في هذا العيد كل التناقضات "الحزينة" يمكن أن تحملها شوارع اليمن "السعيد". فبرغم سيطرة جماعة أنصار الله الحوثية على مفاصل الدولة ووزاراتها بما فيها وزارة المالية وسبل إنفاقها وصولا لمنابع الطاقة والنفط. لا يزال الرئيس عبدربه منصور هادي ينكر سقوط العاصمة منتظرا خروج جماعة الحوثي بمجرد تشكيل الحكومة. كما أنه في الوقت الذي طالبت فيه وزارة التربية المدارس باستئناف الدراسة كان المسلحون (يسمون أنفسهم لجانا شعبية) يجوبون الشوارع بلباس مدني، دون أي اعتبار لهيبة الدولة، متذرعين بحفظ الأمن وتسيير الحياة، متخذين من مدارس الأطفال مخازن لأسلحتهم وذخيرتهم. ومن بيوت معارضيهم ملاذا للاستجمام والتصوير. ما دفع بمديرة إحدى المدارس، للتعبير عن حيرتها تجاه هذه المعضلة التي أدركتها، فمن جهة طلبت منها وزارة التربية استئناف حصص الدراسة، فيما الحوثيون يسيطرون على مدرستها ويرفضون المغادرة. وقالت بأسف "لقد تقرر إعادة فتح المدارس ولم يفكر أحد بماذا يوجد داخلها في الحقيقة". وأضافت "كنا نريد أن نربي جيلا جديدا لديه حساسية ضد السلاح والنزاعات، إلا أنه سيكون لدينا جيل مغمس بالعنف". العيد في صنعاء اختلف هذا العام باختلاف سلطاته الجديدة التي أحكمت قبضتها علي المداخل والمخارج، بحجج "ثورية" تكررت في أكثر من بلد عربي أخيرا. فمحاربة الفساد، ومواجهة الغلاء كانت بداية الثورة ضد حكومة منتخبة في الأساس وقادمة من خلال الشرعية، التي أقرتها الأممالمتحدة والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، ثم أتت "اللجان الشعبية" لتكمل فصول "الثورة" ولتبيح السيطرة العسكرية بكل أشكالها. ورغم كل ذلك، السلاح في انتشار والأسعار في تصاعد. وحتى من لديهم القدرة المالية على الشراء لا ينكرون ذهاب الفرحة في غياب الأمن وتنازع السلطات. يقول حسين صالح لوكالة رويترز "لا يوجد فرحة باليمن والأمن متدهور. ما فيش حكومة توجد. فكوا الحبل على الغارب. كل واحد يعمل الذي يشتي (يريد). الناس المخربون كثروا". في حين يؤكد بعض المسؤولين، من جهة أخرى، أن الإجراءات التي اتخذتها الجماعة المسلحة على مستوى الدولة عموما وصلت إلى درجة غير مسبوقة من سيطرة المصالح "الخاصة" على مؤسسات الدولة. وهو ما دعا وزراء الداخلية في مجلس التعاون الخليجي، للتنديد ب"عمليات النهب والتسلط على مقدرات الشعب اليمني". كما شدد الوزراء على "ضرورة إعادة كل المقار والمؤسسات الرسمية للدولة اليمنية وتسليم كل الأسلحة وكل ما تم نهبه من عتاد عسكري وأموال عامة وخاصة". مؤكدين أن دوله لن تقف "مكتوفة الأيدي" أمام "التدخلات الخارجية الفئوية" في اليمن. هذه الإشارة لتدخل خارجي "فئوي" ليست بالجديدة، فقد سبق أن أشار إليها وحذر منها الرئيس عبد ربه منصور هادي. ومثله فعل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إبان حكمه. والذي يُشار إليه، اليوم، من قبل كثير من المراقبين باعتباره المسؤول، هو وحزبه، حزب المؤتر الشعبي العام ، عن هذه الأوضاع طمعا في العودة للسيطرة، ولو بشكل غير مباشر. يذكر أن علاقة الحوثي بطهران، كانت محل جدل وإنكار دولي وأمريكي طويلا. فبرغم التحذيرات المتواصلة من اليمن ومن دول الجوار إلا أن أمريكا لم تكن، بحسب كثير من المحليين، تريد أن تؤثر على مشروع التقارب مع إيران، خصوصا على مفاوضاتها النووية معها بأي شكل من الأشكال. وهو ما كان ينسجم، أيضا، بحسب محللين سياسيين، مع تردد إدارة أوباما في دعم اتهامات العراق حول التواطؤ السوري (حليف إيران) في التفجيرات، التي وقعت في بغداد في آب (أغسطس) 2009 والتي قتل فيها أكثر من 100 شخص. بسبب الخوف من أن يؤدي انتقاد دمشق إلى إفشال المساعي الأمريكية للتعامل مع نظام الأسد حينها. على الرغم من المعلومات، التي أشارت إليها مؤسسة "ستراتفور" الخاصة للاستخبارات العالمية، التي تؤكد أن سورية، حليفة إيران، هي من تسهل عبور الجهاديين إلى اليمن، إضافة لما تقوم به إيران من دعم لتنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، الذي مقره اليمن. ليكسر هذا الصمت الأمريكي، تصريح خجول لمساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان لإحدى الصحف في 31 كانون الثاني (يناير) 2010 حول ما إذا كانت واشنطن تأخذ هذه العلاقة بين إيران وجماعة الحوثي على محمل الجد "ليس لدينا أدلة على أن التدخل الإيراني في قضية الحوثيين عميق بقدر ما هو مع حزب الله". وهو ما وصف حينها بالاعتراف الضمني. فهناك تدخل مشابه لتدخل إيران في لبنان ولكنه ليس بالعمق ذاته. إلا أن الحوثيين، في المقابل كانوا أكثر صراحة ووضوحا من الأمريكيين حين أعلنوا صراحة ولاءهم لطهران. ففي عام 2009 عندما سئل رجل الدين الحوثي عصام العماد عن الروابط بين إيران والمتمردين، قال إن زعيم الجماعة، حسين الحوثي، هو أشبه بزعيم "حزب الله" حسن نصر الله. نقاط تفتيش تقيمها جماعة الحوثي للمواطنين تحت ذريعة اللجان الشعبية. وبالعودة للموقف السعودي، الذي يربط منذ وقت بعيد بين خطر الحوثيين والقاعدة. فقد حذر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل المجتمع الدولي مجددا من "الظروف المتسارعة شديدة الخطورة" وقال في نيويورك الأسبوع الماضي إن أعمال العنف في اليمن تعرض الأمن والاستقرار للخطر على الساحتين الإقليمية والدولية. وفي ذلك إشارة واضحة وتذكير بما قد تبعثه هذه السيطرة لجماعة "أنصار الله" المبنية على أسس طائفية من إخلال بالوضع اليمني. وبما قد توفره مثل هذه الأجواء للقاعدة في اليمن من فرص تحريضية طائفية، غالبا ما تنتعش القاعدة ومثيلاتها من الميليشيات في وجودها. وهو بالفعل ما لم يتأخر حياله التنظيم الإرهابي الذي حث مقاتليه في بيان صدر منذ أيام على ألا يتركوا أي نقطة تفتيش للحوثيين لم يضربوها ولا مقرا لم يفجروه، وحرضهم على التربص بهم وإلحاق الضرر بهم على الطرق ونصب الكمائن لهم حتى لا يغمض لهم جفن. يبقى أن طبيعة هذه المواجهات القديمة والمتجددة بين القاعدة والحوثيين ومن يمولهم من الخارج بالعتاد والسلاح هو ما حدا بعلي عبدالله صالح لأن يصف، في وقت سابق، نجاحه في حكم اليمن بأنه "كالرقص على رؤوس الأفاعي". وهو أيضًا العنوان الذي اختارته لكتابها "فيكتوريا كلارك" المراسلة الصحفية، ومديرة مكتب "الأوبزيرفر". والذي نشر عام 2010 ( اليمن ترقص على رؤوس الأفاعي) بعد تحقيقات مستفيضة ثقافيا وسياسيا، إضافة لعشرات من المقابلات مع سياسيين، وأكاديميين، ووجهاء مجتمع، بل حتى مع بعض المشتبه في علاقاتهم بالإرهاب وتنظيم "القاعدة". وخلصت فيه الكاتبة لمناشدة الولاياتالمتحدة وبريطانيا على وجه الخصوص إلى مزيد من الاهتمام باليمن، والتدخل لمنعه من التحول إلى دولة فاشلة، الذي يواجه، على حد تعبيرها في ذلك الوقت "أوضاعا جيوبوليتيكية غاية في الخطورة، تتمثل في تمرد شيعي في الشمال، وحركة انفصالية في الجنوب، وضعف قبضة الدولة على العديد من المناطق، وانتشار هائل للسلاح بين القبائل، علاوة على تفشي الفقر والبطالة، والنقص الحاد في الخدمات الأساسية". أما اليوم، ومع تفلت هذه "القبضة" وانفلاتها لدرجة جعلت من جماعة "أنصار الله" تملك السلطة لتحرير مساجين نسبوا لحزب الله وآخرين على علاقة بالحرس الثوري الإيراني. يبقى السؤال، هل هذه القبضات المتعددة، والسيطرة على مفاصل العاصمة الأمنية والسياسية، وما رافقها من امتداد جغرافي للسيطرة على المنشآت النفطية، وصولا للموانئ البحرية، كافٍ لإقناع المجتمع الدولي بعمق هذا التدخل الإيراني وخطورته على اليمن بشكل خاص وعلى الجهود الحثيثة لمكافحة الإرهاب بشكل عام أم لا؟