في خبر مثير للانتباه، سجّلت المحاكم السعودية خلال عام واحد (1371) دعوى طلاق لنساء سعوديات بسبب "عدم المعاشرة الجنسية" في مقابل (283) دعوى من أزواج لطلب الطلاق من زوجاتهن للسبب نفسه (بحسب عدة مواقع إخبارية وصحفية(.
وبغض النظر عن العدد المرصود، إلا أن لجوء بعض الأزواج لرفع هذه القضايا الحساسة أمام القضاء في مجتمع معروف بخصوصيته التقليدية، قد يشير إلى وجود حالات مماثلة تحت رماد العادات والتقاليد، مغلّفة بالصمت والصبر، يتجرّع أصحابها مُرّ معاناة نفسية وعاطفية وألم كبت مشاعر إنسانية، تتسبب محاولات إنكارها وتجاهلها في مضاعفات سلوكية ومزاجية واجتماعية، تُفقد الاستمتاع بما وهبه الله للإنسان من نِعَم مُباحة، وحاجات فطرية ضرورية.
من الملاحظ في المجتمع السعودي انتشار كثير من المشكلات الحميمية بين الأزواج، وارتفاع نسبة الطلاق لأسباب من المنطقي أن يكون أهمها اضطراب العلاقة الجنسية بين الأزواج، وإصابة المعاشرة الزوجية لديهم بالخلل، وتأثّر مشاعرهم العاطفية بعدم إشباع حاجاتهم الغريزية بشكل كامل، نتيجة اضطرابات شخصية وسوء التوافق الجنسي، أو تفضيل سلوكيات تميل إلى الشذوذ، وإهمال بعض الأزواج طرق المداعبة ووسائل الإثارة العاطفية للزوجات، إضافة إلى الخجل من التصريح بطرق الجِماع المحببة لبعضهم، وعدم مراعاة الأوقات المناسبة للتواصل الجنسي وأوقات التغيرات الهرمونية للمرأة، واحتياج الزوجة لمبادرة الزوج ودعوته لها للممارسة الحميمية بشكل مُحبّب بعيد عن العنف أو سوء الألفاظ والعشرة، بوسائل إيحائية وتصريحية بعد رصده بتجربته معها أهم السلوكيات والكلمات والإيماءات اللفظية والحسية، التي تعمل على إثارة مشاعرها، وجعلها في أتم الاستعداد النفسي لتقديم أجمل مالديها، فضلا عن التأكد من وصولها إلى الذروة، لضمان إفراز هرمونات الاسترخاء (كالإندورفين) و هرمون السعادة (الأوكسيتوسين) والتخلص من الاحتقان، عوضا عن تركها "في منتصف الطريق".
ومن الواضح تعدد مصادر الإلهاء للزوج والزوجة، وانتشار وسائل الإثارة النفسية للطرفين في وسائل التقنية والقنوات الفضائية، ممّا يبعث أحيانًا على المقارنات غير الصحيّة ولا المنطقية، وتأثر علاقتهم بمشكلات عائلية أو مادية، واختلافات فكرية وشخصية، فضلا عن إهمال أحد الزوجين النظافة الشخصية، وسنن الفطرة كقص الشارب، وحلق العانة، والتطيّب، وتقليم الأظافر، فقد جاء في تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما - لقوله تعالى: "ولهُنّ مِثلُ الّذي عَليهِنّ بالمَعروُف" قوله: "إني أحبّ أن أتزيّن لزوجتي كما أحبُّ أن تتزين زوجتي لي"، في إشارة إلى اهتمام الإسلام بأدب التجمّل والتطيّب للأزواج، لدوام المودة والرحمة والمحبة بينهم، إضافة إلى الحرص على كل ما يحث على إعفاف النساء والرجال، على حد سواء.
ولايفوتني أن أذكر عددا من العوامل العضوية المرَضية لسوء التوافق الجنسي بين الأزواج، كأمراض السكّري والقلب والبدانة والبروستات، والشخير وانقطاع التنفس أثناء النوم، والاكتئاب، التي ترتبط بقصور في القدرة الجنسية، قد يُحيل المعاشرة إلى مأساة اجتماعية تتسبب في مشاعر سلبية، تنعكس على العلاقة الزوجية بشكل عام، وتستمر دون علاج فعّال نتيجة الخجل من عرضها على الطبيب المختص.
وفي المجتمعات المُنغلقة، تبقى معظم اضطرابات العلاقة الحميمية بين الأزواج طيّ الكتمان، نتيجة رواسب ومرجعيات ثقافية واجتماعية، تجعل منها "قنابل موقوتة" تستدعي طُرقا علمية ووسائل ثقافية وتربوية وإعلامية لمواجهتها ورصد أسبابها وتداعياتها، بخاصة في عصر الانفتاح الثقافي والتقني، والهوس باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، عوضا عن تركها دون علاج "خلف الأبواب المغلقة".