- من يمعن النظر في صورة هذا الكهل الوديع والبائس.. قد يتصور لوهلة أنه أحد أولئك الأكراد المتناثرين في شمال العراق وجنوب تركيا ممن شردتهم الصراعات الدموية الداخلية والعنف العرقي والطائفي المتبادل ..الخ - ولكن من يتصور أن هذا الرجل المسن (صالح حمود عبده عقلان) والمنفي حالياً عن قريته الواقعة في نطاق مديرية مذيخرة،محافظةإب،يجسد من خلال محنته الإنسانية أحد الوجوه البشعة والمتعددة لطغيان المطاوعة المحموم على الصعيد المجتمعي على إيقاع الثورة.. - فمديرية مذيخرة التي وصفها ذات يوم الشهيد جار الله عمر رحمة الله عليه بأنها الخزان البشري الاستراتيجي للحزب الاشتراكي اليمني.. تحولت اليوم مثلها مثل العديد من مناطق البلاد الأخرى إلى ورش ومنتجعات تنظيمية خصبة للعصابات الإخوانجية التي باشرت وفي سياق نهجها التطويعي المكرس ضد الأمة إلى غرس وتنصيب عدد من أدواتها التبشيرية على شكل وجاهات اجتماعية جديدة هدفها ضبط وإعادة تشكيل النظام الاجتماعي وتوجيهه بما يخدم أهدافهم وتطلعاتهم الانتخابية وهيمنتهم السلطوية على المدى الزمني الطويل.. وخاصة مع بدء اللجنة العليا للانتخاباتإجراءاتها التقويمية لآليات وقواعد اللعبة الانتخابية في البلاد .. - ولعل مأساة هذا الرجل تعد بحق من الشواهد الدالة والدامغة على سوادوية هذا العهد الاستحواذي الماضوي المخيم على واقع ومستقبل الأمة والبلاد بصورة لن نتمكن بالتأكيد من تخطي آثارها ونتائجها الكارثية على المدى الزمني الطويل. - فهذا الرجل الكهل ذو السحنة السمراء والتجاعيد الحائرة والمنهكة لا يشكل في الواقع أية مخاطر محتملة على مستقبل الثورة.. مثلما لا تربطه أية صلات محتملة بتنظيم القاعدة.. أو فلول النظام والثورة المضادة.. والمافيا.. وثوار الفيتكونغ.. وليس مسنوداًبإحدى القوى العشائرية والقبلية والحزبية النافذة..الخ. - إنه بالإجمال راعي أغنام بسيط.. ورعوي معدم وفقير ورب أسرة بائس ومستضعف أوقعه سوء الحظ ضمن الحصيلة المجتمعية الممنوحة في نطاق مديريته (مذيخرة) كجزء من مغانم الثورة لأحد جلاوزة الإصلاح ومبشريه البواسل.. المدعو (فيصل مقبل حبز). - كان هذا الرجل الكهل يعيش قبل الثورة عيشته التقليدية البسيطة معتمداً على ما تجود به أرضه المحدودة من محاصيل موسمية شحيحة.. بالإضافة إلى ما يحصل عليه من قطع الريالات المعدنية الشحيحة التي لم تعد تساوي في الواقع ثمن صكها مقابل قيامه برعي أغنام بعض الميسورين من أصحاب القرية..الخ - أما اليوم فإنه يجول مشرداً في شوارع مدينة تعز بعيداً عن دفء وأمان أسرته.. وعن متناول الطاغية الإخوانجي الجديد فيصل حبز الذي نجح إلى حد ما في فرض سلطته الأبوية المطلقة على حياة غالبية قاطني منطقة مذيخرة مسنوداً بولاء وتواطؤ مدير أمن المديرية العقيد عبده محمد الحالم.. الذي شملته هو الآخر رياح التغيير والتحول الثوري الجارية.. بالصورة التي حولته من مسئول أمني مناط به أساساً حماية أمن الناس وأعراضهم وحقوقهم وحرياتهم وكرامتهم وصون وتطبيق القوانين والتشريعات الوطنية.. إلى منفذ أمين لرغبات أسياده الجدد من تكفيريي الإصلاحابتغاء لمرضاتهم واتقاء ربما لشرهم وشرورهم،إن جاز التعبير. - السبب الرئيس وراء مأساة هذا الكهل الشريد يكمن في وقوعه المزري في شرك الإغواء والعياذ بالله.. وذلك حين أغوته الشعارات التحررية الكثيفة التي روج لها منظروالإصلاح وجلاوزته طوال شهور الأزمة المنصرمة.. ليقرر على ضوئها التخلي عن مهنته التقليدية المتمثلة برعي الأغنام التي لم تعد مجدية في الواقع، خاصة بعد أن وجد نفسه يعمل ورغماً عن إرادته راعياً حصرياً لأغنام الفاتح الإخوانجي الجديد فيصل مقبل حبز.. وبنوع من شروط السخرة القسرية التي حرمته ليس فحسب من قطع الريالات المعدنية التي باتت أكثر شحاً وندرة وعدمية،وإنما أيضاً من حريته الشخصية وكرامته وآدميته التي باتت على ما يبدو ملكاً للثورة.. - فكان السجن مصيره أولاً قبل التشريد، مثلما هو الآن -أي السجن- مصير أبنائه من بعده والذين احتجزوا دون تهمة محددة من قبل مدير أمن مذيخرة العقيد عبده الحالم بإيعاز مباشر من قبل فيصل مقبل حبز، ولأكثر من عشرة أيام قبل أن يتم الإفراج عنهم مؤخراً وبالتحديد يوم 26/5/2013م بعد توقيعهم على تعهد خطي بتسليم والدهم الفار من وجه العدالة الثورية وأعادته إلى بيت الطاعة الإخوانجية عموماً وطاعة فيصل حبز بشكل خاص. - قد تبدو الصورة هنا للبعض ضبابية، أومنذرة بالفوضى والتشاؤم على صعيد الواقع والمستقبل الوطني الذي يبدأ وينتهي فعلياً عند أقدام الحزميوالزنداني وعلي محسن الأحمر، لكنها بالنسبة لي ( كخادم) وقائع تؤسس لمستقبل أكثر بؤساً وقتامة وكارثية على مستقبل العلاقات العرقية والإنسانية في البلاد.. كون تلك الصيغ الإخضاعية التي يعممها التكفيريون اليوم على شكل ومستوى العلاقات الوطنية والإنسانية،تتواءم من حيث مدلولها المادي والأخلاقي مع نمط الطراز الأدنى من البربرية حسب توصيف الرفيق (فريدريك أنجلز) في سياق تحليله النظري لأشكال ومذاهب الاستعباد الأبوي- البطريركي، التي سادت شعوب العالم القديم في أوروبا وآسيا وأفريقيا، الأمر الذي قد يسهم من وجهة نظري بتوسيع نطاق (الأخدام الجدد) لتشمل هذه المرة فئات وشرائح اجتماعية أخرى من خارج طبقة الأخدام التقليدية ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تهميشنا -نحن معشر الأخدام الأصليين -كضحايا تاريخيين لمذاهب العبودية وتجريدنا من عنصر المبادرة عبر مزج وتذويب معاناتنا التاريخية وطموحاتنا التحررية مع الآلامالاجتماعية الناشئة حالياً من وسط الفوضى والعبودية المتنامية هذه المرة باسم التقوى.. - رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة - الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن