من أكرَم وفادتي، خلال الأسبوعين المنصرمين، وشرفني بمتابعة تناولاتي في هذه الصحيفة المتألقة، لا بد أنه أدرك الكثير من الرسائل الموجهة صواب محراب طاولة الحوار والبحث والاعتراك السياسي بين قطبيه الأبرز، المؤتمر الشعبي العام وحركة أنصار الله اليمنية.. وهي الرسائل التي يشم منها أكثر من رائحة، توزعت بين المباشر وغير المباشر، لكنها أبداً كانت في مجملها تتكئ على حجر من قلق وتستظل بحصيرة من مخاوف.. وما أكثر المخاوف في هذا البلد. كنت أعرف أنهم يبحثون بجديَّة بشأن الغد، ويتحاورون بجديَّة أكثر حول المغانم وليس المغارم.. وقلت أكثر من مرة بأنهم ذاهبون إلى زمن يمني هو الأكثر صعوبة والأغزر أحمالاً وأثقالاً.. وهو فعلاً كذلك.. لذلك توجب عليهم أن يحسبوا المحصول من زاوية المتاعب لا من زوايا المكاسب، وكلما ازداد الحمل تضاعفت مترتباته.. فلا يغريهما الناتج بقدر ما يحسبان نوعية المنتوج.. سيكون للمؤتمر نقاط ترجيح، ومثلها نقاط يحصدها أنصار الله، وما بينهما تتبلور مشاهد القلق وصور التباين والخلاف.. وهي محصلات طبيعية أمام أي أطراف تخضع لحوار من هذه الشاكلة، والخلاف أمر بديهي في أمور كهذه.. ولكن الخوف أن تشكل هذه الثغرات ملامح شقاق ونماذج تباين تذهب للأبعد وتشكل الأعقد ويبرز الخصام.. ونحن كشعب لا نريد لهم خصاماً لأننا سندفع مثلهم ثمن الاختلاف وتصير البلاد نحو هاوية سحيقة.. ومن السخافة أن نتصور أن الطرفين في حالة غرام سياسي يستبعد فيه أي معنى للندية.. إنه حوار بشأن تقاسم شعب بكل مقدراته لا خلاف حول مقتنيات نادٍ رياضي.. إنها مصالح ومستحقات كلَّفت الدماء والدموع.. وكلاهما يعرف ذلك دون شك.. ومعنى ذلك أن يكون حجم التنازلات كبيراً وغالياً، ولكن لوطن أغلى وأقدس. إن أي شقاق بين الأشقاء سيفضي بالضرورة إلى نتائج مهولة، وستصبح اليمن كلها لقمة طرية بيد قوى خارجية وتداعيات أممية تقود إلى احتلال الوطن بجهد لا يساوي نهضة بعير..