بالبندقية يمكنك أن تقتل واحداً أوثنين أو عشرة أو عشرين مثلا. لكن بالتعليم يمكنك أن تقتل شعبا بأكمله دون صوت أو صراخ، وستقيد الجريمة ضد مجهول، أو ضد شوية جُهال نقلوا صراعاتهم السياسية الهبلا، وفرضوا معتقداتهم الجامدة والعقيمة على العملية التعليمية برمتها، ولكأن المدارس ليست أماكن للضوء بل مجرد "بيارات" يدفنون فيها فضلاتهم "ربنا يقرفهم" قولوا آمين. ولكأن الأجيال من الطلبة ليسوا بشراً يعول عليهم في بناء بلد متحضر في المستقبل، بل هم مجرد"سماد" سيساعد أحزابهم الجدباء على الحصاد في مواسم الانتخابات. ربنا يجدب أيامهم كلها قولوا آمين. الثورة الجمالية الدائمة هي وظيفة الفن طبقا ل "هربرت ماركوز". وهذا اليمن البائس والحزين في رأيي لم يعد بحاجة إلى مساعدات عسكرية لينجو مما هو فيه، قدر حاجته إلى مساعدات إنسانية من شأنها إعادة تربية الذائقة في روحه من جديد. الذائقة عبارة هامشية وصغيرة، لكنها عميقة وتتطلب الكثير من الإحساس بقيم الحب والجمال والإنتاج والسلام، ولا يمكن لهذا المجتمع المبندق أن ينط إلى الفرح والهدوء.. إلى الجمالوالسلام دون العودة إلى الفنون.. إلى المسرح، وإلى حصص الموسيقى والرسم في المدارس أو ما كان يعرف ب«حصص التربية الفنية». هذه القيم الأنيقة هي التي تبني بلداً حقيقياً وتبني إنساناً سوياً لا يقطع طريقاً، أو يفجر نفسه بحزام ناسف، أو يحمل سلاحاً في وجه الدولة، أو يلوك جُمَل التخوين كما لو أنه يلوك علكة لها رائحة نتنة. إن منهجا مدرسياً لا يحتوي على تلك الحصص يقول بكل بساطة: ذائقة اليمنيين لاتهمني، وينزلوا ملح ؟! كما وأن وزارة للتربية والتعليم لا تهتم بتربية الذائقة والجمال، يصير اسمها وزارة للتربية والتعذيب ؟ [email protected]