د. أحمد عبدالله الصوفي مع كل يوم يمر من العدوان على اليمن يتضح جليا أن العالم يعيش مأساة اليمن في الوقت الذي تصدمه فاجعة الأممالمتحدة التي يتكرر عرض مشاهد تؤكد أنها ألعوبة بيد القوى التي تحدد متى يكون السلم، ومتى عليها أن تطلق بالونات اختبار، حتى لا يكون واجب الأممالمتحدة حماية الأمن والسلام الدوليين، بل تمكين القوى العظمى من استثمارهما. بعد لقاء جدة وتصريحات كيري المباغتة يوم الخميس الماضي، تكشفت لنا مظالم الأممالمتحدة التي علينا أن نضعها في قائمة التكوينات الرخوية الهشة التي تحتاج أكثر من شعب اليمن الذي يُفتك به إلى تنظيم مآتم عزاء تضامناً مع ميلادها الشاب وحياتها الطويلة مع العجز والإخفاق. تصريحات كيري في جدة أكدت بوضوح من الذي يقف وراء فشل جولتي جنيف وماراثون الكويت حول الأزمة اليمنية التي دخلت دولاب التخمينات والتأويلات حول أحجية أيهما قبل، الحل السياسي أم العسكري، لكن القول القاطع لكيري الذي أفتى بحكمة التزامن والتلازم بين المسارين قد وضع النقاط على الحروف ليس من حيث مكان التصريح، بل لأن الذي أشار إلى ذلك لم يتبق له سوى ثلاثة أشهر حتى يبرئ ذمته من مسؤولية وثقل جرائم العدوان على اليمن الذي شنته المملكة العربية السعودية باسم تحالف مسخ لا نسمع غير جعجعة الإعلام السعودي وهدير الطائرات السعودية الإماراتية، أي أن كيري كان يضرب تحت الحزام ويضرب بالونات اختبار لكل الأطراف، للاندفاع لهثاً وراء الأوهام التي تترصد من يصدق كيري في مثل هذا التوقيت، ومن هذه المدينة، وكأن أسباب إخفاق جولات التفاوض لم تكن معروفة، وقد حددنا في وقت مبكر أن الجهود الدولية تخلو من امتلاك محفزات واضحة تنشط الرغبة في العودة من التسوية السلمية، تلك الرغبة التي تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات العميقة الموازية للتحول الجذري لموقف المملكة من وسيط إلى طرف يتمسك بالوسائط العسكرية لإملاء شروطه على مهزومين مفترضين، الأمر الذي ولد قوة صد متبصرة جمعت بين رفض انقلاب الحوثي وقواعد التسوية، وكذا امتلاكها لدعم شعبي صريح وقوي، وقد تجلى في أكثر من مناسبة، ربما أهمها الاحتشاد في 26 مارس و20 أغسطس في ميدان السبعين، وهذا ما يحاول من يدير المفاوضات ويستفيد من الحرب أن يتجاهل أهميته وقدرته على التمسك بتسوية مقبولة ترضي جميع الأطراف التي تؤمن أن سلاما أو تسوية سياسية بلا هادي في اليمن دائماً كانت ممكنة، وستظل بيد كل وسيط يرغب بالنجاح في التعاطي مع الملف اليمني، وقد دشن كيري هذا الأفق، لكن الإمساك به ما زال بعيد المنال.