أثارت الأنباء الأخيرة حول دخول الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلي المستشفى، عدة تساؤلات حول الخلافة السياسية في هذه الدولة الخليجية الغنية بالنفط. كانت الأنباء قد تواردت حول إصابة الحاكم البالغ من العمر 90 عامًا بالتهاب رئوي، مما اضطر الأطباء بالمستشفى إلى تركيب أنبوب لمساعدته على التنفس. وتنظم المادة الخامسة من ميثاق الحكم في المملكة العربية السعودية عملية انتقال السلطة في البلاد. ففي عام 2006، أنشأ الملك هيئة جديدة تسمى “مجلس البيعة” لاختيار الملك وولي العهد. كما تنص المادة الخامسة من الدستور على ضرورة أن يكون الملك أحد أبناء مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود. وأن يتم اختيار الأنسب من بين هؤلاء الأبناء للحكم بما يتماشى مع مبادئ القرآن وتعاليم النبي محمد (صلّ الله عليه وسلم). وتنص المادة نفسها على قيام ولي العهد بتولي منصب الملك عند وفاته إلى أن تتمكن هيئة البيعة من اختيار الملك الجديد. كما تنص المادة السادسة من اللائحة الداخلية لهيئة البيعة بأن المجلس سيدعم تتويج ولي العهد بعد وفاة الملك. وهو ما يعني أن ولي العهد الحالي، الأمير سلمان بن عبد العزيز، سيتولى منصب الملك إذا مات الملك عبد الله. وسوف يستمر ولي العهد في ممارسة مهام الملك حتى تعلنه هيئة البيعة ملكًا بشكل رسمي. كما أن الصراع ينشب أحيانًا في المملكة العربية السعودية حول اختيار ولي العهد القادم؛ حيث تتنافس حاليًا اثنتان من الشخصيات على منصب ولي العهد المقبل، وهما الأمير متعب -نجل الملك عبد الله ووزير الحرس الجمهوري الحالي- والأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية الحالي. وتطالب المادة السابعة من اللائحة الداخلية لمجلس البيعة الملك بترشيح عدة أشخاص لتولي منصب ولي العهد. ثم ينبغي للمجلس أن يجتمع لاختيار واحد من المرشحين، وفقًا لهذه المادة. كما تنص المادة نفسها على أنه يجب تسمية ولي العهد من قبل المجلس في غضون 30 يومًا من ترشيح الملك للأسماء. ومع ذلك، فإن القرار الذي أصدره الملك عبد الله في شهر مارس من العام الماضي يلغي تلك الإجراءات؛ حيث اشترط القرار وفاة الملك الحالي قبل تعيين ولي العهد الجديد وليس قبل ذلك. كما أنشأ القرار منصبًا جديدًا وهو وظيفة “نائب ولي العهد،” التي تم تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز (69 عامًا) نائب رئيس الوزراء والمبعوث الخاص للملك بها؛ حيث جاء في نص القرار “يتم تعيين الأمير مقرن كولي للعهد في حالة وفاة ولي العهد الحالي”. واشترط القرار أيضًا أن يتم تعيين “نائب ولي العهد” ملكًا، في حالة وفاة كل من الملك الحالي وولي العهد في نفس الوقت. ووفقًا لما سبق، فإن الخلافة السياسية في المملكة العربية السعودية سوف تقتصر على عدد من السيناريوهات: قرار ملكي إذا تم تنفيذ قرار الملك الصادر في شهر مارس الماضي، فسيعني أن اختيار الملك وولي العهد القادم سيكون أمرًا مفروغًا منه. وبناءً عليه، فسيكون الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد الحالي، هو الملك الجديد في حين سيصبح الأمير مقرن وليًا للعهد. الأمير سلمان (79 عامًا) هو الأخ غير الشقيق للملك عبد الله. وقد تم تعيينه كولي للعهد في شهر يونيو من عام 2012، بعد وفاة ولي العهد، الأمير نايف بن عبد العزيز. كما أن الأمير مقرن هو أيضًا أخ غير شقيق للملك السعودي. عندما تم تعيين الأمير مقرن كنائب لولي العهد، أكد مرسوم ملكي أن تعيينه قد تم بموافقة 75 في المئة من أعضاء هيئة البيعة البالغ عددهم 35 عضوًا. وبذلك يكون