للإنسان كفرد أو جماعة قدرة ومجال غير محدود في التحكم في ذاته وضبطها, ولديه مساحة غير متناهية من الأساليب والاتجاهات والطرق المختلفة والتي تمكنه من ضبط ذواته والوصول إلى نوع من الاستقرار النفسي والحفاظ على القيم المتجذرة في الذات( حيث يتم ذلك بوعي أو بدون وعي), ومن ضمن تلك الأساليب الهروب من الواقع المؤلم وذلك بإنكاره وتغطيته بنوع من اللامبالاة وعدم الاكتراث , حتى لا يفضي ذلك إلى مدخلات تجره إلى أمراض عصبية وتصرفات غير محكومة. وتبدأ اللامبالاة عادة بانعدام الإحساس وفتور الحماس والرمي بجلائل الأمور في مزبلة الاستهانة والاستخفاف. وسوف نلاحظ في هذه المقام الشيق النتائج السلبية التي يمكن أن تتمخض في إطار ما سبق: لنبدأ بالإنسان البسيط أو العامل الكادح أو الفلاح الذي تحول خلال فترات من الزمن إلى آلة مبرمجة لتعمل فقط,, فقد تم الضغط عليه.... مع الإلحاح له ولمن حوله بأن عليهم بالصبر كخلة أساسية يجب أن يتحلوا بها حتى يأتيهم الفرج من السماء من دون أن يسعوا ويتحركوا بأنفسهم, و صفة الصبر في ذلك الواقع مفهومة بمعنى ( الهدوء والسكون والخضوع والمذلة). أما الشخصية المستقلة ونمو روح المقاومة الايجابية لتحقيق نوع من التوازن الاجتماعي وكقاعدة أساسية لاسترداد الحقوق فلم يعرفها ذلك الإنسان, لكي يعيش في كنف الحب والوئام والعدالة الاجتماعية. و ينطبق هذا جليا على المستوى الاجتماعي أما على المستوى السياسي فالصورة تكون اكبر واشمل واخطر وان اختلفت أوجه المواجهة وأساليب التطبيق. ومن الطبيعي جدا وتحت سقف تلك البيئة الفاسدة والملوثة أن يتم إبادة تلك العناصر الأبية والأخلاقية التي تسعى لاسترداد حقوقها أما العناصر الرخوة والهشة والنمطية فهي تعيش وترقى, وكان من الأجدر بنا أن نعلي من شان تلك الخصائص الأخلاقية والتحررية وان نجعلها ثقافة عامة ومتأصلة أصبحت جبنا وتحذلقا وتدخلا حسب النظرة المجتمعية وفي نظر الاستبداد والظلم. ولذلك فلم يكن لتلك العناصر الأبية والحرة نجاح اجتماعي مرموق وحصل ما يعرف بمتناقضة الانتخاب العكسي للسلطة الاجتماعية أو السياسية. وقد تمخض عن مناخ الاستبداد والظلم وسياسة العصا لمن عصى انتشار ورواج العديد من المظاهر المزيفة والانهزامية والبعيدة من الواقع - والتي تمثل إلى حد كبير الوصول إلى حالة فشل لمواجهة ذلك الواقع- كانتشار ورواج مظاهر الرقص والإسراف المفرط في الغناء والطبل (البعيد من جوهره وأصوله أيضا), والإفراط في النكت والضحك والمرح وقصص المجون والخلاعة ومظاهر الإباحية والشذوذ أيضا والتي تعتبر متنفسا ومنفذا جيدا يلجأ إليه الشباب. بالإضافة فان رجحان النزعة الصوفية(في مصر كمثال) في أزمان متعددة وفي مجتمعات مختلفة ليس من قبيل الصدفة ولكنها تمثل -إلى حد كبير- هروبا من واقع اليم, فهم يحولون ذلك الواقع الذي لا يمكنهم تغييره حسب نظرهم- وبشكل غير مباشر- من الم إلى عزوف ووحدة ومن مأساة إلى ملهاة أو ما شابه. وللتعبير عن السخط والسخرية من الواقع وذلك بالاستعلاء عليه والزهد عنه والانصراف إلى غيره وذلك لتحقيق نوع من الاتزان النفسي الداخلي والرضا عن الذات. - وكما قال بعض الفلاسفة: ( أن الضحك استجابة للألم لا للسرور, لان مفتاحه هو المواقف التي تسبب لنا الضيق أو الكرب أو الألم أن لم نضحك). - والواقع أن العصور الطويلة من الاستبداد والطغيان قد أجبرتنا على التعبير عن أحوالنا من التصريح إلى التعريض ومن الجهر بالظلم إلى الهمس في ما بيننا البين لتحقيق نوع من الاتزان الداخلي المتجذر في أعماقنا. ومن أسوا ما يمكن أن يفضي ذلك الواقع الاستبدادي إلى الجبن والخوف وانحسار المقاومة الايجابية- بشتى صورها وأشكالها- ويتمثل ذلك الجبن إلى حد معين في الصور المذكورة سلفا. وقد وصف الدكتور/محمد رجب النجار -في احد كتبه- تلك الصور بالمقاومة السلبية لهو أدق تعبير واشمل معنى ممكن أن يحتوي تلك الصور والأشكال. وهناك صورة مختلفة وتأتي في إطار ما سبق وتنشأ عن تلك البيئة الملوثة ايضا وفشل الدولة الوطنية في القضايا المتعلقة بالتعليم والتنمية والتطوير على مستوى الفرد والمجتمع، ووقوفها مكتوفة الايدي أمام التحديات والاحتياجات الاساسية والضرورية وتعثرها في خلق اجواء تعايش وتقبل بين مختلف الاطياف والاثنيات والشرائح، وتتمثل تلك الصورة في نشوء مظاهر اخرى (أكثر تطرفا وإمعانا وقسوة) تتماهى في قسوتها وغلظتها (كظاهرة داعش والقاعدة ،( وقد تطرق الى ذلك د. عزمي بشارة في مقاله المهم)من يقف خلف داعش. ..سؤال عقيم). وكذلك الكاتب/عبدالله المالكي في مقال له بعنوان(الوهابية واخوان من طاع الله وداعش...هل يعيد التاريخ نفسه). وبالنسبة لعالم الاجتماع الشهير) ماكس فيبر( فانه لكي نفهم السلوك الاجتماعي او الفعل الاجتماعي لابد من دراسته على مستوى الفرد وذلك بالنظر الى دوافعه ونواياه والمعاني الذاتية التي يعطيها لأفعاله، وكذلك دراستها على المستوى الاجتماعي بالنظر الى النوايا والدوافع التي تكمن وراء سلوك الجماعة.
كلمة يجب أن تقال: قلة أو غياب المادة العلمية البحثية في هكذا مجال بالنسبة للمجتمع )في حضرموت خاصة) وطريقة تأثره بالمتغيرات المتعاقبة بأساليب علمية متخصصة ومتعلقة بعلم الانثروبولوجيا او علم الاجتماع وكذلك المرتبطة بعلم الاجتماع السياسي، يمثل عقبة أو حاجز منيع لفهم تلك الظواهر والتحولات التي تمر بها المجتمعات والايديولوجيات المختلفة.