مالا يجرؤ الكثير على البوح به هذه الايام رغم خطورته ان اليمن تخوض مرغمة منذ مدة غمار بطولة عجيبة غريبة على التاريخ السياسي والانساني يمكن ان نطلق عليها جدلا مسمى بطولة "تفكيك الدولة اليمنية " وهي بطولة تقام حاليا وتدار على اعلى المستويات ، لا مكان فيها للعشوائية واتاحة الفرص كما قد يظن البعض لكنها اتخذت اقصى درجات الصرامة في إجبار القوى السياسية الفاعلة وغير الفاعلة في الانخراط والمشاركة في إنجاح المخطط ، ومن حاول التخلف والمراوغة فإن مصيره الانتحار السياسي والتشويه والتلاشي وهذا ماهو حاصل الآن فجميع اطراف العمل السياسي دون استثناء خوفا من الوقوع في دائرة المغضوب عليهم تثابر من وراء ستار على انجاز الدور المنوط بها في مسيرة التفكيك الآثمة التي تجري على قدم وساق على مرأى ومسمع من خلق الله دون خجل او وجل ولم نلاحظ بالمقابل اي ردود فعل مناهضة شعبية كانت او رسمية رغم توالي الاعمال التخريبية التي تقوض اركان الدولة وتعاضدها مع الافعال الخيانة الصريحة التي ضربت الحكومة في مقتل وقاربت بنية الدولة تحت قصفها العنيف المستمر والمركز على ان تسوّى بالأرض ، هذا إن لم تكن قد سويت تماما بالأرض واصبحت قاعا صفصفا لاعوج فيها ولا امتا . البطولة الآن في ادوارها النهائية بعد التصفيات التمهيدية التي حصرت فرق سياسية في زاوية ضيقة واظهرت اخرى في مسرح الاحداث على حساب خصومها التقليديين ، وهاهم من يعدون انفسهم ابطالا للتفكيك يفركون ايديهم استعدادا لنيل مكافآتهم الرخيصة على ما اقترفوا من ادوار لنحر الدولة وسفك مواردها الطبيعية على رمال وصحراء مأرب وحرمان الخزينة العامة من مليارات الدولارات على مدى سنوات آخرها خسارة اليمن 660 مليون دولار خلال 9 أشهر نتيجة الاعتداءات على انابيب النفط وتوقف التصدير . لا تستغربوا إذا خلعنا على هذا السيناريو صفة البطولة وعلى المشاركين فيه ابطالا ، فما في اليد حيلة فحتى الدمار والخراب اصبح فعلا بطوليا يتطلب شخصيات معينة ليست ككل الشخصيات لها قدرة فائقة على ابتلاع كرامتها وتؤمن ايمانا عميقا بقواعد " اللعب غير الشريف " التي لم تكتف بتحييد الجيش عن مواجهة كل ما يهدد كيان الدولة واستقرار البلد بل تجاوز ذلك الى نزع انيابه ومخالبة وتجريده تماما من اسلحته الثقيلة والاستراتيجية بأساليب فجة ووقحة افسحت المجال امام المغامرين للتحكم بمؤسسات الدولة وتوجيه سياساتها العامة وهم - اي المغامرون - في طور بذر نواة دولة داخل دولة ويتهياؤون في الوقت الحاضر على الاقل على تحقيق معجزة "جمع سيفين في غمد " وهو مالم يحصل من قبل ، علما بأن محاولات الجمع بين السيفين لا تجري إلا في محافظات الشمال اليمني اما اخواتها في الجنوب فإن الامر مستتب وبركات الدولة حاضرة في المؤسسات والمصالح الحكومية هناك بلا منغصات او تدخلات تعوق نشاطاتها ومهامها ، ومع ذلك لا نستغرب وجود وضع سياسي وامني واقتصادي جنوبي مغاير بالكلية للوضع المزري في الشمال رغم واحدية النظام السياسي الحاكم لأننا على ادراك تام بأن شروط بطولة التفكيك تقتضي هذا التباين الحاد بين الوضعين الذي يثير علامات استفهام كبيرة ليس هذا مكان مناقشتها وبحثها غير ان ما يساور ذهن الرأي العام في المرحلة الراهنة سؤال موجع جدا هو : هل اقترب موعد حفل اختتام البطولة وفصولها المأساوية ومن هم ابطالها التاريخيين الذين يتطلع الشعب الى التعرف اليهم ووضع اكاليل العار والشنار على اعناقهم الى ابد الآبدين ...!