المسيحيون رحيق الشرق غادروا ارض العراق التي دخلوها مع القديس توما الرسول أواخر القرن الاول بعد المسيح، والتي حوت احلامهم وعمرّوها بكل ما يحفظه التاريخ لهم، ليخرجوا صفر اليدين من ديارهم وتصبح نهبا للاوباش وشذّاذ الآفاق ومن اكبر الانكسارات النفسية هو التهجير ومن وطنهم إلى بقعة لا يعلمون كيف تمّر الساعات عليهم ليصلوا لها وهم يحملون ذكرياتهم وحزنهم القديم مغلّفاً بما لا يصدق من مأساة عاشوها لحظيا . هذا ما قالته اوساط مهتمة بالشؤون المسيحية في الشرق الاوسط والتي تتابع أنه وبعدما وضع تنظيم «داعش» في نينوى «النون» على منازل المسيحيين وعددهم حوالى 25 ألف شخص لثاني أكبر مدن العراق التي تضم نحو 30 كنيسة، لوصفهم بانهم «نصارى»، كان عددهم ما قبل الاجتياح الاميركي عام 2003، في العراق يزيد عن المليون، أكثر من 600 الف منهم في بغداد و60 الفا في الموصل، و كانوا موزعين ايضا في مدينة كركوك ومدينة البصرة في الجنوب، لم يعد عددهم يزيد عن اربعمئة ألف في كل مناطق العراق. لكن، تقول الاوساط بسبب اعمال العنف الدامية التي هزت البلاد في ظل التهجير الحالي يبدو ان خليفة دولة الارهاب لا يعلم عندما خطب ثم صلى في الجامع الكبير - المسمى ب « الجامع النوري» الذي بناه نور الدين بن عماد الزنكي أمير الدولة الاتابكية في مدينة الموصل عام 1170 م، ان منارة الجامع الواقعة ضمن مبنى الجامع، انها عندما تعرضت الى أضرار بليغة من جراء عوامل الزمن عام 1939 م، تطوع حينها عراقي اصيل من الطائفة المسيحية لترميم اعلى المنارة وهو البناء عبودي الطنبورجي . وتسأل الاوساط، هل يعلم هؤلاء المدعون بالاسلام ان القرآن الكريم يتكلم عن الذميين بعذب الكلام ويوصي بهم وبعدم الاعتداء عليهم او على التجاوز على ممتلكاتهم، بل ويحث على التعايش السلمي معهم في اكثر من آيةٍ قرآنية، «ولولا أن الله سَخّر للحق أعواناً ينصرونه ويدفعون عنه طغيان الظالمين لَساد الباطل، وتمادَى الطُّغاة، وأخمَدوا صوت الحق . ولم يتركوا للنصارى كنائس ولا لرهبانهم صوامع ولا لليهود معابد، ولا للمسلمين مساجد يُذكر فيها اسم الله ذكراً كثيراً.» واخرى تقول : (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا). ( الحج : 40 ). والمسلمون يعتقدون يقيناً أن الحق في اتباع الإسلام ؛ فهو المتمم لرسالات الرسل من قبل، إلا أنهم لم يحاولوا مطلقًا إجبار أحد على الدخول في الإسلام رغمًا عنه كما يطالب مدعي الاسلام اليوم في الموصل، وقد أبان القرآن جلياً عن ذلك المعنى بقوله: ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } (البقرة: 256). وتتساءل الاوساط، من يقف وراء العمل الاجرامي الذى تشهده الموصل اليوم ضد المسيحيين من ارهاب ورعب وقتل وتهجير قسري؟ وهل هم المؤمنون بالله من المسيحيين والمسلمين الذين يتساوون في الدفاع عن كرامة الانسان وامنه وحريته وعدالته؟ ام جهات اخرى لا تؤمن بالكتب المقدسة، ولا تقيم وزنا لما ورد فيها من عبارات سامية هي اساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم؟ وهل اولئك القتلة بعملهم الشنيع يقرأون كلام الله، اهل الكتاب امة قائمة يتلون ايات الله اناء الليل وهم يسجدون. والمسيحيون ايضا يؤمنون بالله واليوم الاخر، ويأمرون بالمعروف، وينهون المنكر، ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين. وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين. كما سألت الاوساط هل قرأ وتأمل وآمن بهذه الكلمات من يريد اليوم تغيير وجه العراق الناصع ومرفوع الجبين، ويرغب فى نشر الفساد والرعب والتهلكة بين ابنائه، واللعب بمقدرات الشعب الواحد المؤمن بوحدة العراق وخدماته وعطاءاته؟. من يقف وراء اولئك القتلة؟ من يشجعهم على انتهاك حرمات المدينة وسكانها؟ هل محبة العراق هي وراء تفتيته وتجزئته وفرز المكونات فيه؟ الموصل اليوم خالية من المسيحيين بالكامل بعد قيام عناصر «تنظيم الدولة الاسلامية» بإخراج جميع المواطنين المسيحيين من المدينة، وتم وضع حواجز إسمنتية على غالبية كنائسها . الموصل كانت تحتضن ابناءها المسيحيين احتضانة ألأم الرؤوفة لأبنائها فقد كانوا ولايزالون صفوة المجتمع العراقي وابناءه الشرفاء في كل عهد وكانت صفحات تاريخهم بيضاء بياض ملابس اطفالهم في جوقات الكنيسه يرتلون تراتيلهم وغادر مسيحيو الموصل على عجل مخلفين وراءهم كنائس ومنازل ومحلات وحياة ماضية في مدينة انقلبت معالمها ما إن سيطر عليها «داعش» قبل أكثر من شهر. وتضيف الاوساط، بكل حسرة وألم نراهم اليوم تتقاذفهم بلدان الاغتراب والمنافي بعد ان كانوا اعزة القوم وابناءه البررة. لقد خسر العراق ثروة لا تقدر بمال هي نزوح ابناء الموصل المسيحيين في هجمة طائفية اجرامية حيكت اطرافها في سراديب دول اقليمية وخونة الامة من اذلاء الخيانة فأمعنوا فيهم قتلا وتهجيرا، وقد لاقى نفس المصير المسيحيون في البصرة مصيرا اسودا حينما امتدت ايادي الغدر والجريمة فشردت عشرات الالاف من هولاء المواطنين الصالحين الذين لم يتركوا الا صفحات ناصعة البياض في تاريخ العراق المعاصر . وتختم الاوساط حديثها بتحية لكل مسيحيي العراق وخصوصا مسيحيي الموصل لانهم نكهة الشرق وتراثه قائلة : «صبرا يا اهلنا المسيحيين ابناء العراق في المنافي فلا بد ان تعود الحمامات الى اعشاشها بعد زوال الغمه».