يود الكاتب أو الباحث أن يكتب عن الآمال الطيبة و التوقعات الخيرة المسعدة التي يتوقع أو يؤمل أن يراها الوطن في الأيام القادمة . . و لكن ما نشهده من تواصل أزمات مفجعة ، سواء أزمات سياسية و أمنية كبيرة ، أو إنفلاش اقتصادي و مالي مروع ، أو تردي مستوى معيشة المواطن ، و غيرها . لا يترك مجالا سوى للحديث عن الحد من تدهور الأوضاع أكثر عن طريق الوقاية من الأخطار المتوقعة . فبدون ذلك سنظل نعيش الأزمات المتواصلة و سنراها تتفجر في كل حين . . لذا نكاد نكون مضطرين في قيامنا بهذا البحث عن الأخطار المحدقة ببلادنا و التي وصلت إلى مستوى مقلق جدا لكثير من المواطنين لأنها تمس سلبا حياتهم و معيشتهم و عملهم ، و معنوياتهم و تطلعاتهم نحو حياة مستقرة و أفضل . إذا ما أردنا الخروج من دوامة الصراعات السياسية الصادمة لمجرى الحياة و التخلص من الأزمات المتكررة الحدوث بألم . فإن علينا أن نبدأ بتشخيص المخاطر الناشبة كضرورة باعتباره عمل ملح لا يمكن الهروب منه . و أثناء تحديدها و تشخيصها يجب أخذ مسألة هامة جدا بعين الاعتبار و هي أن محاولة فهم المخاطر المتوقعة يقرب بين رؤى القوى السياسية المتصارعة باتجاه الحلول ، و يساعد في اتخاذ القرارات الصائبة ، و ليس العكس . إن الوقاية من المخاطر بتشخيصها أسلوب متبع عالميا . و الجدير بالإشارة – هنا- أن الكثير من الكتاب و الباحثين و الصحفيين يكتبون عن توقعاتهم المستقبلية بصورة مقتضبة . و الشكل الآخر هو طريقة الاستبيان و ما وجدناه جديا منه هو استبيان قامت به "إذاعة هولندا العالمية " و نشر في الأول من نوفمبر 2014م. ، و الشكل الثالث هو التقارير كمجموعة التقارير الدورية التي تصدرها " منظمة الأزمات الدولية " عن اليمن . . و الأعمال المذكورة المتنوعة تنبه إلى المخاطر كعملية ضرورية لتشخيص المرض من أجل تعيين العلاج . كما أن أية عملية تشخيص هي عملية علمية قابلة لتعديل كل خطر متوقع بِشأن مستويات احتمالات جديته و قياس توقعات حدوثه . إذ أن كل منها مثار للنقاش و الحوار و التعديل وفقا للمعايير العلمية و الحقائق و الأوضاع المستجدة . . و يظل الهدف الأسمى دوما من تشخيص الأخطار و تحديدها الوقاية منها ، و العمل على تفاديها أو الحد من مستوى ضرر حدوثها ما بدأت بالحدوث فعلا . و تأسيسا على ما ورد أعلاه ، نساهم بهذا البحث / الدراسة الذي خلص إلى أن أكبر المخاطر العامة التي تحدق باليمن الآن ، هي إثنى عشر اتجاها ، على النحو التالي : - 1 - خطر بقاء مكونات الأزمة العامة اليمنية : يعيش اليمن أزمة عامة بتواصل منذ عام 1993م. أحيانا يعترف بها ، و أحيانا يحاول نظام السلطة تحسين وجهه بنكران وجودها ، كما أن هذه الأزمة نفسها تشتد أو تخبو من حين إلى آخر . فلقد كانت مكونات الأزمة العامة تتشكل و تنمو مع مرور كل عام . و نقصد بذلك جملة من العوامل السلبية ، السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الحاكمية التي تولد مجتمعة وضعا صعبا متأزما يؤدي قسرا إلى نقطة ملحة للتغيير كحتمية موضوعية لا بد منها تفرض التحول في الواقع السائد منذ مدة إلى واقع سياسي جديد . و هذه الأزمة بدأت بالتجلي بوصولها إلى الذروة في اليمن خلال