شكل سقوط صنعاء بأيدي أنصار الله وما تلاه من خطاب (النصر) الذي القاه السيد عبد الملك الحوثي وطالب فيه صراحة دول الجوار العربي احترام سيادة واستقلال وإرادة الشعب اليمنى . وهي إشارة ضمنية للجارة السعودية بانقضاء نفوذها في اليمن . مما دفع وزراء داخلية دول مجلس التعاون الخليجي إلى اجتماع عاجل في مدينة جدة . وفيه وصفوا أنصار الله بالجماعة الفئوية ، وأبدوا استعدادهم للتدخل لمنع تمكينهم ، بوصفهم أداة لقوة إقليمية هي إيران . أن اليمن هي ركن أساسي للأمن القومي لدول الخليج ، وهو أمر لا خلاف حوله ، وقد نبه إلى خطورة ذلك المفكر الكويتي د. عبدالله النفيسي في وقت سابق إذ وصف اليمن بأنها خاصرة دول الخليج . ولكن دول الخليج تعاملت مع هذا الواقع باستخفاف . منها تجاهلهم استيعاب اليمن مثلاً في المنظومة الاقتصادية للمنطقة وليس لمجلس التعاون بوصفه مصلحة خليجية ويمنية معاً . وقد أفاض د. عبدالعزير السقاف الخبير الاقتصادي رحمه الله في شرح ثماره حيث سيوفر للخليج سنوياً 6 مليارات دولار قابلة للتراكم وهي أموال تغادرهم ولا تعود ، وذلك من خلال تأسيس سوق لعموم الجزيرة شرط استيعاب العاملة اليمنية . وهي أموال سيتم تدويرها في داخل هذا السوق الذي سيتعدى قواه الشرائية 40 مليون نسمة . وهو الأمر الذي سيحقق طفرة اقتصادية إنتاجية وخدمية واسعة حتى لدول الخليج الصغيرة . ولكنهم أداروا ظهرهم لليمنيين . حتى المعونات التي تقدم لليمنيين في المجالات الاجتماعية كالمدارس والمستشفيات بما فيها الفرق الطبية والطرقات وغيرها أنتهي أمرها ، ولم نعد نسمعها منذ أكثر من ثلاثة عقود تقريباً . بل وامتد الأمر نحو ممارسة التضييق على اليمنيين المقيمين في بلدان الخليج بهدف إبعادهم من دون مراعاة للوضع المعيشي المأزوم الذي يعانونه في بلدهم بسبب ظلم وفساد نظام الحكم ، الذي هم شركاء في صناعته . وقد صاحب ذلك التضييف مظاهر من الأذى المادي و المعنوي ، عبرت عن ثقافة استعلاء بوصفهم شعب غني في مقابل شعب فقير . لقد كان هم الجارة السعودية هو الإمساك بخطام اليمن بأقل التكاليف من خلال الارتباط بشخوص سياسية ذات وزن قبلي نافذة لتأكيد حضورهم في صنع القرار ، وهو النهج الذي سارت عليه منذ ستينيات القرن الماضي ، إذ اتكأت عليهم في تأكيد نفوذها في مقابل ما تقدم لهم من أعطيات ومقام معنوي خاص . وعملت على تكريس واقع سياسي واجتماعي قوامه هيمنة تحالف مؤسسة القبيلة والعسكر والرأسمال الطفيلي وفقهاء السلطة من السلفيين . وهو تحالف أشاع قيم الفساد والاستبداد و البطالة والتخلف ، وحول اليمن إلى بلد متسول وتابع ، وهي شروط انتجت بتراكمها حالة ثورية عملت على تقويض النظام القديم المتصدع في بنيته الداخلية أصلاً . وبالقدر ذاته غضوا الطرف عما يجري في الجنوب من انتهاكات من قبل تلك القوى ومن دار في فلكهم ، وتجاهلوا صرخاته النضالية ومليونياته الهادرة المطالبة باستعادة دولته ، بل عمد الإعلام الخليجي على تغيبها انحيازاً لحلفائهم في صنعاء . هذا النهج السياسي المؤسس على الاستخفاف ، والثقة حد الغرور في قدرتهم على توجيه الأحداث ، والرغبة في الأخذ بقليل من العطا ، وضيق الحسابات السياسية ، وهو بالجملة فشل استخباراتي هو ما أوقع الأمن الخليجي في هذا المأزق ، بعد أن تمكن طرف إقليمي يتوجسون من مشاريعه من وضع موطئ قدم له في حديقتهم الخلفية . مأزق لم تحله معالجات مرحلة الستينيات والسبعينيات ، فتلك أدوات تجاوزها الزمن . حتى الرهان على الاصطفاف الطائفي على شاكلة العراق لم يكتب له النجاح ؛ لأسباب داخلية تاريخية ، واجتماعية ، وسياسية ، يضيق المجال للدخول في تفاصيلها. صحيح أن القاعدة قد تحضر في المشهد السياسي . ولكن لن يتحول الأمر إلى حالة طائفية مجتمعية . وقديماً قالوا يستاهل البرد من ضيع دفاه .