ليسمح لي القارئ بتذكيره مجددا بقصة الجائزة التي منحتها إحدى المنظمات الأمريكية للرئيس الأمريكي الأسبق رونالدريجان لمقدرته التحدث بلغتين.. وهذه الجائزة التي منحت لأغبى نزيل في البيت الأبيض بعد جيمي كارتر بالطبع كانت قد منحت لريجان لأنه وصف الصاروخ الأمريكي المدمر، إم. إكس بحارس السلام، والواقع أنهم كانوا على حق في هذه الوكالة إذ منحوا الرجل شهادة تقدير لكونه جمع بين النقيضين السلام والحرب، وهي مدعوة اليوم لتكريم قادة السعودية ورجال إعلامهم والمتحدثين باسمهم لمقدرة هؤلاء على الحديث بعشر لغات جميعها أعجز عن تقديم حقيقة واحدة أو طرح موضوع صائب ويحتمل ذرة من وعي وإدراك، فهم يكذبون حتى يكاد كذبهم يصبح لغتهم الرسمية وهويتهم المهنية.. وقانونهم السائد، حين نقول نحن بأن التوشكا صانع السلام فنحن نعي ما نقوله، وحين نصف السكود وبني عمومته من الصواريخ الباليستية بصناع الحوار وفاعلي لغة الموائد فإنا نتحدث بلغة واحدة ورؤية موحدة قوامها فهمنا للعدو واللغة التي يفهمونها ونعني بأن (النجيف) أصدق أنباء من جنيف وأن السلام الحقيقي هو ما تصنعه القوة لا ما تصنعه القبل والابتسامات الصفراء.. ونحن بحمد الله نمتلك القوة ونمتلك القرار ونسيطر على كل الخيارات فما الذي يرغمنا على الحديث من تحت الطاولة ونحن قادمون على التحدث من فوقها، إنا نمتلك ما لم يمتلكه العدو ولن يمتلكه ولو بعد حين وأظنهم يعرفون ذلك، ويدركون أن علاقتنا بالله تعالى علاقة واعية مدركة، متفهمه لطبيعة علاقة العبد بالمعبود، ونوعية المهمة التي نحملها كأمة وكفكر تعبدي يروي من قلب القرآن لا من حواشيه وملحقاته التفسيرية. ويقين كامل وغير منقوص بأننا أصحاب حق وأصحاب قضية ملؤها العدالة.. ولذلك نعي ما نمتلكه ونعي متى نستخدمه وكيف؟ ونؤمن أن الله معنا، وندرك أن القوة التي نمتلكها لا تسكن جوف الصواريخ ولا في جيوب القذائف بل في قلوبنا وعقولنا وفي أصلاب قناعاتنا ويقيننا، ولهذا أجزم بأن السلام لن يقدم من سويسري ولن يشرق من الغرب أو الشرق بل مما نجيده ونعمله ونراهن عليه، الخلاف مع العدو ليس مرتبطاً بسوء فهم في الخطاب ولا بقطعة جغرافيه على الحدود، وليس ناجماً عن ملاسنة بين قيادتين في قمة عربية، إنه اعتداء غير مسبوق وغير مبرر، وإن كان ثمة مبرر له فهو أكثر وقاحة من العدوان نفسه، إنه أعمق وأمر وأقسى، والحديث بشأنه والحوار لأجله يحتاج قدرا وافرا من الوعي لدى الطرف الآخر بهول ما أقدم عليه وبشاعة ما دفع للقيام به، اليمن تحررت وامتلكت قرارها السياسي والاقتصادي وأمسكت بجذع الحرية ولن تقدم أي تنازلات بشأن هذه الثوابت، إننا أقرب إلى السلام من حروفه الهجائية ونحن نقاطه التي لم تظهر، ولكن السلام الذي يرضاه السلام تعالى لا سلالم كامب ديفيد وخيام شرم الشيخ أو كوبن هاجن، السلام الكامل غير المنقوص، فإن لم نعثر عليه في الأوراق والوثائق المكتوبة بحبر أممي سنجده بالتأكيد في صرخات التوشكا وصهيل سكود، وهتافات النخبة التالية من أسلحة لم يرونها بعد.