إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    تأجيل مباريات الخميس في بطولة كرة السلة لأندية حضرموت    القوات المسلحة الجنوبية تحبط هجوما للقاعدة في أبين    السكرتير السابق للشيخ الزنداني يكشف مفاجأة عن تصريحه المتداول حول ''عودة الخلافة'' في 2020    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    عن العلامة اليماني الذي أسس مدرسة الحديث النبوي في الأندلس - قصص رائعة وتفاصيل مدهشة    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    المهندس صعتر و جهاد الكلمة    أضرار مادية وخسائر بشرية بسبب الفيضانات شرقي اليمن وإغلاق مدينة بالكامل    ترحيل آلاف اليمنيين من السعودية    ريال مدريد يثأر من مانشستر سيتي ويتأهل إلى نصف نهائي أبطال أوروبا    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    نعيبُ جمهوريتنا والعيبُ فينا    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    حراس الجمهورية تجبر ميليشيا الحوثي التراجع عن استهداف مطار المخا    الكشف عن استحواذ جماعة الحوثي على هذه الإيرادات المالية المخصصة لصرف رواتب الموظفين المنقطعة    الحوثيون يضربون سمعة "القات" المحلي وإنهيار في اسعاره (تفاصيل)    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    حضرموت تستعد للاحتفاء بذكرى نصرها المؤزر ضد تنظيم القاعدة    "ليست صواريخ فرط صوتية"...مليشيات الحوثي تستعد لتدشين اقوى واخطر سلاح لديها    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    فيديو اللقاء الهام للرئيس العليمي مع عدد من كبار الصحفيين المصريين    دوري ابطال اوروبا ... ريال مدريد يطيح بمانشستر سيتي ويتأهل لنصف النهائي    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    رافقه وزيري العمل والمياه.. رئيس الوزراء يزور محافظة لحج    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    انس جابر تعبر الى ثمن نهائي دورة شتوتغارت الالمانية    استقرار أسعار الذهب عند 2381.68 دولار للأوقية    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    محافظ المهرة يوجه برفع الجاهزية واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية تحسبا للمنخفض الجوي    وفاة وإصابة 162 مواطنا بحوادث سير خلال إجازة عيد الفطر    أبناء الجنوب يدفعون للحوثي سنويا 800 مليون دولار ثمنا للقات اليمني    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    مصير الأردن على المحك وليس مصير غزة    من هم الذين لا يدخلون النار؟.. انقذ نفسك قبل فوات الأوان    باريس سان جيرمان يرد ريمونتادا برشلونة التاريخية ويتأهل لنصف نهائى دورى الأبطال    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    الكشف عن آخر تطورات الحالة الصحية للفنان عبدالله الرويشد    ارنولد: انا مدين بكل شيء ل كلوب    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعر لا الشاعر في نظرية الأدب
نشر في عدن الغد يوم 10 - 09 - 2014

عندما أشار الناقد الموسوعي الكبير إحسان عباس، إلى أهمية مرور الزمن على النقد الأدبي، في كتابه الشهير «تاريخ النقد الأدبي عند العرب»، لم يتوقف كثير من القراء عند تلك الإشارة المهمة، ليس بسبب غفلة من القارئ أو هامشية في الفكرة، بل بسبب أن الكتاب المذكور أصلا، مرجعية في تاريخ النقد العربي القديم، مصحوبة باطلاع وتبحر اشتهر به الناقد الراحل، فلم يتوقف عندها كثير من القراء، وانجذبوا إلى الكتاب بكليته، ذلك أنه من الكتب الأمهات، ومن المصنّفات رفيعة الشأن.

أهمية الزمن، في النقد الأدبي، تتأتى في كون النص حركة دلالية تتنقل ضمن نظام إخفاء وإظهار، يهمّش متنا، أو يؤصّل هامشا. بحيث يكون مرور الوقت على النص، ليس مجرد معالجات واختمار، بل للوصول إلى المقاربة أو الموازنة التي تضع نصا قبالة نص، لا تقابل صراع أو موازنة حكم، بل في آلية تنقيح وحذف تتولاّها نظرية الأدب، بكليتها، من جزئها الأولي المتمثل بمصادر الشعرية، على غموضها واختلافها، إلى ولادة النص الأدبي، الذي لا يقل غموضا وتعددا في المصادر التي غالبا ما يكون التنقيح جزءها المكوِّن بعدما كان جزءها المُضمَر.

