انشغلنا خلال الأيام القليلة الماضية بالتضارب والجدال الفكري والسياسي، ما بين معارضٍ ومؤيد عن مدى مشروعية وجواز الاحتفال بمولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهل هو بدعة، أم سُنَّة حسنة؟!، وانبرى كل فريق للدفاع عن وجهة النظر التي يتبناها ويؤمن بها، واحتج المعارضون بما ورد في الْمُقَدِّمَةُ من سنن الدارمي وكذلك بنفس اللفظ في كِتَاب الْأَدَبِ من فتح الباري شرح صحيح البخاري: "أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ أَفْضَلَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"، وزادت بعض المصادر على ما تقدم فأضافت: وكل ضلالة في النار. فيما احتج المؤيدون بما ورد في كِتَاب الْمُقَدِّمَةِ من سنن ابن ماجه بشرح السندي أنه: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا". وتغافل المتصارعون المؤيد منهم والمعارض في تلك القضية الخلافية، عن ما يتعرض له (اليمن) العظيم منذ أكثر من 21 شهرا من عدوان همجي ممن يُفترض أنهم إخوةٌ لنا في الدين واللسان وجيرانٌ لنا في الأرض، وما ورد على لسان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من أحاديث صحيحة وثابتة، في ما هو أخطر من ذلك الخلاف وأجل عند المولى عزَّ وجل حول ما يحدث لنا نحن المسلمين في أرضنا، فمما ورد في موقع الإسلام الدعوي والإرشادي الالكتروني التابع لوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالدولة المتزعمة للعدوان الغاشم علينا، في بَاب مَا جَاءَ فِي شَفَقَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ كِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ من سنن الترمذي أنه: "حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَخُونُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ عِرْضُهُ وَمَالُهُ وَدَمُهُ التَّقْوَى هَا هُنَا بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ"، وما جاء في سُنن النسائي شرح السيوطي وحاشية السندي كتاب تحريم الدم: "أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ". ولعل جملة: لَزَوَالُ الدُّنْيَا التي وردت في موقعهم الالكتروني الرسمي المشار إليه أعلاه، أعم وأشمل مما هو شائع ومتداول لدينا من القول: لهدم الكعبة حجراً حجراً، أو كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فزوال الدنيا يعني ضمنياً زوال وفناء كل ما عليها من بشر وشجر وحجر والكعبة المشرفة ضمنها، فما بالنا اليوم بتفتيت أجساد عشرات الآلاف من المسلمين وإزهاق أرواحهم بالشُبهات، والإبادة الجماعية للحرث والنسل وتشويه الأجنة في بطون أمهاتها، ولم يسلم من ذلك حتى الأبقار والدواجن وسائر الدواب وتلويث الماء والهواء، وهي أفعال لا نرتضي أن تُمارس حتى في حق أعداءنا الصهاينة الذين اغتصبوا أرضنا وعرضنا ودنسوا مقدساتنا في أولى القبلتين وثالث الحرمين، فليست تلك بأخلاقنا المستلهمة من صاحب الذكرى العطرة في يوم مولده صلى الله عليه وسلم. نقول لأولئك صحيح أن الأهم من الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم هو الإقتداء بسُنته والسير على هديه وتجسيد أفعاله وأقواله، فهو الوحيد من أولاد آدم عليه السلام الذي لم ولن يموت فينا ما كتب الله للإنسان الحياة في هذه الدُنيا، فهو وإن صعدت روحه إلى بارئها لكنه سيظل حيا في وجداننا إلى أن تقوم الساعة، ويفنى كل من عليها، ويبقى فقط وجه ربك ذو الجلال والإكرام. لكن هل ما يحدث لنا اليوم هو مما يرضى عنه الله ورسوله؟!، ومما يجعل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يُباهي بنا سائر الأمم؟!، وهل ما يجري من تطاول وعدوان سافر على المسلمين في أرض (اليمن) العظيم فيه اتباع لسنته وسير على هُداه؟!، ومما يجعلنا جديرين بشفاعته يوم العرض على خالق السماوات والأرض؟!، وإن كان قتل (الشيعة) جائزٌ بل ومقدمٌ على الفتك بالصهاينة كما يزعم المعتدون علينا؟!، فلماذا لا يجعلون من أنفسهم قدوة لنا، فيبادرون بتطبيق ذلك على من هم مقيمون في أرضهم وبين ظهرانيهم وضمن رعاياهم؟!، أفحرامٌ وغير جائزٍ شرعاً هناك وحلالٌ مباحٌ بل ومن أوجب الواجبات هنا؟!، أم لأن منابع نفطهم ومصادر ثرواتهم تتواجد هناك حيث يقيم أولئك (الشيعة) المؤتمرون بأمر (المجوس) أذيال (الفُرْس)، لذلك هم هناك (في مناطقهم الشرقية) لا مساس؟!، أما هُنا في أرض (اليمن) العظيم فلابد من إبادتهم والتنكيل بهم وجعلهم عِبرة لكل من يعتبر، ويا لشماتة الصهاينة بنا وقد نجحوا نجاحاً مُبهراً في صرف أنظارنا عنهم، والمباعدة بيننا وبين السير على خُلق نبينا الكريم، والتأسي بنهجه في كل ما شجر بيننا، وهو المتمم لمكارم الأخلاق، وهو الرحمة المُهداة والنعمة المُسداة للبشرية قاطبة، وهو الذي لعلى خُلقٍ عظيم، وهو آخر من يلج إلى الجنة بعد أن يأخذ بأيدي أُمته إليها فوجاً بعد فوج. ما أعظمك يا رسول الله وكم نحن متقزمون في مقامك الطاهر، وكم نحن بعيدون عن سُنتك وخُلقك الكريم، وكيف صار بعضُنا ينحر رقاب بعضُنا بكل يُسر وبساطة وهو يُكبر ويُهَلِّل ويلهج لسانه بالشهادتين ويرقص طرباً مبتهجاً محتسباً ذلك عند الله في ميزان حسناته، وهو على يقين تام بأنه بذلك إنما يُرضي الله عنه، نعم لم نعد من قِلة يا حبيب الله بل صِرنا كما وصفتنا أنت: بل غُثاء كغُثاء السيل، نشفي غليل صدور أعداءنا منا، ونضعهم في مواضع الأمان منا، ونجعل بأسنا بيننا شديدا، وقد صرنا أذِّلَّة على الكافرين رُحماءً بهم، أعزة على المسلمين لا تأخذنا بهم شفقةً أو رحمة، وصلى الله عليك وسلم دائماً أبداً يا حبيبي يا رسول الله يا خير خلق الله أجمعين.