الفترة : 2010 – 2014م. مؤدية إلى تحول سياسي عميق في فبراير عام : 2012م. و نشؤ نظام انتقالي ما بين النظام السابق و النظام الجديد المأمول . و حتى عام 2014م. لم يستطع النظام الانتقالي وقف نمو مكونات الأزمة العامة في البلاد مما أدى إلى ظهور قوة سياسية و عسكرية جديدة تمكنت من السيطرة الأمنية على العاصمة و عدد من المحافظاتاليمنية الأخرى نظرا لاستعدادها المسبق لهذه المهمة التاريخية التي جاءت كمحصلة و نتاج للآزمة العامة اليمنية الطويلة الأمد ، و ليس لأسباب جزئية صغيرة . . هكذا جاءت ثورة : 21 سبتمبر 2014م. و الذي كثرت التحليلات الجانبية عن أسباب انتصارها و لم يصب في لب الموضوع منها سوى القليل . . ما حدث ذلك اليوم و بعده لم يكن مفاجأة ، أو عمل خارقا ، و إنما كان نتيجة متوقعة في بيئة أزمة يمنية عامة متراكمة الأمراض و لمدة زمنية طويلة . بعيدا عن التخوفات و الشكوك المتوقعين لدى البعض ، و في نسق تدوين التاريخ الراهن ، فإن ثورة : 21 سبتمبر 2014م. إذا ما سارت في المسار الصحيح ، ثورة شعبية تقدمية تجسد تواصل المد الجماهيري لإزالة واقع الأزمة العامة التي واجهتها و تواجهها الدولة اليمنية ، و نحو الأفضل . و الأفضل هنا هو : هل سيتمكن كل من الدولة و القوى السياسية الفاعلة و تنظيم "أنصار الله " من إزالة مكونات الأزمة العامة التي ما زالت تسحب نفسها ؟ و ما مدى فعالية إسهام القوى الجديدة في السلطة في ذلك ؟ . . ما زال الجواب على السؤالين مبكرا ، على الأقل نحتاج إلى أربعة أشهر أخرى حتى نحصل على إجابة واضحة . . و من أجل توضيح ما نعنيه بمكونات الأزمة العامة ، فإن هناك إحدى عشر سببا أفرزتها الأزمة العامة في البلد و أدت إلى نجاح ثورة 21 سبتمبر 2014م. و سيطرت الحوثيين " أنصار الله " . و هذه عناوينها ( بدون ترتيب ) : التعارضات الحادة في عدد من نتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل التي أثرت و تؤثر على محاولات النظام الانتقالي لتوحيد مجمل القوى السياسية – تراخي و تداعي بنيات القوى و التنظيمات و الأحزاب السياسية الرئيسة – تزايد الفساد و هيمنته على كل الأنشطة الاقتصادية و الادارية و السياسية – التدهور في اقتصاد الدولة المركزي و تفليسه – حيرة و تخبط الاشراف و الدعم الدولي و الاقليمي – بقاء مراكز النفوذ التقليدية و تداخل النظامين السابق و الانتقالي - فشل النموذج الجنوبي القيادي في تقوية السلطة العليا و تحسينها – ميوعة تماسك المؤسسات الأمنية و العسكرية – ضعف تأثير الحراك السلمي الجنوبي على السلطة المركزية – عدم حدوث تغيير عادل في الشبكة المختلة لتوزيع الثروة و قواها المسيطرة – تدني نوعية القيادات و القيادة في الدولة . و لا يتسع المجال – هنا – لسرد كيفية فعل كل مكون من المكونات المذكورة و انعكاسه فيما حدث من أحداث و وقائع في الربع الأخير من عام 2014م . و يمكن ذلك في مقال آخر . . و إجمالا لا بد من القول أنه إذا لم يتم التخلص من مجسدات مكونات الآزمة العامة اليمنية السابقة و إضعاف فعلها بمستوى فاعل ، فإن الأرضية لنشوب أزمات أخرى معقدة تظل قائمة . - 2 - الصراع على السلطة : حاليا ، و برغم إمساك " تنظيم أنصار