دفع تعنت الميليشيات الحوثية في محافظة الحديدةاليمنية ورفض ممثليها في لجنة تنسيق إعادة الانتشار حضور الاجتماعات المشتركة مع ممثلي الجانب الحكومي في المناطق الخاضعة للشرعية الجنرال الهولندي باتريك كومارت إلى اختيار سفينة أممية في عرض البحر الأحمر لعقد الاجتماع المشترك أمس. وأبلغت مصادر حكومية «الشرق الأوسط» بأن ممثلي الحكومة الشرعية كانوا وصلوا إلى متن السفينة السبت قبل أن تتوجه إلى ميناء الحديدة صباح أمس لإقلال ممثلي الجماعة الحوثية لحضور الاجتماع الثالث المشترك للجنة. ويرجح أن يكون هذا الاجتماع هو الأخير للجنرال الهولندي الذي انتهت مهمته في الحديدة رسمياً، بعدما أعلنت الأممالمتحدة تعيين الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد خليفة له ليترأس بعثة المراقبين الأممية المؤلفة من 75 مراقباً. ورفضت الجماعة الحوثية أكثر من مرة عقد الاجتماع المشترك للجنة في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية بمزاعم أنها أرض غير خاضعة لسلطات الجماعة الانقلابية، وهو الأمر الذي أدى إلى تأجيل الاجتماعات الرامية إلى الوصول إلى خطة تقنية على الأرض من أجل تنفيذ اتفاق السويد. وكان الاتفاق نص على انسحاب القوات وإعادة انتشارها في الحديدة في غضون 21 يوماً من وقف النار في 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ويتضمن ذلك سحب الجماعة الحوثية لميليشياتها من المدينة والموانئ الثلاثة (الحديدة والصليف ورأس عيسى) غير أن تعنت الميليشيات ومحاولة تفسيرها للاتفاق بما يروق لها حال دون تحقيق أي تقدم . في السياق نفسه، ذكر الموقع الرسمي للأمم المتحدة، بأن الجنرال كومارت صعد السبت على ظهر سفينة تابعة للأمم المتحدة في ميناء الحديدة وأبحر إلى نقطة التقاء بالوفد الحكومي في البحر الأحمر. وعاد كومارت وأعضاء الوفد على ظهر السفينة إلى ميناء الحديدة، حيث سينضم لهم وفد الحوثيين، وقال بيان صادر عن المتحدث باسم الأممالمتحدة: «إن الأطراف ستستأنف المناقشات حول تطبيق اتفاق إعادة انتشار القوات وتيسير العمليات الإنسانية، وفق المتفق عليه في اتفاق ستوكهولم». وكان أحدث اجتماع مشترك للجنة تنسيق إعادة الانتشار عقد في الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي، قبل أن تعرقل الجماعة الحوثية المضي في تنفيذ خطة كومارت التي اقترحها وتلتف على الجداول الزمنية التي كان اتفاق السويد أقرها لتنفيذ الانسحاب. وفضلاً عن الهجوم الإعلامي على الجنرال الأممي من قبل قادة الجماعة الحوثية واتهامه بالانحياز إلى صف الفريق الحكومي، كان موكبه تعرض لإطلاق النار من قبل الجماعة بالتزامن مع تقييد تحركاته في المدينة وإلى مناطق سيطرة القوات الحكومية. ورفضت الجماعة مع ذلك كل المساعي الأممية الرامية إلى فتح الطرق أمام المساعدات الإنسانية المتجهة من ميناء الحديدة، وبخاصة الطريق الرابط بين الحديدةوصنعاء، المعروف ب«كيلو 16» كما رفضت تأمين وصول المراقبين الأمميين ونزع الألغام من الطريق المؤدية إلى صوامع الغلال ومخازن القمح الموجودة جنوب شرقي المدينة. ورغم الزيارات المتكررة للمبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى صنعاءوالحديدة، في سياق مساعيه لإقناع الجماعة بتسهيل المهمة الأممية لتنفيذ اتفاق السويد، فإن إصرار الجماعة على العرقلة كان مستمراً، رغم روح التفاؤل التي دأب غريفيث على إظهارها في تصريحاته. وتوعد القيادي في الصف الثاني بالجماعة محمد علي الحوثي بتحويل الحديدة إلى «جهنم»، على حد قوله، إذا لم يتم تنفيذ اتفاق السويد وفق التفسير الخاص بجماعته، وهو أن تنسحب القوات الحكومية ويتم تسليم الموانئ والمدينة إدارياً ومالياً وأمنياً للسلطات المحلية التي قامت الجماعة بتنصيبها في المؤسسات الحكومية المختلفة منذ سيطرتها على الحديدة قبل أربعة أعوام. كما رفض الحوثي المساعي الأممية لفتح الطرق أمام مرور المساعدات الإنسانية، وقال في تغريدة على «تويتر» عقب مغادرة غريفيث صنعاء الأسبوع الماضي: «أبلغنا المبعوث بأننا مع فتح الطريق إلى المطاحن عندما تكون الظروف تسمح وآمنة». وفي الوقت الذي كان غريفيث بحث في صنعاء مع قادة الجماعة تسهيل دخول البعثة الأممية بقيادة الجنرال الدنماركي إلى الحديدة ومنحهم التأشيرات، يتوقع أن يصل الأخير هذا الأسبوع إلى عدن ومن ثم صنعاء قبل تولي المهمة خلفاً لكومارت في الحديدة. