عن وزارة الاعلام والوزير التويتري وإرث وطن    عن وزارة الاعلام والوزير التويتري وإرث وطن    مينديش يعود لpsg الفرنسي    "وثيقة" تكشف عن تعويم حكومة صنعاء للدولار الجمركي مع سعر السوق الموازية    إحباط عملية تهريب مخدّرات وإيقاف المتورطين في منفذ الوديعة    "وثيقة" تكشف عن تعويم حكومة صنعاء للدولار الجمركي مع سعر السوق الموازية    الاتحاد اليمني لكرة القدم يصدر تعميمًا تنظيميًا شاملًا يحدد ضوابط ومواعيد مسابقات الدوري بدرجاته الثلاث    قراءة تحليلية لنص "هروب وعودة" ل" أحمد سيف حاشد"    النائب بشر: لا يوجد "ضيف" محبوس وممنوع من الزيارة    بثلاثية نظيفة.. المنتخب الأولمبي يفوز على "كسكادا المصري" استعدادا للمشاركة في كأس الخليج    ثلاث ميداليات لليمن في بطولة غرب آسيا للجودو    العراق يواجه الفائز بين بوليفيا وسورينام وإيطاليا مع إيرلندا الشمالية في الملحق    الأحد المقبل .. تدشين مخيم للعيون في الزهرة بالحديدة    1000 مقابل 30 .. روسيا واوكرانيا تتبادلان جثث قتلاهما    اللحم غير المطهو جيداً... مسبّب للسرطان؟    باتيس يشيد بدور نقابة المهندسين الجنوبيين بحضرموت في تعزيز العمل الهندسي    قبائل حرض تُعلن النكف وفاءً لدماء الشهداء واستمرارًا للتعبئة    المؤسسة الوطنية لمكافحة للسرطان تحتفي بإنجازاتها وتكرم مجموعة هائل سعيد أنعم كداعم رئيسي للمؤسسة    ثورة في علاج السكري: توصيل الأنسولين عبر الجلد دون حقن    تشكيلات عسكرية.. حضرموت اليوم بحاجة إلى العقلاء، لا إلى مشعلي الحرائق.    أيهما أفضل: العمرة أم الصدقة؟    دراسة: سيجارتان يوميًا تضاعفان خطر فشل القلب والوفاة المبكرة    واشنطن: إنهاء حرب اليمن يتطلب وقف تدفّق الموارد إلى الحوثيين    "استنكار شديد": الأورومتوسطي يدين خروقات وجرائم جيش العدو في غزة    توزيع هدايا رمزية عينية للأطفال المرضى بمستشفى الثورة بالبيضاء بمناسبة اليوم العالمي للطفولة    تراجع الذهب مع توقعات خفض الفائدة الأمريكية    مصطفي حسان يطلق رواية أبناء الرماد.. تكشف خيبات الحرب وتعرّي الفساد    جرحى تعز يعلنون رفع الاعتصام من أمام الجوازات عقب اتفاق مع قيادة المحافظة    الصفقة السعودية ‐الأمريكية.. خطوة استراتيجية تعيد رسم موازين القوة    10578 شهيدا وجريحاً من الأطفال في اليمن    البنك الدولي يحذر من تفاقم أزمة الأمن الغذائي في اليمن    تركيا تتاجر بآلام غزة وتناور بورقة نتنياهو... وكذبة اعتقال النتن ياهو    الغيثي: استمرار شراكة الانتقالي مع حكومة الشرعية يدفن القضية الجنوبية    أحسم الأمر قبل تفاقمه    لوجه الله.. امنعوا الباصات وأعيدوا باصات النقل العامة    الإمارات تتخذ ميناء بوصاصو مركزا للمؤامرة على اليمن والمنطقة    استعداد لمنع استيراد الملابس الجاهزة وتوفيرها محليا بجودة افضل    الجنوب بين معاناة الناس الحياتية وتسابق أجندة المصالح الخارجية    اختتام جمعية المنتجين ومركز سند دورة في تمكين المرأة اقتصاديًا    وزير الداخلية.. جابي ضرائب لا حامٍ للمواطن.. غرامة مالية متنقلة على ظهور الناس    متقاعدون معاقون في عدن: راتب 25000 ريال لا يعيل أسرة ولا