عندما أشار إحسان عباس إلى حاجة النص إلى مرور الزمن، كان يشير إلى مراحل محددة في النقد العربي القديم. إلا أن وجاهة فكرته تنتقل من سياقها التطبيقي الخاص، إلى كونها مفتاحا مفهوميا من داخل نظرية الأدب نفسها، ذلك أنها – أي النظرية – كتلة متحركة مكتملة من الخارج، ومتضاربة في الداخل، لأن نظرية الأدب لم تكن يوما تعبيرا نهائيا عن النمط والممارسة النصية، بقدر ما هي تاريخية الأدب نفسه، لجهة التدوين، لا لجهة الأحكام أو الانحياز لمدرسة دون غيرها. هنا نظرية الأدب، هي تأريخ الاختلاف الأدبي، وتدوين ما لا يجتمع عليه الكل. وعندما سئل البحتري، كما يورد مؤلف «وفيات الأعيان»، عمن هو أشعر؛ هو أم أبو تمام، فقال ما لم يقل في زمنه، ولا قبله حين عبّر: «جيّده خيرٌ من جيّدي. ورديئي خيرٌ من رديئه». في سابقة لو انضمت إلى نظرية الأدب، لنسفتها من أساسها، ذلك أنها، وللمرة الأولى، تُدخل رديء الشعر في المبارزة، لا الجيد منه فقط. ولهذا قال البحتري إن شعر أبي تمام الجيد أفضل من شعري الجيد، أمّا شعري الرديء فهو أفضل من شعره الرديء. هل هناك من مجال بعد للتصديق بأن نظرية الأدب هي نمطية الممارسة النصية؟ أم إن نظرية الأدب هي تاريخ التنقيح، وتدوين التناقض؟!

وللإضافة في هذا المجال، وللتأكيد على حيوية المعيار الأدبي وأولويته على باقي المعايير أو حتى الأعراف، سنقرأ ما نقله «وفيات الأعيان» نقلا عن الصولي، بأن أبا تمام أصلا كان يريد التزوج من أم البحتري وراسلها على ذلك، ولمّا أرادت منه أن يكون الزواج علنيا وأمام الناس، قال لها «بل نتصافح ونتسافح»! وقال: «اللهُ أجلّ من أن يذكر بيننا»! هنا، سيتم التركيز على أن نظرية الأدب، تاريخية المنشأ، والطبيعة المعيارية فيها تنحاز للنصي مقابل الاجتماعي أو الأخلاقي. وإلا، كيف يمكن للبحتري أن يطلق تصريحا قاطعا بشعرية أبي تمام على حساب شعريته هو، بل سمّى تفوقه من حسنات الرديء مقابل حسنات الشعر الجيد الذي يجيده أبو تمام.

قصة أخرى سنجدها عن الشاعر ابن هانئ الأندلسي، وهو من الشعراء الكبار الذين ظلمهم تحيز النقاد لشعر الشام والعراق، فأولا، بعدما وجد ميتا مقتولا لسبب مجهول، قال عنه معز مصر: «مات الذي كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق ولم يقدّر لنا ذلك». وللدلالة أكثر على حكاية التعصب، سنجد رأيا لأبي العلاء المعري بشعرية ابن هانئ الأندلسي، حيث يسخّفها بأنها «رحى تطحن قرونا لأجل القعقعة التي في ألفاظه» وأنه «لا طائل منها»، فلم يكن من النقاد إلا القول: «ما أنصفه هذا القول»، وإن رأي المعري، هذا، سببه «التعصب للمتنبي». وعلى الرغم من قيمة المعري وتأثيره على طيف واسع من القراء والنقاد، فإن نظرية الأدب لا تقف عند معايرته الخاصة، التي انحازت وتعصبت.. ومنه قول المعز عن مفاخرة شعراء المشرق به، تعصبا أيضا. هكذا تسرد النظرية تنقيحا معكوسا، والمظهر يبدو مخفيا، والمخفي يتحول ظاهرا.

