المثقف: هو صاحب الضمير الحي الذي لا يرضى أن تُنتهك بلده ويُقتل أهله وهو يتغنى بالوطنية.. إنَّهُ من يقرأ المخططات والمؤامرات، التي تجري في المنطقة من حوله، ويفك طلاسمها، ويطرح رأيه فيها؛ ليساعد المجتمع والدولة على مواجهتها، من أجل الحفاظ على كرامة الوطن وحريته واستقلالية قراره.. إنها ثوابت وطنية لدى جميع الشعوب. يقول الكاتب الفرنسي «رومان رولان»: "دور المثقفين يكمن في التخفيف من مُعاناة الشعوب أثناء الحروب؛ حيثُ لا يُمكننا وقف الحرب، بل دورنا أن نجعلها أقل مرارة". ويقول «نعوم تشومسكي»: "المثقف هو من حمل الحقيقة في وجه القوّة". ويقول «مارتن لوثر»: "أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة". هُنا يتضح لنا الدور الكبير الذي لعبهُ المثقف اليمني «خالد الرويشان» وزير الثقافة اليمني الأسبق، الذي وقف بجانب العدوان السعودي على اليمن بصورة مباشرة وفاضحة، تُذكِّرني بأحداث غزة، عندما قُمت بعمل مقارنة بين الإعلام البريطاني والأمريكي والروسي والعربي؛ حيثُ كانت الصحف البريطانية والأمريكية تتحدث عن الخراب والدمار الذي أحدثته الحرب في غزة، ومآسي الضحايا من المدنيين، بدون ذكر الفاعل الحقيقي، وهو الكيان الصهيوني، الذي قتل أهلنا في غزة بدم بارد، مستخدماً أبشع أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، وسبق تلك الحرب الوحشية تغطية إعلامية مهَّدت للعدوان، وبعد ذلك بررت لليهود حربهم البشعة بحق إخواننا في فلسطين.. نفس السيناريو بين غزة وصنعاء؛ المخطّط واحد والمنفِّذ واحد! عندما اشتدت الحرب السعودية الظالمة على اليمن، ظل «الرويشان» المثقف اليمني يصفها في أغلب كتاباته على أنها انتقام القدر من ظلم صالح وعبث الحوثي! وذهب «الرويشان» إلى أبعد من ذلك؛ عندما وصف العدوان السعودي بأسلوب المثقف الذي يختار كلماته بعناية.. يقول إن الحرب السعودية على اليمن ليست عدوانًا، وإنما ضرورة تاريخية لا بد منها؛ حتى يتم تطهير اليمن من الأوباش المتخلفين الحمقى، الحوثي وعفاش.. تلك أقل المسميات التي يُردِّدُها من خلال كتاباته اليومية.. إنَّهُ يمقت الطغاة كما يدعي في كتاباته! لم يكتف «الرويشان» بذلك، بل استخدم كل إمكانياته الأدبية والشعرية في سحر أعيُن مُتابعيه من الحمقى، الذين لا يعرفون معنى الوطن، ويختزلونه في بضع كلمات يقولها لَهُم.. تلاعب بالجُمل، وقام بتوظيفها في غير مكانها؛ حتى إن متابعيه ظنوا بأن الطائرات السعودية تُلقي بالورود والغذاء والدواء على الشعب اليمني، الذي حاصره عفاش والحوثي، ومع الأسف استطاع إقناعهم بذلك! وهو يظن بأنه المثقف المثالي، الذي ظلمه القدر وأخرجه من مملكته التي كان يتربع على عرشها المخملي! مع الأسف الشديد، «الرويشان» الذي ينحدر من أسرة عريقة في اليمن، لم يقمْ بدوره كمثقف ومسؤول سابق، وشيخ قبيلة؛ تُعتبر من أكبر القبائل اليمنية، لها تاريخ ناصع في الفتوحات الإسلامية، عندما وصل فرسانها إلى مصر وإفريقيا والأندلس والصين، وغيرها من الدول التي وصل إليها جيش الفتح الإسلامي.. الحرب السعودية الظالمة على اليمن لا