يغطي أجرة المواصلات    العزي يطلّع على سير العمل في ملعب الظرافي تمهيدًا لافتتاحه    خبير في الطقس: البرد سيبلغ ذروته خلال اليومين القادمين ودرجات الحرارة السطحية تنخفض إلى ما دون الصفر    الاتفاق بالحوطة يتغلب على البرق بتريم في البطولة التنشيطية الثانية للكرة الطائرة بوادي حضرموت    قراءة تحليلية لنص "عيد مشبع بالخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    (هي وهو) حين يتحرك النص بين لغتين ليستقر    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع شبكة تحويلات مالية وأربع منشآت صرافة    العراق يستفيد من نتائج القارات ويخوض مباراة واحدة في الملحق العالمي    مدينة الوفاء والسلام المنكوبة    العلامة مفتاح يشيد بالمشاريع الكبيرة لهيئة الزكاة    مهرجان "إدفا" ينطلق من أمستردام بثلاثية احتجاجية تلامس جراح العالم    يا حكومة الفنادق: إما اضبطوا الأسعار أو أعيدوا الصرف إلى 750    الإعلان عن الفائزين بجوائز فلسطين للكتاب لعام 2025    فريق أثري بولندي يكتشف موقع أثري جديد في الكويت    إحصائية: الدفتيريا تنتشر في اليمن والوفيات تصل إلى 30 حالة    قطرات ندية في جوهرية مدارس الكوثر القرآنية    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاشوراء الشيعية.. المناسبة والغاية
نشر في يمن فويس يوم 28 - 07 - 2023

في العاشر من محرم من كل عام يحيي الشيعة هذا اليوم عبر طقوس معينة من الحداد والمأتم واللطم والجلد على أساس أنه يوم مقتل الحسين بن علي -رضي الله عنه- وذلك للإبقاء على القضية حية، ويتخذون فيها مسار الانتقام من خصومهم الذين يسمونهم النواصب، وهم عموم السنة، كمسار سياسي الهدف منه الوصول إلى الحكم والسيطرة والتحكم بالعالم الإسلامي، فضلاً عن توظيفه خارجياً لأجهزة مخابرات دولية تنفذ فيها أجندتها الاستعمارية التدميرية والتمزيقية للمسلمين، التي اتخذت من هذا الفريق مطايا للعبور إلى أهدافهم الكبيرة، ومنها إبقاء الصراع الدامي عبر التاريخ بين المسلمين لإضعافهم وشل حركتهم. وهذا باعتراف قيادات بريطانية، كما ورد في مذكرات الشاه رضى بهلوي. سألوا رضا شاه بهلوي والد الشاه الإيراني السابق محمد رضى عن أسوأ اللحظات التي مرت بحياته فقال: عندما اعتقلني الإنجليز نفوني إلى جزيرة نائية فسألني القائد الإنجليزي هل أنت قلق؟ فقلت له: لا ..! قال: لماذا؟ قلت له: لأنني أقمت جامعة طهران التي ستخرج العلماء والمثقفين الذين سيقاومون نفوذ استعماركم ويحررون البلد منكم! فرد علي ضاحكآ: ونحن أسسنا الحوزة الدينية في قم، والتي ستدمر وتمحو كل ما تنتجه جامعتك! وهذا ما يحصل اليوم فعلاً ليس في إيران وحسب ولكن في كل البلاد الإسلامية التي للحوزة الإيرانية فيها يد وتأثير. فالخميني وفكره وما تسمى ثورته هي في الأساس صناعة مخابرات غربية جيء به لهذه الغاية، وخطتهم تسير بإحكام نحو الهدف؛ فالخميني، كما تقول بعض المعلومات الاستخباراتية هو في الأصل نجل رجل مخابرات إنجليزي تمت تربيته وإعداده بشكل احترافي لزرعه في قلب العالم الإسلامي، وتم دعمه بكافة الوسائل لتدمير المسلمين من الداخل، فأذرعه الإرهابية تتمدد في كل مكان.
