يعد الجنرال علي محسن واحداً من بقايا التركة المضطربة التي خلفها نظام علي عبدالله صالح، وبالرغم من الإيجابيات الكثيرة للرئيس السابق، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل الجانب المظلم الذي يعد علي محسن أحد هذه الجوانب، فقد ظل يقدم نفسه على أنه الأخ غير الشقيق للرئيس صالح لمدة ثلاثة وثلاثين عاماً دون أن ينكر عليه صالح ذلك الادعاء. ولست بحاجة للقول إن الرجل بعد أن رأى أن صالح لم يعد رجل المرحلة نأى بنفسه بعيداً وأنكر الأخوة التي ظل يستند عليها في تعظيم سلطته وثروته فركب موجة الاحتجاجات لتصبح اليمن أكثر فساداً، وكان من الملفت للنظر دعوة الرجل لتبني الدولة المدنية في الوقت الذي كان معادياً لقيم الحداثة وإعلاء قيم الاختلاف والتسامح والقبول بالآخر الوطني قبل الأجنبي، ولست أدري كيف انطلت دعوة الرجل على من يزعمون أنهم مثقفون وعلى إعلاميين يفترض أنهم مدركون أن الرجل ما زال مرتبطاً بالعلاقات العائلية والقبلية وهو يعيش حنيناً جارفاً إلى الماضي وينفر من الحداثة. وحين تتأمل اليوم نتائج الأزمة التي عصفت بالبلد خلال العامين الماضيين، والتي كان شعارها التغيير، نجد أن النتائج التي وصلنا إليها تختلف كثيراً عما كان مطروحاً وعن الأهداف التي قامت من أجلها. لقد كانت الشعارات تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفقر وبناء الدولة المدنية، لكن الواضح أن الجنرال لم يستطع أن يتخلى عن ثقافته ذات الطابع المغالي في ماضيه والمشبّع بالقيم غير المدنية، فمن الواضح غياب أهمية وجوهرية المؤسسات في ثقافته، وخاصة فكرة القانون والاعتراف بالآخر، وحماية حقه كاملاً في المشاركة. أريد أن أذكِّر الجنرال بما قاله يوم انقلب على النظام وزعم حينها أنه جاء لحماية الثورة، فقد قال حينها أنه يريد دولة مدنية ويريد دستوراً يجعل البلد تسير في اتجاه الخلاص من الاستبداد وأنه لا سيطرة اليوم للعسكر، وإنما لقوى ديمقراطية مدنية يقودها الشباب، لكنه اليوم يرفض مغادرة المشهد وتنفيذ قرار الهيكلة وهو الذي بلغ الأجلين "الخدمة والسنّ". لقد ظهر الجنرال من خلال مقابلته الأخيرة مع صحيفة "الشرق الأوسط" معبراً عن وجهه السلفي، لم تختلف هيئته عندي؛ لأنني أعرفه، لكنها اختلفت عند الذين صدقوا أنه يمكن الفصل بين المال والسلطة. لقد اختفى دعاة الدولة المدنية، أو بمعنى أصح ظهروا على طبيعتهم الأقرب إلى أنهم جماعة فاشية تريد فرض رأيها على المجتمع بغض النظر عن سيادة القانون. يعتقد الجنرال أنه لن يسيطر على اليمن فحسب، بل بسبيله للسيطرة على الكون، فهو نذر نفسه لمواجهة ولي الأمر السابق واللاحق، بل أنصاره يحملون السلاح ضد المجتمع اليمني، حتى يسير على الصراط الذي حدده الجنرال. وأعتقد جازماً بأن المحاججة مع الجنرال صارت من المستحيلات التي لا رجاء فيها، فالجنرال يجلس على فرقته التي تشكلت من عناصر جاءوا أو بمعنى أصح عادوا من أفغانستان والبعض الآخر من جامعة الإيمان ومخرجات جماعة الإخوان، ولعل ما ورد في المقابلة التي أجرتها معه الشرق الأوسط يبشر بحرب جديدة هناك مؤشراتها بازغة، كما أن حالة من الفوضى تجرف البلد والشعب وتظهر الأحقاد المغروسة في تاريخ ممتد. ومن الواجب علينا القول إن المقابلة الأخيرة مع الجنرال قد أوحت للقارئ والمحلل السياسي أن لعبة من الكراسي الموسيقية ستستغرق مع هذا البلد زمناً ليس بالقليل سوف تكون فيها الموسيقى صاخبة والبحث عن الكرسي عنيفاً. ولو كنت مكان الشباب الذين خرجوا من أجل التغيير لبحثت عن الخلاص بعيداً عن الزيف الوطني، ولنأيت بنفسي عن تلك العصابة التاريخية التي تبقت من طغمة استأثرت بالبلد وخيره. إن المشهد الراهن يجبرنا على ضرورة الاعتراف بأن هناك شيئاً ما ينبغي التصدي له بكل حسم لإجهاض مخططات مريبة تستهدف أن المجتمع اليمني مضطرب وقلق تطحنه الصراعات وتستنزفه الخلافات. ولست أدري هل من العجيب أم من الطبيعي أن يلتقي الناصريون مع الاشتراكيين والسلفيين والقبائل والإخوان والحوثيين في شارع الدائري الذي تنافست فيه أفكار وبضائع تقليدية، ليس هذا فحسب بل ورجال آخرين لهم ماضٍ مصبوغ بالدماء. ونحن اليوم نعاني من مأزق يعيشه الجميع في مواجهة الحالة الأمنية والأوضاع الاقتصادية المهينة وغياب القانون وعدم احترامه، كيف لا والجنرال قد صنع لنفسه منطقة أمنية تليق بثورته. هناك من يشدنا نحو الماضي وآخر نحو حاضر، لكنه لا يعرف كيف يخرج منه إلى جهة معلومة. يبدو أن البلد قادمة على انفجار عظيم ربما يصيب منطقة الخليج برمتها. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يمكن عمله إزاء ما يجري؟ أم أن ذلك قانون طبيعي وقدر لا مفر منه؟ وما علينا إلاّ محاولة التقليل من آثاره.