بألم شديد تحدث إلينا موظف حكومي بسيط عن المعاناة التي يتعرض لها جراء تأديته لواجبه وكشفه للفساد والخروقات التي تمارس بحق الوطن والمواطن ، فهو يعمل بكل جد وإجتهاد لتنفيذ مهامه المناط به على أكمل وجه خدمة له ولوطنه ويحاول الحصول على حقه المشروع في المكافأة المادية والعينية التي يحلم بها كل إنسان والمتمثلة في الترقية وزيادة الراتب والعلاوات والشكر والتقدير على الجهود التي يقوم بها نظير تنفيذه لمهمته والعمل بإخلاص وتفان كبيرين .. ولكن !! ليس هذا ما توقعه " خالد ناصر عليوه" والذي يعمل كمراقب بحري على متن سفن الاصطياد الأجنبية التي أصبحت تصول وتجول وتسرح وتمرح بدون رقيب أو حسيب في المياه الإقليمية والسواحل اليمنية وتجرف معها ما تشاء من الأحياء البحرية بطرق مجحفة غير مشروعة وبصور تخالف كل القوانين المحلية والدولية . المراقب "خالد" يتبع إدارياً مكتب وزارة الثروة السمكية في مدينة عدن ويمارس مهامه منذ سنوات كمراقب بحري ، وقد تلقى خطابات الشكر والتقدير من أكثر من جهة بحسب الوثائق والشهادات التي يحملها وعلى وجه خاص من قيادة المحافظة والأمن ومكاتب الثروة السمكية التي عمل فيها كمنتدب عن مكتب الوزارة في عدن .. وكانت مجرد أوراق مكتوبة مجردة من أي تشجيع مادي يذكر.
القصة المحزنة
القصة بدأت .. عندما كشف المراقب "خالد عليوه" سلسلة من الخروقات التي تمارس من قبل سفن الاصطياد الأجنبية التي تدخل مياهنا الإقليمية وتقوم بالاصطياد للأحياء البحرية بطرق غير مشروعة ومخالفة للقوانين الدولية عن طريق الجرف العشوائي للأسماك ولتسليط الضوئي الجاذب للإحياء البحرية ، فقام بإبلاغ الجهات المعنية في مكتبه وبالأخص في إدارة الرقابة التفتيش في مدينة المكلا التي أنتدب فيها من قبل مكتب الثروة السمكية في عدن كجزء من مهمته في المراقبة.
وبحسب البرقيات والإرساليات التي وجهها إلى قيادة الرقابة والتفتيش بحضرموت الثابتة للعيان وبالوثائق والصور أن طرق الاصطياد غير صحيحة وتضر بالثروة السمكية الهائلة التي تمتلكها اليمن عموماً حيث أن السفن تقوم بالاصطياد عن طريق شبكاك للمواصفات المتعارف عليها في هذا الشأن وكذا التلاعب بالكميات المحددة لاصطياد أنواع معينه من الأحياء البحرية.
المفاجأة غير المتوقعة !!
الغريب في الأمر والمفاجأة التي لم يكن يتوقعها المراقب "خالد ناصر" حال وصوله إلى الساحل ويضع قدمه أو أولى خطواته على البحر وهو يحمل في جعبته أوراق وصور تثبت أدائه لمهامه بصورة صحيحة والتي أرسلها وهي عبارة عن البرقيات والتقارير عن مهمته في مراقبة سفن صيد أجنبية في المياه الإقليمية للجهات المعنية في إدارة الرقابة والتفتيش بمحافظة حضرموت والوثائق والصور الثابتة للفساد المستشري والمتعمد لاستنزاف الثروة السمكية الكبيرة للوطن .. تلقى رد فعل مغاير وتم إيقافه بطريقة استفزازية وسحبت منه دفاتر المخالفات بتوجيهات من إدارة الرقابة والتفتيش في صنعاء.
لقد استقبل مكافأة من نوع آخر وجملة من الإجراءات التعسفية التي أدهشته وصعقت حماسه ، بل كانت مكافأة من طراز جديد باستبعاد أسمه من أي كشوفات خاصة بالمراقبة البحرية لمثل تلك السفن دون إبداء الأسباب !! والتي لا شك أنها معيبة وتظهر أن في الأمر مصالح خاصة وتثير علامة استفهام وتعجب !!.
صور زود بها "عدن الغد" الاخ" عليوه" لكميات من الاسماك تقوم شركات الإصطياد بالقائها في عرض البحر قائمة الوثائق .. !!
من خلال الوثائق التي تسلمتها صحيفة (عدن الغد) من المراقب "خالد ناصر عليوه" تبين لنا أن هناك خروقات مستمرة منذ العام 1999م وحتى اللحظة وبصورة فظيعة ووحشية أضرت بدرجة أساسية بالأحياء البحرية والثروة السمكية الغنية التي تمتلكها اليمن والتي تعتبر من البلدان الغنية بهذه الثروة القومية الهامة ، وبالرغم من التقارير المرفوعة من قبل المراقب والتي تحصلت الصحيفة على نسخه منها فأن الجهات المعنية أصرت على أبعاد هذا المراقب الذي قام بتعرية هذه الخروقات والفساد المستشري.