من قتل الحسين؟
عموماً، كثير من الروايات التاريخية – سواء كانت للسنة أو الشيعة المنصفة- تقول إن شيعة العراق هم الذين قتلوا الحسين؛ دعوه للخلافة والنصرة والمبايعة والخروج على يزيد، فخذلوه وأسلموه لمصيره المحتوم، فقد انهزموا أمام أموال وسطوة ولاة يزيد على العراق. يعترف الشيعة الأوائل، كما ورد في كتبهم المعتمدة، أن الحسين إنما قتلته الشيعة الذين دعوه من الحجاز (المدينة المنورة) إلى العراق ليبايعوه ويناصروه ثم غدروا به وخذلوه، كما يعترفون أن يزيداً لم يقتله. فمما جاء عن الشيعة في مقتله -رضي الله عنه- "قال الإمام الحسين (عليه السلام) في دعائه على شيعته: اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا". ( لله ثم للتاريخ- كشف الأسرار في تبرئة الأئمة الأطهار: ص15). "ولهذا قال السيد محسن الأمين: لقد بايع الحسين من أهل العراق 20 ألفاً، وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم، وقتلوه" أعيان الشيعة، القسم الأول ص34. (لله ثم للتاريخ ص16). وقال زين العابدين (عليه السلام): "هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق، ثم قاتلتموه وخذلتموه؟ بأي عين تنظرون إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله-، يقول لكم: قاتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي؟". (كتاب الاحتجاج للطوسي: /ج2/ص32). وقال أيضاً عنهم: "إن هؤلاء يبكون علينا، فمن قتلنا غيرهم؟" الاحتجاج 2/29. ( لله ثم للتاريخ: ص16). وقالت فاطمة الصغرى: "يا أهل الكوفة، يا أهل الغدر والمكر والخيلاء، إنا أهل البيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعلا بلاءنا حسنا، فكفرتمونا، وكذبتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً، وأموالنا نهباً، كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت. تباً لكم فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأن قد حل بكم..، ويذيق بعضكم بأس بعض، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة، بما ظلمتمونا.. ألا لعنة الله على الظالمين. تياً لكم يا أهل الكوفة، كم قرأت لرسول الله - صلى الله عليه وآله- قبلكم، ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب، وجدي، وبنيه وعترته الطيبين"، فرد عليها أحد أبناء الكوفة مفتخراً، فقال: "نحن قتلنا علياً، وبني علي بسيوف هندية ورماح، وسبينا نساءهم سبي ترك، ونطحناهم فأي نطاح". ( الاحتجاج: ج2/ص28). كما يعترف علماء الشيعة بعدم قتل يزيد للحسين، ومع ذلك يصرون على تزوير التاريخ ولعن يزيد وبني أمية، ولعن كبار الصحابة، ولعن كل من خالفهم ويناصبونهم العداء، وظلوا يندبونه ويسفكون دماء المسلمين تحت غطاء مظلوميته حتى يومنا هذا. فمما جاء من اعتراف علماء الشيعة بعدم قتل يزيد للحسين -رضي الله عنه- نقلهم محاججة بين يزيد وعلي بن الحسين، حيث قال علي بن الحسين ليزيد: "إن كنت لا بد قاتلي فوجه مع هؤلاء النسوة من يؤديهن إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم". فقال يزيد لعلي بن الحسين: "لا يؤديهن غيرك، لعن الله بن مرجانة، فو الله ما أمرته بقتل أبيك، ولو كنتُ متولياً لقتاله ما قتلته. ثم أحسن جائزته وحمله والنساء إلى المدينة". ( الاحتجاج: ج2/ص35). من يراجع