في ظل هذا الكم الهائل من الإحتقانات السياسية ، والإجتماعية ، والدينية التي يعيشها العالم العربي ، بالإضافة إلى انحسار العملية التنموية ، وغياب قيمة الوطن ، والإنسان يجد المتأمل بعين العقل أن كل هذا ناتج عن التباين الفكري والثقافي في أوساط الفئات المكونة للمجتمع العربي سواء كانت هذه الفئات هي أحزاب سياسية ، أو جماعات دينية ، أو منظمات مجتمع مدني .. فما تعيشه الأوطان العربية من صراعات طائفية ، ومذهبية ، وسياسية ما هو إلّا لتباين وإختلاف الثقافات والآراء ، بل وتصادمها وتعارضها في تلك الفئات التي تؤدي الى العصف بالسكينة العامة وخلخلة الأمن والاستقرار في الوطن وزرع الشقاق والنزاع الذي قد يتطور الى صراع مسلح.
وفي ظل غياب الثقافة الوطنية وروح الانتماء الوطني عن هذه الفئات فإنها تسعى الى فرض نفسها في الواقع المعاش وبسط نفوذها والعمل على تحقيق أهدافها ومصالحها الشخصية دون النظر الى ما إذا كانت تصب في مصلحة الوطن او ضده .
ويتم ذلك عن طريق فرض آرائها وأفكارها وثقافتها سواء باستغلال البسطاء في الأوطان الفقيرة وإغرائهم بالمال أو استغلال الدين في تحقيق المآرب والأطماع الشخصية وتكون أيضا في الأوساط الشعبية ذات الغالبية الأمية عن طريق الأبواق الإعلامية والترويج لها في المنابر الدينية وتأجيج روح العصبية في أوساط المستهدفين ، والنتيجة ستكون حربا تقوض العملية الأمنية في الوطن وتضعف قوة الدولة ، وتسلب الأرواح ، وتنهب الممتلكات ، وتقتل روح الوطنية ، وتعيث في الارض الفساد.
ولا سبيل لحل هذا الأشكال الا بفرض الثقافة الوطنية ، وغرسها في نفوس الأجيال الصاعدة ، والإشراف على الخطاب الديني ، وإعادة النظر في تفسيره على النحو الذي من أجله فرضه الشارع ، وليس على النحو الذي ترغب به التكتلات الدينية الحديثة.