الأحلام الساذجة التي هتف بها الأبرياء في موجة "الربيع العربي" لازالت خارجة عن سياق الأحداث، كيف يمكن إقناعها بأنها كانت محاطة بجاهزية مالية وإعلامية فائقة التأثير، تصنع حولها النجومية وصور الإغراء الثوري.. بينما تديرها نوايا شريرة أكبر منها ثم تتدخل في تشكيل نهاياتها بالطريقة التي تريد. يكفي استدعاء الذهنية الفطرية لتدرك من تلقاء ذاتها أن التصورات السياسية والنهج السليم لأي ثورة لا يمكنه بأي حال أن ينتج جرائم حرب وتصعيد يومي يفتك بالشعوب وبمقدراته، أحداث دراماتيكية دامية تفسر أن ما يجري في دول الربيع ليس إلا من أجل حيازة السلطة والاستيلاء عليها.. بعيداً عن الثمن الباهض التي تدفعه الشعوب بعد أن يكون قد تهدم أمامها كل شيء وعاد بها الزمن إلى ما قبل عشرات السنين الضوئية! أي مستقبل مجيد استحق أن يكون ثمنه كل محارق الحرب وجنائز الموت التي لم تتوقف وتحولت إلى شبح مريع يطارد دول المنطقة برمتها منذ اندلاع موجة "الربيع العربي" وتحوله إلى نقطة اشتعال اتسعت بفعل تجاذباتها دائرة الحروب والصراع في المنطقة. "الربيع العربي" تعاطى مع العالم ليس من خلال تنامي المبادلات العلمية والتقنية وسبل النهوض والتنافس عليها، وإنما من خلال الحروب التي استنزفت موارد العرب الطبيعية، وهندست أشكالاً جديدة لمشاهد الصراعات الدامية التي غرقت بها شعوب المنطقة وانتهكت سيادتها واستقلالها الحقيقي، كما تسببت بانهيار تام لمنظومة الأمن المجتمعي والقومي العربي ولم تترك من أركانه ما يمكن الإبقاء والحفاظ عليه! بلغة الخراب والتشرد والتهجير ستبدو الأرقام مخيفة وعلى نحو مريع، ليبيا تنقسم إلى دولتين وتترنح على حافة حرب أهلية إن لم تكن شرارتها قد اندلعت وانجرفت في مستنقعها، مشهد الربيع في سوريا متجسد في حمامات الدم اليومية التي لا تتوقف، وفي مدنها الأنيقة التي تهدمت وسكنها الأشباح، كيف يمكن للدنيا بأسرها أن تبتكر تبريراً واحداً يجيز ازدهار التنظيمات المسلحة على حساب ياسمين الشام وسحرها الخلاب. ربع مليون غارة جوية أسقطت حمولتها من المتفجرات على اليمن وحدها، وتحول ربيعها إلى كتلة من التعقيدات التي انزلقت به في أتون تحالف دولي حاقد يمارس حرباً لم تتجرد عن أخلاقيات الإنسانية وحسب، بل تمادت في جرائمها الفاشية وتجاوزت كل الخطوط التي تفرضها أخلاقيات الحروب!! ولم تنتهِ فصول الربيع بعد..!!