كثيراً من روايات المؤرخين عن هذا الأمر يجد أن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- كان قد أوصى ابنه يزيد أن من ضمن المعرضين لحكمه سيكون الحسين بن علي، وأن أهل العراق مخرجوه من مكانه ومناصروه عليه، وأوصاه أن لا يتعرض له وإن ظفر به أن لا يقتله بل يعفو عنه، فقد اعتبره رجلاً خفيفاً (يبدو خفيف العقل غير مصر على الخصومة). ففي كثير من الروايات، وخاصة رواية أبي مخنف، وهو من الشيعة، لكن دعمته بعض الروايات الأخرى عن السنة، أن معاوية قال ليزيد، بعد طول وصية العهد، ومنها: "...وإني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذي استتب لك إلا أربعة نفر من قريش: الحسين بن علي، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، وعبدالرحمن بن أبي بكر. فأما عبدالله بن عمر فرجل قد وقَذَته العبادة، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك، وأما الحسين بن علي فإن أهل العراق لن يدعوه حتى يُخرجوه، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإن له رحماَ ماسة وحقاً عظيماً، وأما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثلهم، ليس له همة إلا في النساء واللهو، وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب، فإذا أمكنته فرصة وثب، فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إرباً إربا" (تاريخ الطبري: ج5/332). كما وردت هذه الرواية ومشابهاتها في كتاب (المعمرين) للسجستاني وهو أيضاً شيعي. الحقيقة، كما في روايات أخرى، ومنها عند البخاري أن الذي وقف بحزم ضد معاوية في تولية العهد ليزيد هو عبدالرحمن بن أبي بكر فقد كان رجلاً لا يداهن ولا يرواغ، وكان ذا شخصية قوية في قول ما يعتقده صحيحاً. فهو صاحب المقولة الشهيرة: "جعلتموها هرقلية كلما مات قيصر جاء قيصر؟!"، وذلك أن معاوية كتب إلى ولاته في الأمصار أن يأخذوا البيعة لابنه يزيد، وكان مروان بن الحكم واليه على المدينة، وقد أمره أن يأخذ البيعة منهم ليزيد، فقرأ البيعة على المنبر، فقام إليه عبدالرحمن بن أبي بكر في الحاضرين كلهم وكان معه الحسين وابن عمر وابن الزبير، فقال عبدالرحمن لمروان: "جعلتموها والله هرقلية وكسروية - يعني: جعلتم ملك الملك لمن بعده من ولده". فقال له مروان: أسكت فإنك أنت الذي أنزل الله فيك {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} [الأحقاف: 17] . فقالت عائشة: "ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن"، إلا أنه أنزل عذري. وقد جاء في البخاري: حدثنا ‏ ‏موسى بن اسماعيل، حدثنا: ‏ ‏أبو عوانة ‏، عن ‏ ‏أبي بشر، عن ‏ ‏يوسف بن ماهك، ‏قال: "‏كان ‏ ‏مروان ‏ ‏على ‏ ‏الحجاز ‏ ‏استعمله ‏ ‏معاوية ‏ ‏فخطب فجعل يذكر ‏ ‏يزيد بن معاوية ‏ ‏لكي يبايع له بعد ‏ ‏أبيه ‏، ‏فقال له ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي بكر ‏ ‏شيئاً، فقال: خذوه، فدخل بيت ‏ ‏عائشة ‏ ‏فلم يقدروا عليه، [وفي رواية فمنعته عائشة رضي الله عنها]، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي} ( الأحقاف : 17 )، فقالت ‏ ‏عائشة ‏ ‏من وراء الحجاب: ‏"ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري". رقم الحديث 4550 إذاً فقد كان موقف عبدالرحمن بن أبي بكر أشد معارضة