاب المسيحية المحافظة في العالم الحر، وإعطاء فروع هذه التنظيم وناشطيه دورا وظيفيا في عمليات نشر الفوضى الخلاقة، ومساعدتها للوصول إلى السلطة، بما يخدم تفكيك الدول والجيوش القومية في الأنظمة الجمهورية، وإصلاح وتغيير نظم الحكم الملكية الوراثية الفاسدة والمطلقة ذات الطبيعة الدينية، أينما كان ذلك ممكناً في منطقة الشرق الأوسط.. سابع عشر : الاستثمار الجيد للمرجعيات والحواضن الفكرية والتنظيمية التي يوفرها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لجماعات الإسلام السياسي الجهادية، وتوظيفها في مواجهة الدول والجيوش التي ولدت وتكونت بدعم سوفييتي في حقبة معاداة العالم الحر، باعتبارها من أخطر مواريث ومخلفات الحرب الباردة، حيث لا يمكن بناء الشرق الأوسط الجديد بدون تفكيكها وتصفيتها. ثامن عشر : إحياء وتطوير الخبرات المكتسبة من الثورات الملونة التي حظيت بدعم سياسي وإعلامي من أجهزة استخبارات العالم الحر، في المجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968 وبولندا عام 1980 والصين عام 1988 ودول البلقان وجورجيا وأوكرانيا ودول المحيط الأوراسي في التسعينيات، وإغناؤها بمنجزات ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال. تاسع عشر : استيعاب الحركات الإسلامية المعارضة في الشرق الأوسط كحليف استراتيجي مستقبلي والاستفادة من نشاطها السياسي والديني المعارض، وتشجيعها على التمدد أفقيا وعموديا في أوساط الشرائح الاجتماعية المحرومة من عائدات الموارد الطبيعية التي يذهب فائض قيمتها إلى ما سمتهم (وثيقة سالزبورغ) النخب الحاكمة القديمة التي تمثل كبار قادة الدولة والجيش والأمن ورجال الأعمال الفاسدين وزعماء العشائر، على تربة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها بلدان الشرق الأوسط. واللافت للنظر أن (وثيقة سالزبورغ) شددت على ضرورة دمج إسرائيل وتركيا بالشرق الأوسط الجديد، وتشجيع المنظمات ووسائل الإعلام غير الحكومية على تطبيع علاقاتها بإسرائيل، واعتبرت التعايش القائم بين الأقليات المسيحية والبهائية والسريانية والمسلمين بمختلف طوائفهم وأعراقهم في الشرق الأوسط، يشكل الأساس الموضوعي لفكرة القومية العربية التي تنطلق منها نظرية الأمن القومي العربي في مواجهة إسرائيل كدولة يهودية يرفض العرب التعايش معها. ولعل كل ذلك يفسر قيام تنظيم داعش وتنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية كمنتج أمريكي سعودي بارتكاب جرائم ومذابح وحشية ضد هذه الأقليات الدينية والعرقية في سوريا والعراق ومصر، وإجبارها على الرحيل والهجرة إلى أوروبا وسط صمت أمريكي وأوروبي بهدف القضاء على رابطة القومية العربية التي جمعت ولا زالت تجمع المسلمين والأقليات الدينية والطائفية العربية في الشرق الأوسط، عبر مختلف مراحل نشوء وتطور الدول العربية المستقلة عن الاستعمار، على نحو ما جرى ويجري من إثارة وتغذية ممنهجة للصراعات الدينية والطائفية والمذهبية في مصر وسوريا والعراق واليمن، على تربة مشاريع الفوضى والتفكيك التي تم تدشينها عمليا من خلال ما تسمى (ثورات الربيع العربي عام 2011م)، والتي كان المفكر الفرنسي الصهيوني برنارد هنري ليفي وهو أحد أبرز المشاركين في صياغة (وثيقة سالزبورغ) عام 2005 عرابا ميدانيا لها في بعض العواصم العربية المنكوبة بمشاريع الفوضى والتفكيك. في ضوء ما تقدم يمكن القول أن ظلال ومخاطر المخططات السياسية والعسكرية التي رسمتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في أوروبا ومنطقة الخليج أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وما سميت بحربي الخليج الثانية والثالثة، لازالت قائمة حتى الآن، حيث يشكل العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، امتدادا موضوعيا لمشروع إغراق المنطقة بالفوضى، وتنفيذ مشاريع تفكيك الدول والجيوش الوطنية على أسس طائفية وعرقية وجهوية غير وطنية، وصولا إلى إخضاع الشرق الأوسط للهيمنة الأمريكية والصهيونية الكاملة والمطلقة، وهو ما تقاومه الشعوب العربية وقواها الوطنية والقومية والإسلامية التي ترفض الخضوع والاستسلام للتدخلات الخارجية والوصاية الأجنبية، وتخوض في مواجهتها معارك باسلة دفاعا عن هويتها الوطنية، وحقوقها المشروعة في الحرية والسيادة والاستقلال والتطور المستقل. (انتهى)

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.