أكدت الكاتبة والباحثة البريطانية الخبيرة بالشئون اليمنية، هيلين لاكنر، فشل كل التكتيكات التي يناور بها تحالف العدوان السعودي وحكومة الفار هادي، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً فضلاً عن أن ادعاءهم الحرص على الشعب اليمني يناقض أفعالهم وخير مثال على ذلك قرار نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء الذي حقق نجاحاً في صرف الرواتب والتعامل بحيادية تامة. كما أكدت أن كل الحلول المقترحة تبدأ بطي صفحة هادي وإلغاء القرار 2216، وأن الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح لا يزال الرقم الصعب ولا يمكن تجاوز دوره في أي عملية سياسية. وفسرت لاكنر في مقال تحليلي نشره موقع ("Open Democracy" البريطاني) الأربعاء أسباب فشل المفاوضات وتردد هادي من الخوض في جولات جادة، والانحياز البريطاني للعدوان وإصرارها على مواصلة بيع الأسلحة ولعب دور سلبي في مجلس الأمن، كما فسرت أسباب تنامي الأصوات الدولية المطالبة بإلغاء القرار 2216. نص المقال: في وقت يستعد الناس في أوروبا للاحتفال بنهاية رأس السنة، يستعد أكثر من 20 مليون يمني لمواجهة الكارثة القادمة: المجاعة، النقص الحاد في المواد الغذائية الأساسية والقمح والأرز، فضلا عن غيرها من أساسيات النظام الغذائي اليمني، مثل زيت الطعام والشاي والسكر على وشك أن يصبح أسوأ من ذلك بكثير. بخلاف بعض القمح المنتج محليا (أقل من 10 في المئة من الاستهلاك الفعلي) وغيره من السلع الأساسية مثل الذرة، فإن السكان، في الريف والحضر على حد سواء، يعتمدون على الواردات لبقائهم على قيد الحياة. وقد ثبت دوليا أن معظم أسباب المجاعة في اليمن، ليس بسبب النقص الفعلي للمواد الغذائية ولكن بسبب الفقر، أو بعبارة أخرى "نقص السيولة". ومع ذلك، في هذه الحالة، فإن النقص المطلق وارد لا محالة. لماذا نقص الغذاء المطلق وارد لا محالة؟ للإجابة على هذا السؤال، نحن بحاجة إلى دراسة قرار حكومة عبدربه منصور هادي الذي اتخذته. بعد أن نجح وظل محايدا، تمكن البنك المركزي اليمني في صنعاء بطريقة أو بأخرى من مواصلة دفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين من جميع الأطراف طوال فترة الحرب، رغم انهيار احتياطياته. دون التطرق إلى مسألة من أين جاءت هذه الأموال، فقد كان هذا إنجاز كبير. وضد نصيحة معظم مؤيديه الدوليين وخصوصاً (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، أعلن هادي في 19 سبتمبر، نقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى "عاصمة نظامه المؤقتة"، عدن. البنك المركزي في عدن ليس لديه أموال، كما يفتقر إلى الموظفين المدربين الأكفاء (الذين لا يزالون في صنعاء أو فصلوا). كما أن تمويل البنك لم تتم الموافقة عليه من قبل الممولين. لجأت حكومة هادي في المنفى، إلى تكتيكات بديلة سعيا منها إلى إخضاع صالح والحوثي، رغم أنها غير مفيدة ولم تحقق أي من أهدافها سوى أنها زادت الوضع الإنساني سوءا، ولذا فإن القرار الذي اتخذه هادي له أثران على الشعب: أولا المصدر الرئيس للدخل لأكثر من ثلث السكان قد جف، كما لم تدفع رواتب الدولة، على الرغم من التأكيدات المتكررة من أن الدفع سيبدأ في غضون أيام. الجانب الثاني والمخيف، هو أن البنك المركزي اليمني غير قادر الآن على تقديم خطابات الاعتماد أو يضمن للمستوردين التجاريين لشراء المواد الغذائية المحتاجة في السوق الدولية. تفشل التكتيكات المختلفة التي تتخذها وتناور بها حكومة