وصدحاً لمعاوية من الحسين، وفي بعض الروايات أن عبدالرحمن بن أبي بكر قتل مسموماً عند مداخل مكة لتلك المعارضة، عندما خرج إليها نجاة بنفسه من المدينة. وأما تصويره بأنه صاحب لهو ونساء فغير صحيح؛ فقد كان رجلاً كبيراً في ذلك العهد، وإنما كان صاحب لهو ونساء قبل إسلامه. في حقيقة الأمر إذا نظرنا إلى سلسلة الأحداث منذ تولي علي -رضي الله عنه- الخلافة فقد سعى ابناه الحسن والحسين -رضي الله عنهما- ليكون حكم أبيهم مشروع توريث في الأساس وإلا فكيف يرث الحسن خلافة ابيه رغم أنه تنازل عنها بعد ذلك لمعاوية، ليقوم الحسين بعد معاوية معارضاً ليزيد بسبب التوريث ثم يكون هو مشروع توريث آخر؟! صحيح أننا نجد في وصية علي لأتباعه حين سألوه عن مبايعة الحسن بعده فقال: لا آمركم ولا أنهاكم فإنها كانت تبدو أقرب إلى الرغبة منها إلى المنع، ليقوم الحسن مباشرة بأخذ البيعة لنفسه بعد أبيه، وبعد إدراكه الأمر ووزنه الأمر من جميع نواحيه أدرك أن حكماً لم يستقر لأبيه لن يكون كذلك بالنسبة له، وأن من ورائه قوماً خاذلون له لا يُعتمد عليهم، فمان الأفضل له أن يصطلح مع معاوية على شروط أهمها عدم التوريث، لكن معاوية ورّث والحسين سعى للحكم كأنه ميراث أبيه ولم يسمع نصح أخيه ولم يعِ درس أبيه، ولم يسمع نصح الناصحين له كابن عمر وابن عباس في أن القوم خاذلوه كما خذلوا أباه وأخاه من قبل، ونصحاه أن يتجه إلى اليمن لا إلى العراق، لكنه لم يسمع منهم جميعاً وكان قدر الله فيه نافذاً ليساق إلى حتفه. لم يكن الحسين –رضي الله عنه- يحسب حساب موازين القوة بين طلبه الخلافة وبين قوة معاوية والتفاف الناس حوله، فقد ذهب أبوه قتيلاً لتلك الصراعات، ومن هو بجانب أبيه، ثم قتل أخوه الحسن مسموماً كما تقول أيضاً بعض الروايات الأخرى رغم أنه سلم الأمر لمعاوية، وكان القاسم المشترك والدرس الواضح البين لثلاثتهم هو خذلان الشيعة وغدرهم بهم وأنهم يقفون على أرض هشة لا يعتمد عليها، وقد أدركها الحسن وسلم لمعاوية، وأدركها قبلهم أبوهما علي وهو يستنصر أهل الكوفة وهم يتقاعسون عنه، حتى كان ينتظر مصيره، وهو يقول: أين أشقاها؟! فقد علمنا بعض الروايات تقول: إن علياً كان يستعجل منيته واستشهاده بسبب تلك الحسرة والتخاذل من شيعته، فقد كان يقول لنفسه أحياناً: متى تأتي يا أشقى الناس؟ وهو يعني حديث الرسول صلى الله عليه وسلم له وهو يقول له: "أشقى الناس أحيمر ثمود والذي يضربك يا علي على قرنك هذا فيسيل دمك على هذا"!! هو ذات الأمر وذات النهج الذي سيقوم به لاحقاً حفيده زيد بن علي بن الحسين في الخروج على دولة الخليفة هشام بن عبدالملك، وبنفس رجال العراق الذين خذلوا من قبله أباه وجده، فخذلوه وأسلموه إلى قاتليه، وقتل زيد بن علي، واتخذ خروجه عند الزيدية وكل الإمامة أساس التشريع والاقتداء للخروج على الدول والحكومات، وليكون شرطاً للإمامة عندهم، وهو: أن يخرج أحدهم على الحكام شاهراً سيفه، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، وأن يكون من أصحاب العلم والاجتهاد، ومن هنا تأسست بوادر أولية للنظرية الإمامية وخاصة الزيدية ومن بعدها الهادوية. وبدأت الفرق بالظهور بعد مقتل زيد بسنوات؛ فظهرت الصالحية والجارودية والإثنا عشرية والمعتزلة والرافضة التي ظهرت في حياته، وهو من أطلق عليها هذا