قصة مراقب .. تتحول إلى قضية ؟! قصة المراقب وإهمال الجهات المعنية بمحاسبة تلك السفن الأجنبية والرموز المساعدة لها من داخل الحكومة ووزارة الثروة السمكية على وجه خاص طرقت قضية مهمة وهي عمليات الصيد الجائرة والاستنزاف المتعمد من قبل بعض شركات الصيد البحري المعتمدة العاملة في المياه الإقليمية اليمنية وكذلك سفن الصيد الأجنبية الأخرى التي تجوب بحار العالم بحثا عن النهب الوفير وتنتهك مياهنا الإقليمية مرارا وتكرارا لتسرق ثرواتنا السمكية بصورة جائرة ، إضافة إلى غياب الترشيد والرقابة الرسمية الفاعلة .. ومع أن الجهات تصلها تقارير مستمرة من مراقبين كالموظف " خالد ناصر عليوه" إلا أنها تتجاهل تلك التقارير وترميها بالأدراج رغم أن القضية المطروحة في تلك التقارير تشكل خطرا كبيرا على وضع المخزون السمكي ومستقبل ثرواتنا ويهدد بيئتنا البحرية وأمننا الغذائي بشكل عام ..!!
أختلالات قاتلة !!
المواطن البسيط لا يدرك أن قوته من الأسماك مهدد بالخطر في حال استمرت سفن الشركات المحلية والخارجية في الاصطياد بطريقة استنزافية متعمدة ، حيث تقوم هذه السفن وبطرق عشوائية بجرف أطنان من الأسماك والإحياء البحرية من المياه الإقليمية اليمنية واختيار نوع معين من الأسماك قبل أن ترمي باقي الأنواع إلى البحر بعد أن تكون قد نفقت على متن تلك السفن البحرية ، فبالرغم من أن تلك الطريقة تم كشفها من إلا أن الجهات المسئولة في قيادة وزارة الثروة السمكية ومكاتبها تتجاهل هذه التقارير وتكتفي بالتفرج فقط دون اتخاذ إي إجراءات .. فلماذا هذا التواطؤ ؟!!.
رسالة إلى وزير الثروة السمكية
سيادة الوزير فبعد أن تلقيت شكوى المراقب "خالد ناصر عليوه" ماذا أنت فعال ؟؟ .. حيث تم إيقافه بطريقة تعسفية من قبل مدير عام الرقابة والتفتيش بوزارة الثروة السمكية بصنعاء.. هل فعلا هذه هي مكافأة من يقوم بأداء واجبه ويكشف الفساد الموجود في عمليات الاصطياد بالمياه الإقليمية ، أم أن هذه علاوة من نوع أخر يتحصل عليها كل إنسان وطني يسعى إلى تغيير الواقع المؤلم بكل صدق وأمانه.
سؤال يطرحه المواطن أيضا يا سيادة الوزير : هل فعلا في حال تم إبعاد المراقبين المخلصين من مراقبة السفن المحلية والأجنبية التي تقوم بالاصطياد العشوائي والجائر في المياه الإقليمية سوف يغطي تلك الأفعال الإجرامية المتواطئة فيها جهات مختلفة من الأمن البحري وخفر السواحل ووزارة الثروة السمكية التي أنت مسئولا عليها ؟؟.
قرارات غير منفذة ..!!
رغم أن الحكومة اليمنية قررت إغلاق منطقة الاصطياد في البحر العربي من المياه الإقليمية اليمنية على قوارب الصيد الساحلي والصناعي ابتداءً من مطلع أبريل الماضي وحتى إشعار آخر ، إلا أن هذه القرارات لا يتم تطبيقها على أرض الواقع حيث تواصل الشركات البحرية العاملة في الاصطياد البحري وبطرق عشوائية وجائرة. وفي وقت تعتبر القدرات والإمكانيات لجهاز خفر السواحل اليمني متواضعة, تواجه اليمن منذ سنوات عديدة مشكلة الاصطياد الجائر والعشوائي الذي تقوم به شركات وسفن دولية وقوارب من بلدان مجاورة تمارس عملياتها داخل المياه الإقليمية اليمنية على البحرين العربي والأحمر. وكان تقرير صدر مؤخراً عن لجنة السياحة والبيئة بمجلس الشورى اليمني كشف عن عمليات صيد جائرة على الأحياء البحرية وفي مقدمتها الأسماك والقشريات وغيرها. وأوصى التقرير بضرورة وقف الصيد العشوائي والجائر وضبط السفن والقوارب الأجنبية التي تدخل مياهنا الإقليمية والتحقيق معها من قبل النيابة العامة وتقدير الأضرار البيئية التي لحقت بالبيئة البحرية.
ويعتبر القطاع السمكي احد أهم القطاعات الاقتصادية في اليمن، وهو المصدر الثاني بعد النفط في توفير العملة الصعبة، كما انه يوفر أكثر من 70 ألف فرصة عمل في مجال الصيد و30 ألف في مجال الصناعات السمكية والأنشطة الأخرى المرتبطة بالقطاع السمكي كالنقل والخدمات العامة.وكان إنتاج اليمن من الأسماك بلغ في 2010 نحو 300 ألف طن وبما قيمته نحو 120مليون دولار إلا ان هذا الرقم تراجع في العام الماضي 2011 بنسبة 35 بالمائة نتيجة الأزمة السياسية وظاهرة انعدام الديزل والمشتقات النفطية التي يحتاجها الصيادون.
خاتمة : هل سيستمر الحال على ما هو عليه أم أن الضمائر الحية ستتحرك ويتحقق المراد في إيقاف العبث والاستنزاف الذي يطال ثروتنا السمكية .. أم أن التجاهل سيكون عنوان هذا المسلسل المستمر منذ سنوات ..