يختلف في تسميتها رجلٌ أنجبتهُ أمٌ حرةٌ وأبٌ يمنيٌ أصيلٌ؛ لكن «الرويشان» يرى غير ذلك! حتى الوقوف على الحياد غير مقبول؛ لأنها حربٌ وحشيةٌ ضد الشعب اليمني.. والحياد هنا يعني السكوت على الظالم المعتدي على بلدك، الذي غزاها العدو تحت حُجَج كاذبة، لا يُقرُّها عقل ولا يَقبل بها منطق، فكيف برجل مثقف مثل «الرويشان»! الذي حصر موقفه من العدوان على بلده في زاوية مشكلته الشخصية مع النظام السابق، الذي أعطاه الوزارة وأخذها منه.. وتناسى بأن المثقف الحقيقي يقع على عاتقه دور كبير تجاه وطنه، وليس مطلوب منه التصفيق لعفاش والحوثي، والقبول بمبدأ الحرب، وتفسير الوضع الداخلي.. لكن المطلوب من «الرويشان»، وكل البشر على وجه الأرض، الوقوف ضد العدوان الخارجي على أوطانهم، مهما كانت مواقفهم الداخلية متشابكة؛ لأن الحرب الخارجية تُهدِّدُ بقاء الوطن، وحرية الشعب، وحياته، وكرامته. صورة «خالد الرويشان» التي ظهر بها بعد الحادث مباشرة مدعياً أنهُ أصيب داخل الصالة لم تكن حقيقية والرجل لم يُصْب بأي شيء بحسب شهادة من كانوا معه في الصالة وفي المستشفى، ونفترض بأن الرجل أصيب بالضربة الأولى فهل سينجو من الضربة الثانية؛ هناك علامة استفهام كبيرة حول خروج (خالد الرويشان) من الصالة قبل الضربة ومع ذلك لم يتحرك ضميره في إدانة العدوان السعودي، وهو الذي شاهد محرقة عزاء «آل الرويشان»، التي احترقت فيها أجساد أبناء عمومته، وتناثرت أشلاؤهم، ومعهم أكثر من 700 من الأبرياء القادمين لتقديم واجب العزاء ل«آل الرويشان»، فنزلت على رؤوسهم قنابل الطائرات السعودية؛ لتُحدث مجزرةً مروعةً حَرَّكت العالم بمختلف شرائحه، بمن فيهم رؤساء الدول والمنظمات والأمم المتحدة، والصحافة العالمية وجميع المثقفين، ومحبي السلام في العالم، إلّا المثقف «خالد الرويشان»، لم يذكر العدوان السعودي بجُملة ولا بكلمةٍ مطاطيةٍ تشفع لَهُ لدى أُسَر الضحايا، واكتفى بمنشور بسيط وخجول على صفحته في الفيسبوك! وهناك أكثر من خمسين مجزرة ارتكبها العدوان السعودي بحق اليمنيين، المدنيين الأبرياء الآمنين في منازلهم وأسواقهم وأعراسهم، أدانتها كل المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية إلّا «الرويشان»،لم يُوجِّه حتى إشارةً بأحرف كتاباتهِ اليومية التي يتداولها الإخوان المسلمون في جميع مواقعهم وصحفهم، ومعهم بقية الحمقى الذين لم يدركوا حتى الآن بأن وطنهم مستهدف من قوى إقليمية ودولية.. وكتابات «الرويشان» تصب في مصلحة تلك القوى.. وأنتم عن ذلك غافلون! كنت أتمنى مثل غيري من الذين يعرفون «خالد الرويشان» أن يظل في خانة الشرفاء، الذين أدانوا العدوان السعودي على اليمن، ويظل في موقف الحياد من الحرب الداخلية، حتى يستطيع أن ينضم إلى الطرف الثالث الساعي للمصالحة بين اليمنيين، رغم أن أغلب شخصيات الطرف الثالث رحلوا في الضربة السعودية على مجلس عزاء «آل الرويشان»، وشاهَدَ «خالد» أجسادهم التي تفحمت وتناثرت داخل الصالة التي أُصِيب هو فيها.. فمتى تستيقظ عقول المثقفين، وتحمل مشروع النهضة الحقيقي؛ الذي سوف يلتف حولهُ كل اليمنيين!