ثمة يمن جديد يتشكل وفق شروط المنتصر ، حيث تعيد الظاهرة الحوثية أشباح ماضي الإمامة الزيدية ، مع تأكيد الحوثيين انتماءهم الى اّل البيت، وانتسابهم الى إرث الممالك الزيدية ، التي حكمت اليمن طوال الف عام ، حتى 1962م ، حين أطاحت الإمام البدر ، ثورة تهيمن عليها شخصيات سنية … وبرغم الطابع الطائفي للحوثيين ، فانهم يقيمون شبكة من العلاقات الداخلية ، تتخطى حدود الطائفة ، بنسجهم تحالفات مع قبائل يمنية ، معادية لتكتل حاشد القبلي النافذ ، وآل الأحمر بشكل خاص . انسحاب الاخوان المسلمين من المشهد الأمني والسياسي ، هو اعتراف اخواني بتغيير موازين القوى ، بعد انهيار الفرقة العسكرية الاولى ، وهروب قائدها علي محسن الاحمر ، واستسلام معظم الوحدات العسكرية للحوثيين ، في حين وقع الإخواني عبد الوهاب الأنسي وثيقة الاستسلام "وثيقة السلم والشراكة الوطنية" كما جاءت مكتوبة من صعدة، ويؤشر هذا الانسحاب أيضا على بداية تلاشي النفوذ القطري – التركي هناك . الهواجس التركية من النفوذ الايراني في اليمن ، والصعود السريع لحركة انصار الله الحوثية ، لها ما يبررها ، فالطائفة الشيعية في تركيا ، بدأت حراكا للاستقلال عن المؤسسات الدينية السنية في تركيا ، وهي تميل بمرجعياتها المذهبية ، للتماهي مع مرجعيات ايرانية ، غير بعيدة عن ملالي الحرس الثوري ، وربما بمبادرة ودعم منه ، كما ان طهران تحد من طموحات السلطان التركي في الوصول الى باب المندب ، وتقدم نفسها بديلا عن التركي كدولة اقليمية صاعدة. التيار المدني في اليمن في طور النمو ، ويمثله الدكتور ياسين سعيد نعمان ، رجل الحزب الاشتراكي القوي ، الذي يحمل لعبد الملك الحوثي احتراما وتقديرا ، بصفته "اي الحوثي" رجل متفهم ومنفتح على باقي التيارات السياسية ، لذا من المرجح ان يدعم هذا التيار الحوثيين ، الذين يقدمون حراكهم بانه استكمال للثورة التي لم تحقق أهدافها بعد ، وعارضين الشراكة الوطنية على الجميع ، في حين ينظر الرئيس السابق علي صالح وحزب المؤتمر ، الى تطورات المشهد اليمني بحذر شديد ، وهم اذ يراقبون الحوثي المنتصر بعين الريبة ، يتطلعون الى اقتسام الكعكة اليمنية معه ، مستفيدين من التلاقي السعودي – الايراني للادارة التشاركية في صنعاء . مسؤول امريكي سابق ، خرج على شبكة (السي ان ان) يقول: "باب المندب والبحر الاحمر وأمن النفط والمحيطات ، صارت ايرانية ، ايران دولة عظمى ، والحوثيون قوة اقليمية صاعدة" ، لذا تحاول واشنطن ، التي تقف خلف الرئيس منصور ، تخفيف حجم الخسائر التي منيت بها، وربما تعمل على توظيف الحوثيين بالتفاهم مع طهرانوالرياض ، في معركتهم ضد الإرهاب ، وتحديدا في التصدي لتنامي نفوذ القاعدة في اليمن . القاهرة تتابع تحركات جماعة الحوثيين باتجاه الممر الملاحي الدولي "باب المندب" الذي يمثل لمصر بوابة أمنية جنوبية ، ويتحكم في المجرى الملاحي للبحر الأحمر ، ويرتبط مباشرة بالأمن القومي المصري ، ومصر كما صرح مصدر ديبلوماسي مصري ، لن تسمح بأي تهديد له ، أو السيطرة عليه . التصعيد السعودي الأخير ضد ايران في الملف السوري ، قابله تصعيد ايراني مماثل في الملف البحراني ، من دون تطرق الطرفين لليمن ، وربما جاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي ، بعد تسريبات حول تفاهمات امريكية – ايرانية في ملف مكافحة الارهاب ، والتخوف السعودي من تطور هذه التفاهمات لتشمل دمشق ، وربما تعبر ايضا عن الغضب السعودي من جراء تغييب الرياض عما يدور بين الايرانيين والامريكيين حول الملفات العالقة.