في جهة مقابلة، وتبعد قرونا عن أبي تمام والبحتري، تنشر مجلة «شعر» اللبنانية، أول ستينات القرن الماضي، حوارا مع الشاعر السوري المعروف ب«بدوي الجبل»، وقد كانت للشاعر صولات في الشعر الموزون المقفى، وكان من نجوم تلك المرحلة، ولا يزال شعره يتردد على ألسنة محبي الشعر.. سنجد في الحوار «تمنيات» من الطرف المحاور ل«بدوي الجبل» بأنه: يا ليته كان يكتب قصيدة نثر! كما يقال لروائي: ليته كتب الشعر.. والفارق بين حالة أبي تمام والبحتري، وما صاحبها من تهديد عرْفي، وحالة مجلة «شعر» اللبنانية، التي تعد مفجرة جدل الحداثة الشعرية وقصيدة النثر، أن الأخيرة كانت ممارسة اعتقادية لنمط أدبي بعينه، ومعايير أدبية بعينها، وتمثل انحيازا «ثوريا» لقيم تريد أن تنتصر. وسنلاحظ أنها على انحيازها وثوريتها، انضمت إلى نظرية الأدب، لا بصفتها نمطا أوحد، بل بصفتها اختبارا نصيا أخذ طريقه إلى متن التأريخ الأدبي لينضم إلى خصومه وليجتمع بما افترق عنه وليتحد بما ينقضه. هذه هي النظرية، التي ليست تذوقا، أو معيارا..

هي مجرد تاريخ ما لا تاريخ له: سرد وحدة أضداد النص. بينما الأدب في الممارسة النصية هو نشاطٌ ذاتي مغرق في الإشارة إلى جهة الإنتاج، ولن يقبل في حال من الأحوال أن يكون مجرد جزء من حبكة شعرية أو تفصيل صغير في سرد التاريخ الأدبي.. بدليل، أن كل جهة تخطط لإعداد أنطولوجيات شعرية لنشرها على القراء، تصطدم بآلية الاختيار والمعايير، لا بل إن أكبر عائق يكون أمامها، هو الشاعر نفسه، الذي عادة ما يحدد شروطا قاسية للقبول بأن يكون جزءا من أنطولوجيا، ومن هذه الشروط: الطلب بحذف أسماء شعرية مثلا، كيلا لا تكون إلى جانب اسمه.. ذلك أن عامل الزمن، الذي أشار إليه الناقد الراحل الكبير إحسان عباس، من أفضاله التعامل الموضوعي مع النص، لا الذاتي الذي انتهى من ذاتيته بإنتاج النص، ولا بأن تستمر هذه الذاتية، التي دون مرور الزمن، ستمتنع عن الالتحاق بالنظرية، وتتمسك بالممارسة النصية، فقط.

عامل آخر لخدمة نظرية الأدب، وعبر مبدأ الزمن المشار إليه، وهو التراكم، فالأخير يؤدي إلى وجود الراوية، والراوي يستخدم مبدأ الإظهار عادة، ولا يروي قبيح الشعر إلا في حادثة لها توظيفها في سياقها. فوجود الراوية إظهارٌ معياري تم الاتفاق عليه. وربما هذا هو سبب من بعض أسباب نحل الشعر، حينما يضطر الراوية إلى تأليف شعر ونسبته ونحله إلى شاعر آخر، فقط لإطراب المستمع الذي قد يكون هنا سلطة ستكرم الراوي على روايته الحسنة وحفظه. ففي وقت من الأوقات، كان حفظ الشعر مساويا لتأليفه، على أنه مقدرة ذهنية عالية تتطلبها الأبيات الشعرية الهائلة التي يتسابق فيها الحفظة. وكثيرة هي الروايات التي تتحدث عن راوٍ انتهى حفظه فأكمل من عندياته. وعلى هذا اتكأ عبد الله بن سلام، عندما قطع بأن الرجل يقول الشعر في بيت أو بيتين. لا أكثر. فما حال المطوّلات التي كان يقرأها رواة، وشكك بها نقاد كابن سلام والأصمعي وسواهما، ثم تحولت إلى شعر منحول أصبح ظاهرة في «نظرية» الشعر العربي نفسها؟! هنا كان زمن إحسان عباس هو الحاسم، سواء في فحص الرواية، أو في معيار النقل.

الزمن الأدبي فحصٌ صامت، ومن داخل النص الأدبي، للنص الأدبي نفسه. وإذ الأخير يتراكم ويكبر في تجارب تنطلق من ذاتيتها ورؤيتها الخاصة للعالم، ستكون نظرية الأدب تأكيدا على أن ما بدا ذاتيا، في أول النص، سيظهر موضوعيا في آخره، وما كان يظن أنه منتج فردي، سيكون جماعيا، وما تقدم على أنه ابتكار وتجديد، لم يكن أكثر من إضافة ضئيلة للغاية. نظرية الأدب هي المكان الأمثل لتوزيع الأدوار وحجم النشاطات، وفيها يظهر الدور المحدود، للغاية، بعدما مرّ زمنٌ كان فيه هذا الدور، كبيرا للغاية.

من: عهد فاضل
صحافي وناقد سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.