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أعلن تعيين الجنرال لوليسغارد رئيساً للجنة تنسيق إعادة الانتشار وبعثة الأممالمتحدة لدعم تطبيق اتفاق الحديدة، التي أنشئت وفق قرار مجلس الأمن 2452. وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأممالمتحدة إن لوليسغارد، وهو ممثل الدنمارك لدى الناتو منذ مارس (آذار) 2017. يتمتع بخبرة تمتد لثلاثين عاماً في مجال الخدمة العسكرية على المستويين الوطني والدولي. وكان لوليسغارد قائد قوات بعثة الأممالمتحدة في مالي (2015 - 2016). كما تقلد منصب مساعد المستشار العسكري في بعثة الدنمارك الدائمة لدى الأممالمتحدة. ويسود الأوساط السياسية اليمنية حالة متسعة من اليأس لجهة أن تعيين الجنرال الدنماركي خلفاً للهولندي لن يكون - حسب اعتقاد الكثيرين - مبعثاً على التفاؤل لجهة أن الحوثيين يبيتون نية عدم تنفيذ الاتفاق منذ البداية وليسوا مستعدين لتسليم الحديدة وموانئها للحكومة الشرعية. وكان مكتب غريفيث أفاد عقب زيارته الأحدث إلى صنعاء، بأنه هدف من خلال زيارته إلى مناقشة التنفيذ السريع والفعال لاتفاق ستوكهولم، وتعزيز موظفي الأممالمتحدة لدعم اتفاق الحديدة. وأعرب المبعوث الأممي الخاص عن تفاؤله بالتجاوب الذي أبداه الحوثيون، مؤكداً على أهمية تحقيق تقدم ملموس فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق ستوكهولم، كما رحب بالانخراط الإيجابي والالتزام الذي أظهرته كل الأطراف. وشدد غريفيث خلال لقائه الجنرال الهولندي ومسؤولين حوثيين في الحديدة، على أهمية التنفيذ السريع لاتفاق الحديدة ولا سيما إعادة الانتشار السريع وفقاً لخطة تضعها لجنة تنسيق إعادة الانتشار داعياً، كل الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتخفيف التوتر في الحديدة وأيضاً في شتى أنحاء اليمن. وقال إنه «حصل على تأكيدات من الرئيس هادي والتحالف خلال زيارته إلى الرياض، حول التزامهم المستمر باحترام اتفاق ستوكهولم والتنفيذ الكامل له». وأعرب عن تقديره لإبداء الأطراف المرونة اللازمة وحسن النية فيما يتعلق بالجداول الزمنية لتنفيذ الاتفاق، والتعامل مع التحديات الفنية التي يتعين حلها على أرض الواقع. وتتهم الحكومة اليمنيةالأممالمتحدة بالتراخي مع الحوثيين وتطالب بتحديد جداول زمنية واضحة ومحددة لإجبار الجماعة على تنفيذ الانسحاب من الحديدة وموانئها وتسلميها إلى السلطات المحلية التي كانت قائمة قبل الانقلاب تحت قيادة الحكومة الشرعية. وبلغت خروق الميليشيات لوقف إطلاق النار قريباً من ألف خرق شملت الهجمات وإطلاق الصواريخ والقذائف والقنص، منذ 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهو ما أدى وفق ما تقوله الحكومة الشرعية إلى مقتل وجرح نحو 500 مواطن، فضلاً عن الأضرار المادية. ويرى مراقبون يمنيون أن الجماعة الحوثية نجحت في التقاط أنفاسها في الحديدة بعد توقف الضغط العسكري عليها وهو ما ساعدها خلال الهدنة على إقامة المزيد من التحصينات بما فيها حفر الأنفاق والخنادق، إلى جانب استقدام المزيد من مسلحيها إلى كافة مناطق الحديدة، تحضيراً لمهاجمة القوات الحكومية وإفشال مساعي السلام. وأثارت عملية عقد الاجتماع المشترك للجنة تنسيق إعادة الانتشار على متن السفينة الأممية ردود فعل ساخرة في أوساط الناشطين اليمنيين، إذ اعتبر بعضهم أن الأممالمتحدة عجزت عن إلزام الحوثيين على اليابسة بتنفيذ الاتفاق فكيف ستقنعهم بتنفيذه في البحر