من يتابع تفاقم “الازمة” الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية ومملكة السويد، وحملات التضامن الخليجية مع المملكة والتي وصلت في بعض الاحيان الى سحب السفراء (الامارات) يتبادر الى ذهنه فورا ان السويد دولة استعمارية عظمى تحشد قواتها العسكرية وصواريخها وحاملات طائراتها العملاقة قرب الحدود والمياه الاقليمية السعودية تمهيدا لغزوها واحتلالها. ان تتضامن دول مجلس التعاون الخليجي مع السعودية ويصدر مجلس وزرائها بيانا يندد بالاتهامات “الباطلة” للسعودية بشأن اوضاع حقوق الانسان فيها، فهذا امر لا غبار عليه، فالشقيق وقت الضيق، لكن الاعتراض هنا على تضخيم المشكلة سبب الازمة، والمبالغة في ردود الفعل التي لا ترتقي مطلقا الى الاسباب الكامنة ورائها. الازمة بدأت عندما “تجرأت” السيدة مارغوت فالستروم وزيرة الخارجية السويدية قبل اسبوع على انتقاد سجل المملكة العربية السعودية المتعلق بحقوق الانسان، واعترضت على حكم صدر بحق المدون السعودي رائف بدوي بالسجن عشر سنوات وجلده الف جلده وتغريمه اكثر من مليون دولار لانه انتقد القضاء السعودي، وانتهاك حقوق المرأة السعودية وغياب حريات التعبير. السلطات السعودية ردت بمنع الوزيرة السويدية من القاء كلمة امام مجلس وزراء الجامعة العربية بناء على دعوة من امينها العام السيد نبيل العربي، وسحبت سفيرها من استكهولم، ولوحت بقطع شامل للعلاقات بين البلدين. السويد ردت بالغاء معاهدة للتعاون العسكري مع السعودية جرى توقيعها عام 2005، واستدعت القائم بالاعمال السعودي لديها وسلمته رسالة احتجاج، وبادرت الى نشر نص الكلمة التي كان من المقرر ان تلقيها وزيرة الخارجية في الجامعة العربية على موقع وزارة الخارجية، وهو النص الذي لم يتطرق مطلقا الى حقوق الانسان في السعودية حصرا، وانما اكد على حقوق المرأة وحقوق الانسان بشكل عام، وقالت الكلمة “ان حرية الانتماء والتجمع والدين والتعبير ليست فقط حقوقا اساسية، بل ادوات مهمة في خلق مجتمعات نابضة بالحياة”، مشيرة الى “ان حقوق المرأة لا تفيد المرأة فحسب بل المجتمع ككل”. ما اغضب السلطات السعودية هو انتقاد مؤسستها القضائية واحكامها، لانها تدرك معنى التشكيك في هذه المؤسسة، وهي التي تطرح شعار “العدل اساس الملك”، ولكنها اقرت في الوقت نفسه “مصداقية” الانتقادات التي جرى توجيهها الى هذه المؤسسة القضائية واحكامها على المدون رائف بدوي بايقاف عقوبة الجلد المقررة في حقه بعد تطبيق خمسين جلدة في الاسبوع الاول من الف جلدة. بيان مجلس الوزراء السعودي الذي صدر يوم الاثنين الماضي تناول هذه الازمة مع السويد في احد فقراته، واكد “ان القضاء السعودي المستند الى الشريعة يكفل العدالة التامة للجميع، وان النساء السعوديات حققن انجازات كبيرة في العديد من المجالات”، وربما يكون بعض ما ورد في هذا المجال صحيحا، ولكنه ليس كافيا بالمقارنة مع دول عربية واسلامية اخرى. وربما يجادل بعض الكتاب السعوديين بالقول ان المرأة السعودية حققت انجازات كبيرة، واصبح بعضهم اعضاء في مجلس الشورى، وان هناك اصلاحات مستمرة في المؤسسة القضائية السعودية، وهذا الجدل ينطوي على بعض الصحة ايضا، ولكن هذه الانجازات جاءت متأخرة وبعد الانتقادات السعودية (من قبل نشطاء شبان على شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها) والدولية وخاصة من قبل منظمات حقوق الانسان والصحافة الغربية وبعض العربية. السلطات السعودية يجب ان تتعاطى باسلوب مختلف مع الانتقادات الموجهة لبعض الممارسات فيها، القضائية والتعبيرية والقيود المفروصة على الحريات، والمطالبات المتزايدة بجرعة استقلالية اكبر للقضاء، وعليها ان تدرك ان دولا مثل السويد ليست مثل بعض الدول العربية، ولا تسمح بتوجيه اي انتقاد لها. من حق السلطات السعودية ان تسحب سفيرها من السويد، او حتى ان تقطع العلاقات معها، فهي دولة ذات سيادة، ولكن من حقنا ان نقول لها، وهذا لا يعتبر تدخلا في شؤونها انه كان يكفي اصدار بيان توضيحي للرد على وزيرة الخارجية السويدية، وعدم الاعتراض على حديثها امام الجامعة العربية، والتجاوب بطريقة حضارية مع كل الانتقادات الموجهة الى مؤسساتها القضائية، وتخفيف الحكم على المدون بدوي، والغاء عقوبة الجلد كخطوة اولى، لان المسؤولين السعوديين او معظمهم يدركون انه حكم سياسي قبل ان يكون حكما قضائيا. نعم هناك بعض الاصلاحات القضائية، ونعم ايضا هناك ارتفاع في سقف الحريات في المملكة، ولكنها اصلاحات بطيئة جدا وسقف الحريات ما زال منخفضا، ويكفي التدليل بالقول ان تغريدة واحدة على “التويتر”، او حتى اعادة لتغريدة “ريتويت” لاخرى على الوسيلة نفسها، يمكن ان تؤدي بصاحبها الى عقوبة السجن خمس او عشر سنوات، ولا نعتقد ان الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز الذي يوصف بانه صديق الصحفيين يختلف معنا في هذا الامر.