هناك الكثير من التأويلات حول سقوط مرسي والإخوان المسلمين، ومن الواضح أن هناك أسباباً وتفسيرات كثيرة. مثّل مرسي بسياسته النموذج الأسوأ لحزبه، إذ قام بإقصاء الكثير من المصريين، وجوبه الدستور الجديد برفض كبير بمجرد صدوره، ومظهره الديني المزيف وخطابه الطائفي أثار غضب الشعب، وعين أحد المتهمين بالعمليات الإرهابية عام 97م محافظاً للأقصر- بؤرة السياحة المصرية... إلخ، باختصار فقد مرسي ثقة الشعب به. في المقابلة التالية يناقش المؤرخ الأمريكي ويبستر تاربلي تطلع صندوق النقد الدولي، ويشرح كيف فشل مرسي في مجابهته من جهة والدفاع عن نظام الإخوان المسلمين الذي تأسس منذ عقود من الزمن من جهة ثانية، نظام الجرعات الذي أدى بمرسي إلى سخط سياسي عارم. ما إن وصل الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم في الصيف الماضي بدأت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لقد أفسد الإخوان فرصتهم في الحكم لأنهم رضخوا للصندوق بشكل أسوأ مما فعلته أية حكومة مصرية في تاريخ البلد الحديث، ولطالما كان الصندوق الدولي يستهدف نظام الجرعات منذ عهد جمال عبدالناصر والاشتراكية العربية، وهناك... كان مطلب الصندوق الدولي كالآتي: (سنقوم بإعطائكم قرضا بمبلغ 4 بليون دولار إذا وقعتم على مذكرة حسن النية التي تنص على شروط محددة). ما هي تلك الشروط؟ هي أن تقوم الحكومة المصرية ممثلة برئيسها مرسي بدفع سعر الجازولين فوراً، وذلك ما حدث فعلاً في نوفمبر الماضي، وكان بداية سقوط مرسي المروع. بعبارة أخرى قام مرسي بمضاعفة سعر الجازولين، فكر معي بما سيحدث جراء ذلك في أي بلد في العالم؛ ستحدث أعمال شغب، لكن في مصر ما حدث كان تقليدا من التاريخ، في عام 1977م حاول السادات أن يعبث بسعر الخبز فثارت مصر كلها في وجهه وتراجع عن ذلك، ولم يعمد إطلاقاً إلى فعله مرة أخرى. من أهم العوامل التي يجب اعتبارها في ما يختص بطيف الربيع العربي سواء كان ذلك في تونس أو ليبيا أو في أي مكان آخر، هو أن مكومات بلدان الربيع العربي تم إضعافها سلفاً، فقد أعدت للدمار من قبل استهداف الصندوق الدولي لها طيلة سنين من الزمن في محاولة للهجوم على نظام الجرعات، إلى جانب تدخل البلدان الأخرى في بلدان الربيع العربي بحجة الحفاظ على المستوى المعيشي (والميزة الوحيدة لكل هذه الأمور هي وضع سقف للدولة الفقيرة جداً)، لذلك كان الصندوق الدولي يهاجم مثل هذه الميزة. إن ما وافق عليه مرسي هو مضاعفة سعر الجازولين، ورفع ضريبة المبيعات، والمضي قدماً لتنفيذ ضريبة القيمة المضاعفة والتي كانت ستكون بنسبة 10 أو 15 أو 20 بالمائة، كان ذلك في نوفمبر الماضي، وكان جزءاً من الشروط التي طرحها الصندوق الدولي، فهذا ما دمر مرسي. إن ما حدث في مصر من قبل الجيش لم يكن انقلاباً وإنما مناهضة انقلاب، وأعني ما أقوله بكل ما تحويه العبارة من معان، وليس من الأنسب أن تنخرط في الإطاحة بالحكومة ما لم يكن هناك سبب مقنع وملح. وينطبق الكلام هنا أيضاً على بلد كالولايات المتحدةالأمريكية، حيث تجد "الانقلاب البارد" وانقلاب القصر الرئاسي، وانقلابا يأتي أحياناً تحت ستار عملية اغتيال، أو عملية انتخابية، وهذه الطريقة اليوم هي أحد أركان الحكم في هذا البلد إذا شئت أن تسميه حكماً. فهل هناك من سبب مقنع وملح؟ أخشى أن هناك سبباً مقنعاً في حالة مصر، وهو إيقاف حرب أجنبية كارثية، بل حروب، لأن هناك أكثر من حرب! في حالة مصر، نجد أن ذنب مرسي يتجسد في تآمره على جر البلاد إلى حرب بل حربين، واحدة منهما، بل كلا الحربين ذات نهاية مفتوحة وبعبارة أخرى، قد تتجاوز الحرب وتشمل أكثر من طرفين، وقد تقع حرب عامة في القرن الأفريقي وفي شمال أفريقيا، وبالطبع حرب عامة مع سوريا. وهناك مسألة مهمة جداً تعود إلى بداية الشهر الماضي، وتعد بمثابة حرب حقيقية، من جهة لدينا نهر النيل وهو بمثابة دم الحياة لمصر، كما أنه يمر بالسودان وينقسم إلى جزءين: النيل الأبيض الذي يصب في أوغندا وبحيرة أفريقيا؛ والنيل الأزرق الذي يصب شرقاً في أثيوبيا، حيث تعمل الآن على مشروع وطني تنموي أود وصفه بالعقلاني والجريء.. أثيوبيا تريد أن تبني سدوداً من أجل التحكم بالسيول، للحصول على فرص الري والطاقة الكهربائية الهيدرولوكية ومكافحة الملاريا وأمراض أخرى.. لذا يعتبر بنا السدود بالنسبة لأثيوبيا أمراً ضرورياً بكل تأكيد. اجتمع مهووسو الإخوان المسلمين والسلفيين وأولئك الموهومين من حاشية مرسي في لقاء مطلع الشهر الماضي، وكانوا في بث تلفزيوني مباشر على قناة رسمية دون علمهم وناقشوا أنهم سيقومون بوضع حد للسدود التي ستبنيها أثيوبيا، لأن مثل هذه السدود ستؤثر على منسوب المياه رغم أن بحيرة ناصر تمتلئ بالماء وتمتد مئات الأميال من الجهة العليا لنهر النيل جنوبي مصر. إن هؤلاء الإسلاميين المهووسين الإرهابيين غير المسئولين عن أفعالهم يقولون إنهم سيحرضون على تمرد في أثيوبيا وبأنهم سيمولون جماعات إرهابية لتخريب السدود وإرسال قوات جوية مصرية لقصف السدود، ما سيفعله هؤلاء صغار العقول يعد أسوأ من جريمة.. لم يدرك هؤلاء أنهم كانوا في بث تلفزيوني مباشر، واعتقد البعض أن مرسي قد يظهر في خطاب تلفزيوني بعد ذلك ويقول: (لا أنا ملتزم بالسلام؛ لكنه ما كان سيفعل ذلك) بل كان سيقول (كل الخيارات مفتوحة)، على أية حالة تآمر مرسي كان الأسوأ بما فيه الكفاية لخروج الشعب والإطاحة به، لأنه سيحاول دعم جماعات إرهابية في أثيوبيا ومن ثم اختطاف قوات جوية مصرية بطريقة ما لقصف السدود، وهذا بحد ذاته تجاوز للدستور المصري، إضافة إلى أن مرسي لم يتحدث عن أية عملية قانونية. والحرب الثانية هي مع سوريا بالطبع التي ترجع إلى أحداث اللقاء المنعقد في منتصف الشهر الماضي (13 يونيو) بحضور جمع من المتشددين والطائفيين، تحت عنوان موقف العلماء المصريين من التطورات في سوريا، كان مرسي حاضراً بشخصه في هذا اللقاء إلى جانب متشددين إسلاميين (مروجي الحروب) وسنيين وطائفيين، وقالوا له بأنه يجب أن يفعل شيئاً حيال سوريا، وكان القرضاوي واحداً من الحضور. وعندما تفكر بقناة الجزيرة؛ فكر بالخدمة العربية التي لا تراها هنا، ففي الغرب مثلاً ترى كره وعدائية المستائين البريطانيين ضد الأمركة واضحة وجلية، لكن في حالة القرضاوي فالأمر أسوأ بكثير جدا. إذ يظهر القرضاوي على قناة الجزيرة – التي يقدر جمهورها بمليون مشاهد- من خلال برنامج الشريعة والحياة، محرضاً على العنف بكل بساطة فيقول: (لماذا لا يزال فلان على قيد الحياة؟ لماذا لا يذهب فلان الفلاني ويقوم بتصفية فلان أو فلانة؟) ومن هذا القبيل! بعبارة أخرى، إنه تحريض مباشر على العنف والفوضى لا غير، وقد قال: (أولائك الكفرة والملحدون يجب إزالتهم!) إذ لا يقصد كل كافر وملحد بل بعض أولئك الكفرة والملحدين من الناس. إذن لقد ذهب مرسي إلى ذلك اللقاء ولم يبعد نفسه، حيث تم الاقتراح فيه بأن المواطنين المصريين يمكنهم، بل ينبغي عليهم، التطوع للذهاب إلى سوريا وخوض الحرب هناك، وفي اليوم التالي حدث ما هو أسوأ من ذلك، حدثٌ هو الطامة الكبرى، أثناء خطابه الموجه إلى حشد مكون من قرابة (20) ألف مواطن مصري في ملعب داخلي بالقاهرة، إذ صرح بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وسحب البعثة الدبلوماسية المصرية من دمشق، وأكد أن المتطوعين والجيش المصري لن يغادروا سوريا حتى يسترد السوريون حقوقهم ويتم انتخاب قيادة جديدة. المشكلة هي أن مصر وسوريا كانتا دولة واحدة في فترة من الفترات تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة من 1985-1963م إبان عنفوان المد القومي الناصري، وبعلم واحد ذي نجمتين في ذلك الوقت، أعتقد أن النجمتين ترمزان إلى سوريا ومصر!