الحراك الجنوبي السلمي بدأ سلمياً منذ انطلاقته الأولى في 2006م من جمعية ردفان الاجتماعية الخيرية بعدن بتدشين ملتقيات التصالح والتسامح. وحرياً بنا اليوم إن نطرح التساؤل المشروع عن مدى نجاح الحراك في تجسيد قيم التصالح والتسامح والتضامن مع الآخر "المختلف" على إن تلك هي الحكمة من الدعوة ذاتها؟ لكلأ منا تساؤل ولكن في تقديري أن التساؤل أعلاه يحظى بأولوية هامة، وعلينا البحث الجاد والمسؤول عن إجابة عنه بمصداقية وواقعية بعيداً عن الشطط، وثقافة الإقصاء وكيل الاتهامات وسهام الشك والتخوين، والتي بسببها وجدنا أنفسنا غير قادرين على مغادرة دائرة التسابق على الزعامة والبحث عن " الذات" وعن موطئ قدم هنا او هناك، في هذه الهيئة او هذا التكوين، وكلها في النهاية عملية تكرس لمرحلة غير مؤسسية غاب عنها التنظيم ومنهجية من الأدنى إلى الأعلى!!.
علينا أن نفتح قلوبنا وعقولنا - العقل الذي يصفه الفيلسوف الفرنسي "مونتسكيو" بأنه أنبل وأكمل وأبدع حاسة يملكها الإنسان- للرأي الآخر المختلف وان نتحمل النقد الهادف إلى تقويم الاعوجاج وإصلاح الأمور وان نتعوّد على تقبل مثل هذا الأمر حتى وان أتى من أوساطنا ومن دواخلنا قبل أن نصل إلى مرحلة جلد الذات والتي نحن في غنى عنها منطلقين من "صديقك من صدقك"!!. التصالح والتسامح لا يعني إن تحل مكان الآخر وتفكر نيابة عنه، او تمارس وصاية من أي نوع وتحت أي مسمى، كما هي الدعوات التي يطلقها البعض مطالباً الاشتراكيين بالتخلي عن انتماءهم ومنهجهم وهويتهم وتاريخهم وهم الذين يتواجدون في عمق الحراك الجنوبي بوطنية صادقة وبإحساس عظيم بالمسؤولية.عليكم أن تستخدموا عقولكم، وان لا تتركوها للزينة فقط، فالأديب النوبلي نجيب محفوظ يقول" العقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة، حتى ولو لم يؤمن بها".
أعوام مضت من عمر الحراك الجنوبي، ونحن مازلنا عاجزين عن إيجاد حامل سياسي للقضية وقيادة واضحة المعالم والاتجاهات، لقد انشغلنا بخلافاتنا وهيئاتنا وتكويناتنا أكثر من انشغالنا بضوابط العمل النضالي واحتياجاته والأدوات التي نستطيع من خلالها مخاطبة العالم لطرح قضيتنا بشفافية ووضوح و بصوت واحد مجمع عليه بدلاً من تشتت الجهود وعدم استثمار الفرص المتاحة أمامنا. أعوام مضت، تجاذبتنا فيها الشعارات، والوعود التي نفشل في كل مرة عن الوفاء بها، لانجيد الا رفض العمل السياسي. أعوام مضت وقد تحقق فيها الشيء الكثير لقضية الجنوب على مستوى الفعاليات والاغتيالات والاعتقالات والمحاكمات، لكن ينقصنا الكثير على مستوى الفعل السياسي وتوحيد الرؤى والجهود والعمل الفاعل لإيجاد حامل سياسي واحد للقضية يختصر المسافات التي أحدثها التشتت و"الشتات"!!. مؤسف جداً إن هناك من يعمل على إفراغ الحراك من الساسة والمثقفين وأصحاب التجربة بهدف الإبقاء على "الغوغائية" حتى يستطيع تمرير أهدافه، كما أن ذلك لا يعطي للساسة والمثقفين الحق في العزوف عن ممارسة الدور المنوط بهم تجاه الأحداث الدائرة ورغبات البعض والتي لو ترك لها الأمر لكان ضررها اكبر من نفعها!!. للأسف الشديد ايضاً انه حتى الشباب والطلاب الذين تقع على عواتقهم مسئولية تاريخية أمام قضية الجنوب قد ظهر من بينهم من يحاول صناعة "ذات" على حساب قيم سامية وأهداف نبيلة منتهجاً عقلية للتفكير لا تتماشى مع أبجديات القضية ولا تستقيم مع حجم التضحيات التي قدمها شباب الجنوب منذ الانطلاقة الأولى للحراك!!. الجميع بات اليوم معني بتقديم النصح وتقويم الاعوجاج وعدم الركون إلى انهزامية الطرح القائل بعلينا ألا ننشر غسيلنا لان مؤدا ذلك إلى خلق تراكمية من الأخطاء التي ستصبح مستقبلاً عادة يستحيل التخلي عنها و ستودي بالجميع إلى مهاوي الردى!!. المرحلة تتطلب تقييم جاد للأعوام التي مضت من عمر الحراك ليس على مستوى عدد الفعاليات وحجم المشاركة وإنما اتجاه التفكير السياسي ومخرجاته. ليس عيباً الوقوف على الخطأ ومحاولة تصحيحه، إنما العيب الأكبر يبقى في السير على طريق مليء بالأخطاء والتجاوزات ومحاولة إنكار وجود أخطاء خلال تجربة الحراك.