بعيدة عن شعبها في محاولة لإرضاخ خصومها الذين ضمنوا أخيرا إسنادا شعبيا كبيرا؛ لكن ورغم ذلك فإن التكتيكات القديمة هي نفسها تتكرر عسكريا واقتصاديا عبر تشديد الحصار الخانق وحظر الطيران وأخيرا محاولة نقل البنك المركزي من صنعاء. من السخرية تجاهل الحصار البري والبحري وقصف التحالف الذي تقوده السعودية على البلاد، والرقابة المشددة على السفن التي تنقل الإمدادات الأساسية بعد أن قصفت الرافعات في الموانئ ودمرت البنية التحتية الأساسية الأخرى، بما في ذلك الجسور والطرق. من ناحية أخرى، في الوقت الراهن، فإن الكثير من المواد الغذائية والوقود التي تصل إلى المناطق التي يسيطر عليها صالح/ الحوثيين يتم تهريبها أساسا من المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول المشاركة في التحالف. التقدم العسكري؟ لماذا قرر هادي نقل البنك المركزي اليمني؟ هادي غير مدرك للأثر المحتمل على الشعب اليمني الذي يدعي بأنه يقاتل من أجله. وفيما يتحدث هادي عن "الشعب اليمني العظيم" ويدعي بأنه يقاتل من أجله، فإن أفعاله تتناقض بشكل واضح الاحترام الذي ينطوي عليه هذا الادعاء الزائف. الجمود العسكري يفسر تصرفاته: في 21 شهرا منذ أن أصبحت الحرب مدولة، أحرز التحالف الذي تقوده السعودية والداعم لنظامه تقدما في الأشهر الستة الأولى، واستعاد أساسا السيطرة على عدن. ولكن، منذ حوالي سبتمبر 2015، لم يحرز التحالف أي مزيد من التقدم. وهناك عدد من الجبهات لا تزال ثابتة. وتشمل المنطقة الحدودية على ساحل البحر الأحمر (ميدي، حرض)، ومعظم محافظة تعز وخاصة مدينة تعز نفسها، ومحافظة البيضاء، ونهم شرق صنعاء ومأرب والجوف. الجهود الدبلوماسية منهجياً، فشلت الجهود الرامية لحل الأزمة ووضع حد للحرب في اليمن. مفاوضات الكويت بوساطة مبعوث الأممالمتحدة الخاص إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، من 21 أبريل - 6 أغسطس من عام 2016، لم تحقق أي شيء. في 25 أغسطس، اتخذت الولاياتالمتحدة دورا قياديا مع اجتماع عقد في الرياض حيث التقى وزير الخارجية الأمريكية كيري مع كبار المسؤولين في السعودية والإمارات والمملكة المتحدة، ما يدل بوضوح على من هم اللاعبين الرئيسيين والمتورطين، ولم يكن اليمنيون المتورطين. قادت هذه المجموعة والمعروفة رسميا باسم "اللجنة الرباعية"، أو "العصابة الرباعية"، محاولات لعودة المفاوضات، لكن النجاح كان بعيد المنال، على الرغم من الجهود الجادة التي قادها جون كيري في التنسيق مع سلطنة عمان. أعلن كيري وقفا لإطلاق النار في 17 نوفمبر. لكن ذلك فشل ببساطة. حيث استمرت الضربات الجوية كما كانت من قبل. ليس هناك شك في أن إسماعيل حاول أن يفعل شيئا، ولكن اتضح مدى نفوذه من حقيقة بسيطة وهي أنه بعد انتهاء محادثات الكويت، ظل وفد صالح / الحوثي عالقا في عمان لمدة شهرين. كانت الأممالمتحدة غير قادرة على تحمل مسؤولياتها الابتدائية المتمثلة في عودة الوفد إلى الوطن، فقد كانت الأجواء تحت سيطرة النظام السعودي، الذي لا يزال محتفظاً بإغلاق مطار صنعاء. حتى أن رحلات تابعة للأمم المتحدة كانت ممنوعة لمدة أسبوع كامل عندما استأنف البرلمان جلساته. وكان القصد من ذلك هو منع أعضاء من العودة إلى صنعاء للانضمام إلى البرلمان في محاولة لكبح اكتمال النصاب القانوني، ولكن فشل هذا التكتيك. مطالب الأطراف المتحاربة تردد هادي المتواصل في الانخراط بجدية في أي مفاوضات يرجع ذلك جزئيا إلى حقيقة أن جميع الحلول المقترحة تتضمن تسليمه السلطة إلى نائب رئيس يوافق عليه الجانبان. وما يخافه هادي، أيضاً، هو أن الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، ليس فقط، كونه، لا يزال حياً وبصحة جيدة، بل كونه أيضاً، أبرز اللاعبين السياسيين الأكثر أهمية في الصراع. بقاء هادي رئيسا يتناقض بشكل واضح مع كلامه عندما انتخب في عام 2012 "أنه لن يبقى رئيسا يوما واحدا بعد الفترة المقررة (سنتين)". إذن ماذا حصل؟ هل انتهج سبيل الكثيرين وأصبح مدمنا على السلطة والفساد؟ هل نسي كل ما قاله عن قيامه بنظام ديمقراطي؟ على الجانب الآخر، قبل وقت قصير من انهيار محادثات الكويت، أعلن تحالف صالح / الحوثي تشكيل المجلس السياسي الأعلى ليحل محل اللجنة الثورية. وعلى الرغم من أن أنصار صالح شكلوا نصف المجلس السياسي، بل والأكثر خبرة، لكن السلطة في صنعاء لا زالت بيد الحوثيين السابقين. وعندما شكل صالح والحوثيين المجلس السياسي الأعلى، أعلنوا أنهم سيشكلون حكومة إنقاذ وطني في الوقت القريب. ورغم أنهم تأخروا في تشكيل الحكومة، لكنهم أعلنوها أخيراً. ويعزى التأخير إلى الخلافات بين الفصيلين على توزيع الحقائب، و/أو التردد في اتخاذ خطوة من شأنها أن تفاقم عزلة المجتمع الدولي وتعقيد مفاوضات السلام. آفاق المستقبل في ظل الجمود العسكري والسياسي، يزداد الوضع الداخلي في اليمن سوءاً. كما أن الأممالمتحدة أثبتت ضعفها. في حين من غير المرجح أن تحقق الإدارة الأمريكية المنتهية الكثير. فشلت المملكة المتحدة "حاملة القيادة" في مجلس الأمن، مؤخرا بشكل منتظم طرح مشروع قرار جديد على الرغم من المسودات وتعميمها. ومن شأن أن يكون هناك قرار مفيد، يجب أن يلغى قرار مجلس الأمن الدولي 2216، الذي يدعو صراحة إلى إعادة هادي إلى السلطة، وبالتالي تجاهل واقع بلد منقسم، وشعب على عتبة المجاعة. يجب استبدال قرار 2216 بقرار أكثر إنصافا، وبمطالب واقعية: استبعاد اللاعبين الرئيسيين في كلا الجانبين من السياسة اليمنية، وإقامة نظام يعطي دورا لجميع اليمنيين. بدلا من التركيز على العمل بدور إيجابي في مجلس الأمن الدولي، يبدو أن بريطانيا، أكثر تركيزا على إرضاء دول مجلس التعاون الخليجي لضمان استمرار تمويل الاقتصاد البريطاني بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. هذه الاستراتيجية تعني أن تصدير الأسلحة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية تأخذ الأولوية على المساعدة في إحلال السلام وإقامة دولة قابلة للحياة بالنسبة للملايين من اليمنيين الفقراء. قد تساعد المراجعة القضائية لمبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية، المقررة في يناير القادم، على زيادة الوعي الشعبي. فالحكومة البريطانية تبيع السعودية أسلحة بقيمة 3.3 مليار دولار، وبالمقابل تزيد من قيمة المساعدات الإنسانية إلى اليمن ب100 مليون دولار.. مثير للإعجاب واحد في المئة من قيمة مبيعات الأسلحة! وفي الوقت نفسه لا يزال الشعب اليمني معرضا للقتل والتشويه بسبب القنابل. أكثر من 10 آلاف شخص قتلوا بهذه الطريقة. والناس يموتون من الجوع: أكثر من سبعة ملايين يعانون من نقص التغذية الشديد، أي يتضورون جوعا، بينما سبعة ملايين آخرين أو أكثر يعانون من نقص التغذية. * هيلين لاكنر: الباحثة البريطانية والخبيرة في الشؤون اليمنية، عملت في جميع أنحاء اليمن منذ 1970م، وعاشت هناك ما يقرب من 15 عاما. وقد كتبت حول الاقتصاد السياسي في البلاد، فضلا عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية.