الحنين في عدن إلى حافلات المؤسسة العامة لايزال قويا! يتذكر محمد باسعيد أيام غابرة، قبل سنوات من اليوم حينما كان يستقل حافلة حكومية من منزله صباحا إلى مقر عمله بالمؤسسة العامة للكهرباء بالمعلا ، وبعد سنوات لازال الحنين يشده إلى الحافلة القديمة التي كانت تمرغ صباحا شوارع عدن وينتظرها الجميع ولكن منظرها غاب عن الجميع منذ سنوات خلت.
يقول باسعيد وهو يقف وسط محطة الهاشمي لحافلات الأجرة بالشيخ عثمان ويشير بيده صوب عدد منها التي تراصت بشكل رتيب وتصاعدت ألأدخنة من الكثير منها ووقف على بعد أمتار عدد من الفتية يمضغون القات ويصيحون بأصوات عالية (( معلا تواهي – عدن – عدن – خور )) :"قبل سنوات من اليوم لم يكن هذا المشهد مألوفاً ربما لو ان الشرطة شاهدتهم حينها لألقت القبض عليهم بداعي إحداث ضوضاء غير مرغوبة ، لقد افتقدنا إلى وسائل نقل عامة كالتي كانت هنا في هذه المدينة،لا ندري في عدن لماذا تم تدمير مؤسسة النقل العامة دونما أسباب معروفة!؟.
يمضي باسعيد صوب إحدى سيارات الأجرة " ويصعد إليها ويلوح بيده لتغيب به الحافلة بعيدا، فيما لازالت أصوات الفتية تنادي مجددا على ركاب جدد.
يتحدث باسعيد عن المؤسسة العامة للنقل للبري في عدن وهي المؤسسة التي كانت إلى ماقبل عقد من الزمان احد ابرز المؤسسات الفاعلة في المدينة التي شهدت حربا أهلية في العام 1994 قضت على الكثير من مؤسساتها العامة في العاصمة السابقة للبلد الاشتراكي الشيوعي أبان فترة حكم الحزب الاشتراكي.
يرتبط وجود المؤسسة سابقا بالوضع المعيشي لأهالي المدينة الساحلية حيث ان غالبية السكان هم من موظفي القطاع العام ومنتسبي الجيش والأمن وغالبا يعتمد قطاع السكان هذا على رواتب ضئيلة تقدمها لهم الحكومة .
لايملك غالبية أهالي المدينة سيارات خاصة ويعتمدون في تنقلاتهم على سيارات الأجرة التي زاد عدد الشركات التي تديرها خلال السنوات الماضية في طفرة اقتصادية اقتصرت على جزء ضئيل من السكان.
منى السعدي طالبة بالمستوى الأول بكلية الاقتصاد بجامعة عدن وتقطن بحي الفتح بالتواهي ، صباح كل يوم تضطر للتنقل بين ست محطات للأجرة ذهابا وإيابا ويكلفها ذلك 300 ريال يمني أي مايعادل دولار ونصف الدولار.
كالكثير من الدارسات في عدن تنحدر منى من أسرة فقيرة الحال فأباها عسكري متقاعد وأمها ربة منزل وغالبا لايتجاوز المرتب التقاعدي الذي يتقاضاه والدها عن ال 200 $ ، فيما هنالك إلى جانب منى عدد من الإخوة الدارسين.
على باب إحدى القاعات الدراسية تقف منى وتتحدث إلى "عدن الغد" عن أمانيها المستقبلية ، لكنها عامة تبدو محبطة فهي تشعر بخجل كبير بسبب الخسائر المالية التي تتسبب بها لأسرتها الصغيرة ، ككثيرون تتمنى لو ان هنالك مواصلات عامة تستطيع ان توصلها إلى كليتها صباحا والعودة ظهراً.
ندرك ان كل شيء في اليمن صار صعبا لكننا نحلم فقط ، تقول منى ذلك وتمضي حتى تغيب عن الأنظار.
إلى الشرق من محطة الهاشمي صباحا يجلس عبدالرحمن صالح أمام بوابة حديدية متهالكة على كرسي خشبي ويرشف كوب من الشاي وينهمك في حديث مطول مع حارس عجوز لمبنى المؤسسة العامة للنقل البري بحي عبد القوي الفقير و الذي أغلق أبوابه منذ سنوات طويلة وتحول إلى حوش يكتنز بداخله العشرات من الحافلات القديمة التابعة للمؤسسة ، وكلها تحول إلى بقايا حديد صدئ.
لايجهد صالح نفسه في التفاوض مع سائق سيارة توقفت بالقرب من باب المؤسسة وخاض الرجلان نقاش قصير انتهى بدفع صاحب السيارة مبلغ مالي عربونا لاستخدام أخر حافلتين تملكهما المؤسسة ليلا لنقل نساء مشاركات في حفل زواج.
بأسى شديد يتذكر صالح وهو سائق حافلة في المؤسسة ماضيها الذي يصفه بالعريق ويقول بحزن شديد وهو يشير إلى عشرات الحافلات بداخل المؤسسة وقد تهالكت :" مثلما ترى في العام 1993 كانت لدى المؤسسة 72 حافلة صغيرة وكبيرة وكانت تعمل بأكثر من 30 خط تشغيل بين عدن وعشرات المدن .
يصمت قليلا ويدس الأوراق المالية بجيبه ويقول:" اليوم لم يعد هنالك إلا حافلتين لاتستخدم إلا لنقل مشاركات في حفلات الأعراس بين الحين والآخر ، لقد انتهى كل شيء .
يتذكر صالح ماضيه القديم قبل سنوات حينما كان يصحو فجرا لينطلق بحافلته في رحلة صوب إحدى المحافظات المجاورة لعدن ويعود مرة أخرى إليها بعد الظهر.
يصمت برهة ثم يضيف:" كل شيء تغير كنت أصحو باكراً لكي اعمل وأقوم بنقل المسافرين ، اليوم تغير كل شيء علي ان أنام نهارا واعمل ليلاً ، كأنني عاهرة !.
لايزال الكثيرون من أهالي عدن يشدهم الحنين إلى حافلات المؤسسة العامة وهو الحنين الذي يبدو انه لايزال قويا فكثيرون يرون أنها كانت إلى جانب مجانيتها فإنها كانت تعطي المدينة لمسة حضارية دمرتها عشوائية الحافلات الخاصة اليوم وسيارات الأجرة الصغيرة.
يرى كثيرون ان الحكومة أهملت هذه المؤسسة العريقة وتحولت من اكبر المؤسسات الفاعلة في عدن إلى اضعف مؤسسة واليوم تتكبد الميزانية العامة للدولة ملايين الريالات كرواتب لعمالها الذين تحولوا إلى العمل في مؤسسات نقل ركاب خاصة ويتقاضون مرتبات دونما أي عمل يقومون به لصالح الدولة.
وقبل سنوات حذر كثيرون من ان هذه المؤسسة كانت ضحية تحالف قوى تجارية خاصة بهدف تدميرها وهو ما استطاعوا تنفيذه لاحقا ، طالب كثيرون بمحاسبة المسئولين عما آلت إليه أوضاع هذه المؤسسة إلا ان احد ما لم يحرك ساكنا.
من مروة عادل ومحمد عبد الكريم ل عدن الغد المزيد حضر وزير النقل المهندس بدر محمد باسلمة اللقاء التشاوري بين وزارة النقل والقطاع الخاص والذي نظمته الغرفة التجارية والصناعية بعدن أول أمس تحت شعار ((شركاء في تحمل المسؤولية الوطنية من أجل التنمية الاقتصادية)) والذي كرس لمناقشة أهم القضايا والتحديات والعقبات الي تواجه النشاط الاقتصادي . ووجه وزير النقل بسرعة تشكيل مجلس أمناء بالشراكة مع القطاع الخاص في كل من مؤسسة موانئ خليج عدن وميناءي المعلا والمنطقة الحرة. بغرض إشراك القطاع الخاص في المساهمة بطرح الحلول لمختلف الإشكاليات التي تواجه سير العمل في تلك المرافق . وحث الوزير باسلمة في كلمته باللقاء التشاوري قيادة مطار عدن ومؤسسة موانئ خليج عدن ومؤسسة النقل البري علي سرعة إعداد خطط تطوير عمل ومصفوفة مزمنة تشمل كافة الإشكاليات والصعوبات والعراقيل وكذا المطالب الملحة من ضرورة توفير مشاريع بني تحتية ووضع المقترحات بالحلول والمعالجات وذلك في مدة أقصاها اسبوع من الأن ليتسني طرحها علي مجلس الوزراء ومتابعة اعتمادها لانتشال الوضع المتردي في العمل بتلك المنافذ التي تعد واجهة المدينة بل الوطن بشكل عام .وأضاف بأنة ان الأوان لأيد خل القطاع كشريك فاعل في تنشيط مرافق النقل البري والبحري والجوي وإعطائها كامل الا ستقلالية لإدارة شؤونها دون الرجوع إلي المركز. مشيرا إلي الوضع الكارثي الذي يعانيه مطار وميناء عدن خصوصا ميناء المعلا المتوقف عن العمل .الأمر الذي أدي إلي تحول شركات النقل البحري للتعامل مع الموانئ المجاورة .من جانبه طالب محمد عمر بامشموس رئيس الغرفة التجارية والصناعية بعدن بضرورة الأهتمام بميناء عدن وتطوير خدماته الملاحية وإزالة كافة العقبات والعراقيل التي جمدت نشاط الميناء .ومن ذلكتخفيض الرسوم المفروضة علي الحاويات ورسوم المناولات والجمارك وغيرها. التنافسي لنشاط الميناء وتمديد فترة السماح المجانية للحاويات اسوةبالموانئ المجاورة. وإلغاء احتكار نقل البضائع والحاويات من الميناء. مشيراغلي تردي الأوضاع العامة في اليمن وانعكاسها علي ارتفاع اسعارالسلع وأجور النقل وهو ما شكل تهديدأ حقيقيأ للأمن الغذائي .والذي تمثل السلع والمواد الغذائية المستوردة مانسبتة 95% من احتياجات المواطن اليومية. هذا وقدأثراللقاء بالمناقشات المستفيضة والمقترحات المتنوعة من قبل المشاركين من رجال المال والاعمال والقائمين عل المؤسسات والمرافق الخدمية المتعلقة بالنقل البري والبحري والجوي . ومن جهة ثانية ترأس وزير النقل صباح يوم امس اجتماعأ لقيادة وموظفي المؤسسة المحلية للنقل البري بعدن وأكد المهندس بدر باسلمة أن هناك مشروع قرار سيقدم إلي مجلس الوزراء بشأن معالجة اوضاع المؤسسة المحلية للنقل البري بمحافظات صنعاءوعدن والمكلا .. وقال وزير النقل (إن هذا القراريتضمن عددأ من الضوابط والمعالجات لأوضاع هذة المؤسسات خلال فترة زمنية محددة وتحويلها تدريجيأ الي السلطات المحلية بالمحافظات الثلاث . *من زكي اليوسفي