شكل القائد الميداني الشهيد خالد الجنيدي محور الرحى في حركة الثورة الشعبية السلمية للجنوب منذ انطلاقتها، من حيث الروح الوثابة التي كانت بين جنبيه والتي فجرها إلى طاقة فعل هائلة ضد المحتل، كأحد أبرز النشطاء والقيادات الشابة في محافظة عدن منذُ اندلاع الاحتجاجات في الجنوب عام 2007م، وكان ثائراً جسوراً وعنصراً مؤثراً في مسيرة الحراك السلمية. عرفت الشهيد خالد الجنيدي أخاً كريما وصديقاً عزيزاً ورجلاً خلوقاً، طيب المعشر وحسن المخبر، ذكي متقد بالنشاط والحيوية والحماس، مناضل شجاعا وأسداً جسورا شامخا لا يستهان به، يعشق الحياة في عز عذابة ويقدم وطنه عن كل شيء يخصه، وكرد فعل على هذا الجهد الكبير الذي يبذله هذا القائد الميداني الشجاع, وفى محاولة لقطع الطريق عليه من مواصلة نضاله وجهده، تعرض للكثير من المضايقات والملاحقات ومداهمة منزلة واعتقاله أكثر من سبع مرات قضى معظم سنواته الخمس الاخيرة في غياهب السجون والمعتقلات وتعرض لأصناف القهر والتعذيب، لكن روحه الوثابة لم يؤثر فيها القيد ولم يحد من طاقاتها الهائلة المخزونة بين جوانحها، تحركها طاقة ايجابية هائلة بضرورة تغيير هذا الواقع والخروج من بين الركام ووجوب التصدي للاحتلال رغم قلة الإمكانات، سُجن في المرة الاخيرة أكثر من شهرين وحين تم اطلق سراحهما هو ورفيق دربه المناضل انور اسماعيل يوم 15 نوفمبر العام المنصرم، أي قبل اسبوعين من استشهاده توجه مباشرة الى ساحة الاعتصام بخور مكسر ليعلن مواصلة مسيرته النضالية، فلم تكن الأيام القاسية والليالي الحالكة تفت في عضده بل زادته قوة وبأساً وطمأنينة وعزماً ومضى لمواصلة طريق الحق ونيل الحرية في مواصلة نضاله، وساهم بدور كبير في اشعال الثورة وزيادة زخم الفعل الجماهيري. الصديق العزيز الشهيد م/ خالد محمود محسن صالح الجنيدي (ابو محمد) من مواليد 1972 – عدن متزوج وله ولد وأبنتين، تخرج من كلية الهندسة جامعة عدن مهندس أول – Senior Engineer – تخصص في الأجهزة والمعدات الطبية، وحاصل على دورة متقدمة في دولة المانيا، يجيد اللغتين العربية والانجليزية كتابتاً ونطقا، ينحدر من أسرة كريمة تنسب لآل بيت رسول الله صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وترجع في أصولها إلى منطقة يافع مديرية لبعوس قرية (ذي صرأ) حاضرة مكتب الظبي م/ لحج، هذه البيئة التي أكسبته الصلابة والبساطة والقوة والحزم، وكذلك أمُّه حورية عبداللاه تنحدر من أسرة عريقة وأصيلة فهي ابنة الشيخ عبداللاه بن عمر مثنى بن عاطف جابر، أحد أشهر وابرز مشايخ آل بن عاطف جابر مشايخ الظبي في الفترة ما بين 1940-، 1967م. لقد كان يدرك الشهيد خالد الجنيدي تماما أن الصراع مع هذا الوحش الضاري قد يؤدي إلى الموت لكنه أيضاً كان يدرك أن الوطن بحاجة إلى رجال ينتصرون للحق ويستشهدون في سبيله، فاستمر بهذا الحجم من المبادرة والنشاط والسبق حتى نال الشهادة يوم الاثنين 15 ديسمبر 2014م، استشهد رحمه الله كما يستشهد الفرسان، ذهب إلى موته بشجاعة، وجاؤوا إليه بخسة ونذالة، بعد ان اقدمت اطقم الأمن المركزي بمطاردته في كريتر مديرية صيرة وأطلاق النار عليه واصابته في مقتل امام مرئا الجميع وتم انزاله من سيارته بطريقة همجية ووحشية واخذه في طقم عسكري ورميه امام بوابة مستشفى الجمهورية ولاذوا بالفرار. هز خبر اغتيال الشهيد الجنيدي وجدان الجنوب عامة وعدن خاصة وعاشت يوم اسود وكئيب خيم الحزن عليها وشهدت كريتر وساحة الاعتصام غضب شعبي واستياء عارم وعم الحزن كل مدن الجنوب وخرجت بمسيرات شعبية حاشدة منددة بجريمة اغتيال وتصفية احد ابرز قادتها الشجعان، وادانت واستنكرت هذا الجريمة الشنعاء الكثير من المنظمات الحقوقية ونشطاء منظمات المجتمع المدني ومكونات الثورة الجنوبية محملة السلطات اليمنية مسئولية هذه الجريمة النكراء والبشعة ومتهمين قوات الامن المركزي بارتكاب واقعة الاغتيال المتعمد والمباشر كما أكدها تقرير الطب الشرعي الذي اثبت واقعة الاغتيال عن قرب . يعد رحيل خالد الجنيدي خسارة كبيرة للجنوب في هذه مثل هذا الظرف الصعب والمرحلة الحساسة والدقيقة التي نمر بها، فهو لم يكن مجرد قائد محنك، بل تعدى حدود القيادة ليكون أخًا وزميلاً لكل ثوار الساحة الجنوبية، وعُرف عنه نزاهة النفس، وصدق النية وحب الجنوب، قدم للثورة الجنوبية الكثير من وقته وماله وصحته قبل ان يقدم روحه في سبيل الحرية والاستقلال، وهكذا يرسم العظام طريق المجد ويمهدون طريق العودة ويجعلون من جماجمهم سلماً ترتقي الأمة من خلاله لتصل إلى العلو السامق والمجد الرفيع. نسأل الله له المغفرة والرحمة والجنة ولا نامت أعين الجبناء.