المصطلح (الرافضة) لرفضهم خلافة أبي بكر وعمر، ورفضهم لزيد لأنه لم يرفض أبا بكر وعمر، ثم انشطرت إلى فرق أخرى غيرها، وصولاً إلى زمن الهادي يحيى بن الحسين الرسي الذي أسس الهادوية التي جمع بها كل الفرق، وأسس لها نظرية خاصة، وكان أول من ثبّت الإمامة من بقية الشيعة على أرض الواقع؛ لأنه جمع فكرها وعسكر أساليبها، وغزا المناطق تحت رايتها، وكون بها جيشاً ودولة. من خلال التعامل السياسي للدول أثناء التأسيس، وعملاً بالموازين السياسية والعسكرية لتأسيس الدول وحفظ كيانها ولما كان هناك دولة واحدة والناس مجمعون على أمير واحد، فإن من خرج يريد الانقلاب عليه أو يدعو لنفسه بالخلافة والبيعة فيعتبر، في ظل تلك الدولة، متمرداً يُخشى جانبه، فتقوم الدولة الحازمة بردعه ووأد فتنته مهما كانت قداسته أو قرابته من الرسول، وهو ما ينطبق تماماً على الحسين -رضي الله عنه-، فهو في مقياس الدول متمرداً تم إنهاء تمرده، حتى وإن كانت حجته قوية في أن معاوية خالف الاتفاق المبرم مع الحسن - رضي الله عنه-، وكان عليه أن يعرف موازين القوى، وأنه ليس بقادر على تغيير الأمر خاصة وأنه يستند إلى أرضية هشة واهية هي شيعة العراق الذين خذلوا أباه وأخاه من قبله، وقد جعل له الإسلام سعة من أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ باليد، أو اللسان، أو القلب وذلك أضعف الإيمان. في الأساس، ونظراً للأحداث في خلافة والده فقد اتخذ أبوه علي –رضي الله عنه- نفس الأسلوب والوسيلة مع معاوية الذي اعتبره متمرداً على خلافته فحاربه إلا أنه لم يظفر به، وهو ذات الأمر الذي اتخذه يزيد مع الحسين رضي الله عنه، فظفر به جيشه. ما يعاب على قتلة الحسين -من مقياس السياسة- هو أنه بعد استسلامه، وبعد ذلك طلبه مقابلة الأمير يزيد بن معاوية، رفضوا طلبه في إيصاله إليه للحوار والاتفاق، وقد روت بعض الروايات أن يزيد عنف قاتل الحسين وأبغضه بعدما علم أنه طلب لقاءه ولعنه كما في الفقرة السابقة. من خلال طلب الحسين لقاء يزيد فقد كان يدرك أنه لن يقتله، وكان متعشماً فيه الحوار والعفو، لكن قادة يزيد حشروه في الزاوية ولم يمهلوه، وأكبر موقف ومأخذ هنا هو موقف الشيعة الذين خذلوه وغدروا به بعدما وعدوه بالبيعة والمناصرة.
جلد الشيعة ظهورهم تسللت العادات والمعتقدات اليهودية والمسيحية إلى الشيعة وخاصة الإثني عشرية منها، وعلى رأسها الجلد بالأسواط وكذا التطبير بالسيوف والخناجر واللطم وشق الجيوب والدبابيس وغيرها، كنوع من التكفير عن الخطايا والذنوب والتقوى، وإن كانت للتكفير عن الذنوب أو نوعاً من التقوى عند الكاثوليكية المسيحية، أو الضرب بالسوط عند اليهود والمشي على الجمر للتطهر وتكفير الذنوب عند اليهود، فإنها تمثل عند الشيعة الإثني عشرية في يوم عاشوراء؛ يوم مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، وذلك لشعور الشيعة بالذنب والخذلان للحسين يومها، فهم يجلدون أنفسهم لشعورهم ذاك بالخذلان. هنا تبدو الثقافة الشيعية مستوردة من اليهود والمسيحيين على السواء، وفي الأصل إنما أخذت الشيعة طقوسها وأفكارها من اليهودية السبئية في بادئ الأمر في عهد علي -رضي الله عنه- الذي واجه السبئية المغالية فيه ونفى عبدالله بن سبأ إلى المدائن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.