مقرن، الابن الاصغر لمؤسس المملكة العربية السعودية، هو أول من يتم تعيينه في المنصب الجديد الذي وضعه ضمن عدد من أعلى المناصب الملكية في البلاد. وإذا ما صدر مرسوم ملكي بتعيين الأمير مقرن، فلن يمكن تغيير القرار أو الطعن عليه في المستقبل من قبل أي طرف. الصراعات هناك أيضًا احتمال بأن تندلع النزاعات حول اختيار ولي العهد القادم. ولكن هذا الاحتمال يرتبط بالحصانة التي أعطاها الملك عبد الله للأمير مقرن كجزء من قرار تعيينه نائبًا لولي العهد. فعندما قام بذلك، كان الملك عبد الله يعلم أن بعض أعضاء هيئة البيعة يعارضون خطته بإنشاء المنصب الجديد وتعيين الأمير مقرن به. ومع ذلك، كتب الأمير خالد بن طلال، شقيق رجل الأعمال السعودي البارز، الوليد بن طلال، مؤخرًا على تويتر أن 75 في المئة من أعضاء هيئة البيعة قد وافقوا على تعيين مقرن نائبًا لولي العهد لمجرد إرضاء الملك عبد الله وولي عهده، الأمير سلمان بن عبد العزيز. وأضاف طلال أن أعضاء المجلس قد وافقوا على قرار التعيين بدون عقد اجتماع للمجلس. وحذر طلال من تداعيات هذه الخطوة، قائلًا إن الموافقة على التعيينات دون اجتماع للمجلس يمكنه أن يزرع بذور الانقسامات في المستقبل. وهو ما يعني أن الصراع قد يندلع عندما يتم اختيار ولي العهد الجديد. يذكر أن الأمير مقرن مدعوم من الأمير متعب وزير الحرس الوطني وابن الملك. ومع ذلك، فإن بعض أعضاء العائلة المالكة يعتقدون أن الأمير أحمد بن عبد العزيز، وزير الداخلية السابق، هو الأولى بتولي المنصب. ويتوقع البعض أن تستطيع المملكة العربية السعودية، التي يمكن وصف النظام الملكي بها أنه الأكثر استقرارًا في العالم العربي، حل هذه الخلافات، والتي لن تكون في مصلحة أحد في الوقت الذي تواجه فيه المملكة العربية السعودية تحديات أمنية خطيرة. التنحي أحد السيناريوهات المحتملة، هو أن يقوم الملك عبد الله بالتنحي، نظرًا حالته الصحية، لضمان انتقال سلس للسلطة بينما لايزال على قيد حياة. وسيكون تنازل الملك عن السلطة حدثًا غير مسبوق في التاريخ الحديث للمملكة العربية السعودية. لكن، بعض الناس لا يستبعدون هذا الاحتمال، في ظل اعتياد الملك عبد الله اتخاذ خطوات غير عادية للحفاظ على الاستقرار في البلاد. وسيضمن تعيين الأمير مقرن كولي للعهد تعيين الأمير متعب وليًا للعهد في المستقبل، عندما يتم تتويج مقرن في نهاية المطاف. ملك جديد هناك احتمال أيضًا أن يقوم مجلس البيعة بترشيح ملك جديد، نظرًا للحالة الصحية للملك عبد الله. حيث تنص المادة 11 من اللائحة الداخلية للمجلس على أنه يمكن للمجلس أن يعين ولي العهد ملكًا في حال أصبح الملك غير قادر جسديًا على أداء واجباته. وتستند جميع هذه السيناريوهات على افتراض أن ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز لايزال لائقًا صحيًا بما يكفي ليصبح ملكًا للبلاد، وهو ما يعني أنه لن يكون هناك خلاف في المملكة العربية السعودية على اختيار الملك القادم للبلاد. لكن، المشكلة لا تزال تكمن في اختيار ولي العهد. جدير بالذكر أن الملك عبد الله قد خضع لجراحة في الظهر في نوفمبر الماضي (وهي الجراحة الرابعة له في غضون عامين). ومنذ ذلك الحين، تغيّب عبد الله عن حضور العديد من الأحداث الكبرى، بما في ذلك أحدث قمة لمجلس التعاون الخليجي في العاصمة القطرية الدوحة؛ حيث ترأس ولي العهد، الأمير سلمان، وفد المملكة العربية السعودية بالقمة. ويعد الملك عبد الله، الذي تولى الحكم في عام 2005 بعد وفاة شقيقه المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز، هو أكبر الحكام في العالم العربي سنًا الآن.