التقارب بين حركة "أنصار الله"، بزعامة عبد الملك الحوثي، وحزب "التجمع اليمني للإصلاح" المحسوب على جماعة "الإخوان المسلمين" في اليمن، خلط أوراق التحالفات الحزبية بامتداداتها القبلية والمذهبية اليمنية، والخريطة الحزبية مقبلة على المزيد من عمليات الخلط وبناء تحالفات لم تكن ممكنة في الماضي القريب، لكنها فرضت نفسها اليوم على ضوء التوزيع الجديد للقوى، بصعود قوة حركة الحوثيين وسيطرتها على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة من محافظات الوسط والغرب، في أيلول/ سبتمبر الماضي، واحتدام صراعات النفوذ المناطقية وتراجع سلطة الدولة المركزية، وتعثر تنفيذ اتفاق "السلم والشراكة" وملحقه الأمني الخاص، الذي وقَّعت عليه كل الأطراف مع الرئيس عبد ربه منصور هادي. الخطوة فاجأت غالبية المحللين والمراقبين السياسيين المتابعين للشأن اليمني، على الأقل في توقيتها والسرعة التي أنجزت بها والإعلان عنها، بما هو معروف من تناقضات إيديولوجية بين الجانبين، ومن تضارب في مصالحهما، وتاريخ العلاقة بينهما بامتداداتها المذهبية والإقليمية، واقتحام الحوثيين لمقرات ومؤسسات الحزب ومنازل بعض قادته في العاصمة، بيْد أن إقدام الحوثيين و"التجمع اليمني للإصلاح" على التقارب تمليه مصالح متبادلة في المرحلة الراهنة، وربما تؤسس لشراكة مستقبلية من الصعب التكهن بنجاحها أو فشلها أو نسبة التقاطعات فيها على المستوى الاستراتيجي، ومدى انعكاسها على باقي أطراف المصالحة الوطنية، وفرص حصولها على مظلة دعم إقليمية إيرانية - خليجية. في التقييم الأولي، يرى بعض المحللين السياسيين والخبراء الحزبيين اليمنيين أن ما جرى يندرج في تقاسم مصالح في خانة ضيقة، برعاية إيرانية حثيثة شجعت على تقارب الجانبين، لنزع فتيل التوتر والعمل على فتح صفحة جديدة بينهما. وباعتقاد أولئك المحللين والخبراء لعب العداء المشترك ل"تنظيم القاعدة"، والصراع معه، عاملاً محفزاً للتقارب، إلا أن ملفات صعبة ومعقدة بانتظار المعالجة في التفاوض بشأن اتفاق يضبط العلاقة التحالفية، أو في الحد الأدنى التفاهمات السياسية، بين "أنصار الله" و"التجمع الوطني للإصلاح"، ويمتلك القدرة على توسيع إطار التحالف والتفاهم ليشمل قوى سياسية وحزبية رئيسية أخرى، تحت سقف اتفاق "السلم والشراكة"، بما تضمنه من مخرجات للحوار الوطني الشامل. وبالغوص قليلاً في خلفية المشهد، يؤكد محللون وخبراء سياسيون وعسكريون يمنيون أن الحوثيين وصلوا إلى أقصى ما يستطيعون الوصول إليه بتوظيف قوتهم العسكرية، وتوسعهم أكثر سيدخلهم في مغامرات عسكرية غير محسوبة، وتنذر بتحول الصراع إلى صراع طائفي- مذهبي- قبلي، سيضطر فيه مسلحو الحركة الحوثية للقتال في مناطق ذات أغلبية طائفية ومذهبية وقبلية مناوئة، ويحظى فيها حزب "التجمع الوطني للإصلاح" بنفوذ تقليدي واسع، كما تنشط فيها مجموعات مسلحة تابعة ل"تنظيم القاعدة". بينما يعطي الاتفاق، مع حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، للحوثيين مكانة سياسية هي الأهم منذ ستينيات القرن الماضي، يمكن لهم من خلالها إزاحة حزب "المؤتمر الشعبي"، برئاسة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، من مرتبة الحزب الأكبر في البلاد، ولذلك لن يكون الاتفاق محل ارتياح لدى حزب "المؤتمر"، رغم إصداره بيان ترحيب، ولا لدى العديد من الأحزاب والقوى الأخرى، وخاصة مكونات "الحراك الجنوبي" وأحزاب "اللقاء المشترك". وفي خلفية المشهد أيضاً المحددات الجيوسياسية الإقليمية التي تنظم خيارات الجانبين وإمكانياتهما المتاحة، ومنها الخشية الإيرانية من اندلاع حرب مذهبية في اليمن، وتردي العلاقة بين "الإخوان المسلمين" وحكومتي المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة، وخشية الجميع من تحول الصراع الداخلي اليمني إلى صراع إقليمي متدحرج، تتورط فيه إيران ودول الخليج العربية، ويصب الزيت على نار الأزمتين السورية والعراقية، ويفاقم من توتر العلاقات في لبنان بين السنة والشيعة. وإذا كان من الحنكة السياسية، كما رأى البعض، أن يتفاهم قادة الحوثيين ونظرائهم في حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وأن توضع الخلافات الإيديولوجية - المذهبية جانباً كمصلحة مشتركة، إلا أن نجاح التفاهم بين الجانبين، ومنع انزلاقه في دوامة من الاستقطاب والاحتراب، في مواجهة القوى السياسية والحزبية الأخرى، رهن بالاتفاق الشامل، وإبقاء الباب مفتوحاً لتوسيع إطاره على قاعدة اتفاق "السلم والشراكة"، واحترام مخرجات الحوار الوطني، واستعادة مؤسسات الدولة لدورها وهيبتها والحفاظ على وحدة اليمن. وإلى أن يتحقق ذلك ستبقى التحالفات الحزبية اليمنية في رمال متحركة.