ثمانية أشهر من القتل والتشريد.. ثمانية أشهر من الخراب والهلاك.. ثمانية أشهر من الجوع والحصار.. ثمانية أشهر من تمزيق اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي.. ثمانية أشهر من تراكم المعاناة والأوجاع. وما نزال نعيش في عالم الأوهام والأحلام، وخارج حدود العقل. وما يزال بعضنا يتشدق ويتفلسف بقوله: (إيران هي السبب). بينما بعضنا الآخر يتشدق أيضاً، بقوله: (السعودية هي السبب). كم نحن سذج وأغبياء، الوجع تجاوز مداه، والروح بلغت الحلقوم. ولا أحد منا يريد أن يعترف بأننا "الداء والدواء"، وأن واقعنا الدموي المعقد والمركب، صنيعتنا ومرتبط بنا. وتحركه وتتحكم فيه عوامل متعددة، مصدرها الداخل، منها: الجغرافية والتاريخية، والمذهبية والسياسية والاقتصادية والمناطقية. لقد استغل الخارج هذه العناصر، أو الأوبئة المحلية ونفخ فيها النار، حتى أصبحت اليمن ساحة خصبة ومفتوحة للتنافس والسباق والتحدي وكسب الرهان ولي الأذرع وكسر العظام بين المشاريع الإقليمية والدولية. أما الإنسان أو الشعب اليمني، سواء أكان في الشمال أم في الجنوب، فهو في كل الأحوال وحده المهزوم والخسران، وهو من تلتوي أذرعه وتتكسر عظامه، وهو من يتوجع ويخسر ويجوع ويتشرد ويموت.. نعم، بعد ثمانية أشهر من الموت والجنون لا نريد سماع أحد، وهو يقول: إن السبب إيران أو السعودية أو إسرائيل أو أمريكا. فهذه الدول جميعا تبحث عن أمنها ومصالحها ومستقبلها. وإنما على الجميع الاعتراف، بأننا السبب الحقيقي؛ لأننا قبلنا الخيانة والعمالة والارتهان، وبعنا مبادئنا وضمائرنا وقيمنا وهويتنا، وارتضينا أن نكون عبيدا وأدوات بيد الخارج، نقتل بعضنا، ونخرب بيوتنا بأيدينا، ونشرد أطفالنا وندمر مقدراتنا. لا لشيء، سوى المنافسة على بلوغ المرتبة الأولى في الولاء والعمالة لهذا المشروع أو ذاك. بعد ثمانية أشهر من الانتحار، يجب أن نعترف جميعاً، بأننا بلا هوية، ولا وطنية، ولا أخلاق ولا دين. فكيف نرتكب أفظع الجرائم في حق شعبنا ووطننا وأطفالنا، إرضاء للخارج، وإشباعاً لنزواته، وتحقيقاً لأحلامه وطموحاته، دون أن تتحرك فينا مشاعر الرحمة والشفقة، أو تثار فينا نوازع الإخاء والوطنية. بعد ثمانية أشهر من الحروب الأهلية والخراب والتشريد، يجب أن تعلن الأحزاب السياسية والجماعات الدينية، والمكونات المجتمعية والمدنية فشلها وجهلها. وأن تعترف بارتهانها للخارج، وخيانتها لمبادئ الوطنية وقيمها العليا. وأن تعترف بأنها الداء الفعلي القاتل لهذا الوطن. هذه هي الحقيقة، فلو كان لديها أدنى إحساس أو مسؤولية لكانت قدمت الوطن وأمنه واستقراره ومصالحه ومستقبله. ولكانت قدمت التنازلات في سبيل ذلك. أو اعتزلت العمل السياسي نهائياً. ولما كانت احتكرت الوطنية، وارتدت لباس الحق المبين، ونصبت نفسها الحاكم بأمر الله. مقابل شيطنة ما دونها من أحزاب ومكونات سياسية واجتماعية ودينية، والتشكيك في نواياها، ونزع كل قيم الخير والوطنية عنها. نعم، وبالمختصر المفيد، نقول: إن هذه الأحزاب السياسية والجماعات الدينية، هي مصدر شقاء الشعب اليمني، وهي الكارثة التي حلت به، وأورثته المعاناة والهلاك. لم تعد الكتابة تجدي، فالوضع المأساوي يتحدث عن نفسه بطلاقة. لقد أصبح الشعب اليمني مشرداً ومقتولاً ومنهكاً وممزقاً، وهم بلا عقول ولا ضمائر ولا أحاسيس. وكأن هذه الدماء الهائلة التي تسفك، والأرواح التي تزهق كل لحظة ليست يمنية، أو أنها لا تعنيهم في شيء. ألم نقل لكم: نحن سبب الشقاء والمعاناة ومصدر الموت والهلاك.. نحن الكارثة؟!!