الإخوان المسلمون وكما فهموا الدين بشكل خاطئ، فهموا أيضاً الديمقراطية بطريقة خاطئة.. مساء الجمعة الماضية ظهر المرشد العام للإخوان في مصر محمد بديع في ساحة مسجد رابعة العدوية بالقاهرة، وبقدر ما كان ظهوره مفاجأة للجميع، غير أن المفاجأة الكبرى والأكثر سخرية كانت في خطاب الرجل، وما حمله من مفردات التحريض والتضليل تفجرت على إثره مواجهات دامية بين أنصاره من جهة وبين جموع الشعب المصري والجيش والشرطة في مصر من جهة أخرى، في مواجهة عبثية لن تعيد الإخوان للحكم، لكن يمكن وصفها بمواجهة الربع الساعة الأخيرة للإخوان.. إذ إن خطاب المرشد جاء بمثابة "انتحار سياسي" أو خطبة وداع أخيرة للمرشد الذي هاجم الإمام الأكبر شيخ الأزهر وجرّده من مكانته ودوره ورسالته، كما هاجم البابا وجرّده هو الآخر من كلِّ صفة ودور ومكانة، الأمر لم يتوقف هنا بل ذهب المرشد بعيداً حين هاجم الشعب في مصر وأنكر وجوده، واعتبر أن الشعب المصري هو المرابط في ساحة مسجد رابعة وهو من يملك الشرعية والشريعة، وبالتالي فإن المراقب لخطاب المرشد يستنتج الحقائق التالية: أولاً: لم يكن محمد مرسي رئيساً لمصر خلال العام الذي قضاه رئيساً، بل كان المرشد هو من يحكم مصر، بدليل أن الرجل تحدث عن حواره مع "س" ولقائه مع "ص" واجتماعه مع "ف" واختلافه مع "ن"، وكل هذا يدل على أن مرسي لم يكن الرئيس ولا صاحب القرار، بل المرشد من كان يحكم مصر وهذه كارثة..!! ثانياً: يقول الفريق السيسي، وزير الدفاع القائد العام للجيش المصري، إنه اجتمع مع مرسي وطلب منه إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، غير أن مرسي رد عليه بالقول "الجماعة رفضت"!! ثالثاً: ظهور المرشد الذي يتحدث عن السلمية، وكان طبعاً يقصد العكس، إذ تحرك أتباعه مباشرة إلى الشوارع للقيام بأعمال قتل وعنف وتخريب، واستهداف الجيش والشرطة والشعب. أعرف جيداً أن الإخوان هم جزء من المشروع الأمريكي/ الصهيوني في المنطقة، وهذه الحقيقة ربما زادت رسوخاً خلال تداعيات الأزمة الراهنة في مصر. بيد أن مواقف إخوان مصر وتبعيتهم تجسدت في مواقفهم من الجيش العربي في مصر، إذ وخلال الفترة التي حددها الجيش للسلطة والمعارضة بحل المشكلة وبما يرضي الشعب، خلال هذه الفترة راح مرسي والمرشد وقادة بارزون في الإخوان يستجدون دول العالم وخاصة واشنطن ولندن، ويحرضون على الجيش المصري، ويطالبون بتدخل فوري من هذه العواصم لوقف تدخل الجيش، بل إن مرسي طلب من أمريكا تدخلاً مباشراً لتحييد الجيش المصري. ويلاحظ من سياق خطاب المرشد يوم الجمعة أمكانية وضعه في مربع المساومة والضغط بهدف الحصول على تسوية تضمن خروجاً آمناً لقادة الإخوان من داخل مصر، بما في ذلك خروج مرسي وتجنيبهم المساءلة القانونية والقضائية.. نعم إن كل ما يحلم به الإخوان اليوم في مصر ليس العودة للحكم فهم يدركون أن هذا هو المستحيل، لكنهم يدركون أن الممكن هو البحث عن فرصة آمنة تقيهم مغبة المساءلة القضائية والقانونية والمثول أمام القضاء، وعدم ملاحقة من هرب من هم من السجون، وعدم فتح ملفات حافلة بالقضايا الخطيرة التي تمس الإخوان وقياداتهم.. لهذا جاء خطاب المرشد مبدياً رغبته بالتفاهم مع الجيش، ولكن ليس عودة مرسي للحكم بل لتجنيب مرسي العودة للسجن!!