عند تواجدنا في كوبا في الثمانينيات من القرن الماضي للدارسة كنا نتابع وسائل الاعلام الكوبية والتي كانت تبرز أحداث أزمة الصواريخ الكوبية وكذلك احتفالاتهم السنوية في شهر أكتوبر وهي فرحة تجنب الكارثة النووية التي كادت ان تعصف بالعالم اجمع وفي نفس الوقت كانت الضوء الاخضر لأمريكا لوقف عدوانه على هذا البلد وخاصة وان الاتحاد السوفيتي وقف لحماية كوبا. عند توقفنا وتمعنا بعض من صفحات تاريخ كوبا في مواجهة التحديات الخطيرة وامام إصرار كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة لاحتواء نظامها عبر التدخلات المباشرة والغير مباشرة وجدت أمامي غزو خليج الخنازير في إبريل 1961وأزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا في أكتوبر 1962 من بين أهم هذه الأحداث والتحديات الهامة والخطيرة التي واجهتها كوبا خلال تاريخها الحديث. في أغسطس 1962 وفي أعقاب عدة عمليات فاشلة للولايات المتحدة لإسقاط النظام الكوبي (غزو خليج الخنازير وعملية النمس) شرعت حكومتا كوبا والاتحاد السوفيتي في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى (MRBMs وIRBMs) في كوبا، والتي تعطي الإمكانية من ضرب معظم أراضي الولاياتالمتحدة. بدأ هذا العمل بعد نشر صواريخ ثور IRBM في بريطانيا ضمن مشروع إميلي سنة 1958 ونشر صواريخ جوبيتر IRBM في إيطاليا وتركيا سنة 1961، حيث أصبح بهذا لدى أمريكا المقدرة على ضرب موسكو بأكثر من 100 صاروخ ذي رأس نووي. كوبا والاتحاد السوفيتي تقاسموا اللحظات الصعبة اثناء أزمة الصوريخ الكوبية ( تسمى في روسيا أزمة الكاريبي ) في أكتوبر عام 1962 والتي كادت ان تشعل فتيل الحرب العالمية الثالثة بين قطبيها الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي وكانت نتاج لاستمرارية الحرب الباردة وهي حالة الصراع والتوتر والتنافس بينهما منذ فترة منتصف الاربعينيات حتى اوائل التسعينيات تاريخ انهيار المعسكر الاشتراكي ورمزها القوي الاتحاد السوفيتي وقد تم تجاوز تلك اللحظات العصيبة من تاريخ البشرية. وقد واجهت كوبا سنوات مليئة بالمخاطر والتهديدات وخاصة محاولات الولاياتالمتحدة إجهاض ثورثها وإعادة كوبا الى الحضن الأمريكي ولكن تمكنت القيادة الكوبية بقيادة فيديل كاسترو من التعامل مع هذه المخاطر والتحديات بكل حكمة وتم اعداد الشعب الكوبي بكل فئاته لمواجهة الاسواء ولم تتوقف يوما ما سياسة العدوان الأمريكي وحصارها المستمر حتى يومنا هذا. خاضت امريكا حرب دموية رهيبة مع فيتنام احرقت فيها الاخضر واليابس و تكبدت خسائر بشرية ومادية كبيرة واليوم اصبحوا اصدقاء حيث عادت العلاقات الثنائية بينهم في عام 1995بالرغم من وجود حزب واحد يحكم هذا البلد والحال كذلك مع الصين والتي تعتبر حليف تجاري لأمريكا اما كوبا فتظل بالنسبة لأمريكا عدو استراتيجي لا يكمن لأي عقل بشري ان يبرره. امريكا التي قسمت العالم الى محوري الشر والخير هي صانعة العدو الافتراضي من اجل ابتزاز الصديق وتستخدمها كورقة ضغط وتخويف من اجل تفريغ الخزائن العربية وتسخيرها من اجل شراء الاسلحة من المصانع الامريكية وهذا ما يحصل الان. أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا دقت نواقيس الخطر في العالم وكادت ان تتحول الى بداية نشوب حرب عالمية من الصعب التكهن بعواقبها وخاصة وان أمريكا والاتحاد السوفيتي تمتلكان ترسانة نووية ضخمة قادرة على تدمير الكرة الأرضية خلال دقائق وكل دولة وجهت صواريخها صوب الأخرى والعالم حبس أنفاسه, وبعد مفاوضات شاقة تم التوصل الى اتفاق بين الأطراف وتجنب العالم اجمع من كارثة حرب حقيقية. ظلت كوبا صامدة أمام الغطرسة والعدوان الأميركي وحكمة فيديل كاسترو والذي عاصر عشرة من رؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ 1959 الى 2008 لعبت دورا محوريا في تجنب اي مواجهة عسكرية مع الأخطبوط الجار والذي لا يبعد عن كوبا سوى مسافة 145كم وهي مسافة قصيرة تفصل بين دولة صغيرة اختارت مسار نهجها السياسي وكبيرة بمبادئها ومواقفها مع الحق والعدالة في العالم وخاصة امام القضايا العربية العادلة منها القضية الفلسطينية ودولة عظمى بقوتها العسكرية ومتغطرسة حاولت ومازالت تحاول فرض إرادتها على العالم أجمع.