الله " بمقاليد أمور الحكم . و برغم الأزمة الجديدة الحالية التي بدأت يوم : 19 - 22 يناير 2015م. باستيلاء " جماعة أنصار الله " على دار الرئاسة و تقديم رئيس الجمهورية لاستقالته لتدخل البلد أزمة دستورية و سياسية بشأن قيادة الدولة و شكلها الرئاسي . برغم كل ذلك لا توجد قوة سياسية مهيمنة على السلطة لأن مداميكها و توازناتها و آلياتها الجديدة لم تستقر بعد . لقد تعودت الأحزاب و القوى السياسية اليمنية على التعامل مع السلطة و كأنها هي " قطيع أسماك إذا اخرجته من بحر السلطة مات ( أو مرض ) " و هذه تغذية للصراع على السلطة قادما ( 1 ) . و المشكلة الأخرى المغذية للصراع على السلطة هي التحالفات الأنية المتسمة بسرعة تنوع التذبذبات التحالفية السياسية بين القوى و الأحزاب و ألاعيبها و عدم ثبوتها مما يسبب اضطرابات في أركان الحكم ( 2 ) . و تظل موضوعة خلق حالة وحدة وطنية تجاه الحكم مرهونة بسؤ أو متانة أشكال و مؤسسات الحوار بين مختلف القوى الوطنية ، خذ ، مثلا ، عدم وجود تقاسيم بينة للسلطة و المعارضة و بينهما في البلد ( 3 ) . . كل هذا يولد احتمالات بقاء باب الصراع على السلطة مفتوحا ، خاصة إذا ما رأينا التصدعات التي تزداد عمقا في بنى الأحزاب و القوى السياسية الرئيسة ( 4 ) ، فحزب المؤتمر الشعبي العام ( حزب النظام السابق / الانتقالي ) يتفاعل فيه انشقاق حول كيفية العودة إلى السلطة و التعامل مع الوضع الراهن . و بما يشير – أيضا - إلى إمكانية انقسام بقية القوى و الأحزاب السياسية اليمنية مثله ، بحسب موقفها من القضايا الهامة ، أو إلى شمالية و جنوبية . و حزب الإصلاح حدثت فيه تصدعات بنيوية عامة قوية و أنفصل عنه جناحه الجنوبي تقريبا . و حزب أنصار الله يعاني من عدم القدرة على الإمساك بدفة الحكم مباشرة لوحده ، كما يشكو من قصر التجربة في حين يواجه تحدي مطلب توسيع قاعدته إلى مناطق البلاد جميعها بدلا من انحصاره على محافظات محدودة بعينها و غلبة هوية مذهب لدى معظم أعضاءه . . و تعاني بقية الأحزاب و القوى السياسية من تصدعات مماثلة ، أو أخرى متنوعة . الصراع على السلطة محتدم الأن في اليمن و يتخذ أشكالا متعددة . فبالإضافة إلى العوامل الأربعة السابقة التوضيح بالرقم هناك أشكال أخرى له جاءت بفعل التغيرات و المستجدات الأخيرة منها ما هو متعلق بتزاوج و ازدواج بين السلطة الرسمية و سلطة "أنصار الله " الميدانية النافذة ( 5 ) ، و ما هو متعلق بالصراع مناطقيا بين مجموعة من كتل مناطق النفوذ القديمة و السابقة و الجديدة ( 6 ) . و كذا بفعل الاختلاف بشأن التوجهات المستقبلية لعملية التغيير الجديدة . مثل الخلاف على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ( 7 ) ، و ما هو متعلق بالصراع حول تطبيق نظام الأقاليم ( 8 ) ؟ و ما يخص القضية الجنوبية ( 9 ) ؟ و ما هو متعلق بالخلاف حول مسودة الدستور ( 10 ) و قبل هذا و ذاك المرادعة على محاصصة كعكة السلطة ( 11 ) ، و غيرها . و كل العوامل ال 11 المبينة آنفا ، و غيرها من العوامل الرئيسة المشابهة ، متشابكة مع بعضها يدل عليها واقع تعب حلبة الصراع ، حيث نجد أن المواطن الأن يجهل ما هي توازنات السلطة و تركيبة القوى الحاكمة القادمة ؟ و كم هي القاعدة الشعبية الحقيقية لكل حزب أو جهة أو قوة ؟ . و كذا أسئلة تجاه الحلول ، مثلا : ما هو النظام الرئاسي الذي سيعمل به ؟ ما هو الحل لوقف تأرجح ترويكة الحكم ؟ و ما هو الحل لتمثيل الجنوبيين في ترويكة الحكم القادمة ؟ . . ألخ . إن الصراع على السلطة خطر قائم حاليا بأوجه متعددة . . هذا في ظل أن التعامل مع التحالفات و القوى السياسية و صله ذلك بالسلطة نفسها ما زال يتم بالأساليب و الطرق التقليدية و الليبرالية ، أو عن طريق القوة المسلحة . و لم يرق بعد إلى حالة الأبداع في البحث عن الحلول السياسية الصائبة و اتخاذها . لذا كله ، من الصعوبة أن تحدد حدة الصراع السياسي القادم على السلطة ، عوامل و مواد تفجره الكامنة أو عوامل هدؤه و استقراره . . و الجدير بالإشارة – هنا – أن مجلة " فورن بوليسي " الامريكية المشهورة نشرت في الأسبوع الأول من العام الجاري ( أي قبل بدء أحداث دار الرئاسة بصنعاء يوم 19 يناير الماضي ) توقعاتها و احتمالاتها بنشوب عشرة حروب حول العالم في عام 2015م. إحداها ( ثامنها ) في اليمن ، و بينت السبب أنها حرب عن السلطة ( بسبب التنافس بين النخب الحاكمة ) . و ما زال الخطر الذي توقعته المجلة محتملا . - 3 - خطر نشوب حرب شطرية : يعيش الحراك السلمي الجنوبي عامه الثامن وسط حماس عالي و تأييد شعبي واسع لم نرى مثله من قبل . و وسط استعدادات تبدو جادة نحو الانفصال و البدء بالعودة إلى الدولة الجنوبية السابقة في حين يسود في صنعاء سكوت مخيف و صمت سلبي و تجاهل متعمد على المستوى الشعبي في التفاعل مع الحدث و المسألة ، و يرى البعض أن ذلك ربما يدل على نزعة شطرية شمالية . و المؤشرات و التوقعات تشير إلى إمكانية نشوب حرب شطرية في حالة بدء تنفيذ مطلب الانفصال عن الجمهورية اليمنية عمليا . . و يأتي هذا في حين تسود في "صنعاء " على المستوى الرسمي حالة عدم اكتراث تجاه أهمية أتخاذ حلول و معالجات سريعة و حقيقية لمختلف جوانب المشاكل الجنوبية . كما أن فرض الإقامة الجبرية على الرئيس المقدم لاستقالته و عدد من الوزراء الجنوبيين المستقيلين من الحكومة ( 22 يناير ) ولد و يولد إحتقانات جنوبية إضافية . . هذا إلى جانب أنه أرسلت في عام 2014م. من قبل " صنعاء " مزيد من القوات العسكرية و الأمنية إضافة إلى القوات المسلحة المتواجدة في الجنوب و التي يبلغ قوامها ما بين : 24 – 27 لواءا عسكريا ، فضلا عن قوات الأمن و الشرطة الموجودة . مما يعقد الأوضاع أكثر ، كمثل ازدياد وتيرة القمع للمواطنين المشاركين في الفعاليات الجماهيرية في الفصل الأخير من عام 2014م . و خاصة في عدن و شبوة و حضرموت . و زيادة حالات القصف المدفعي على مساكن المواطنين كما هو الحال في " الضالع " و " ردفان " ، كمثال . و أيضا ارتفاع وتيرة المواجهات و الصدامات المسلحة مؤخرا بين اللجان الشعبية المحلية و القبائل و المواطنين من جهة ، و قوات الجيش و الأمن من جهة أخرى . الاحتمال الثاني لنشوب حرب شطرية ، هو عند حالة اجتياح القوات الموالية للنظام السابق أو القوات الحوثية ( أنصار الله ) و حلفائهما لمناطق جنوبية . . و لعله من الصعب تحديد خيارات الحراك السلمي الجنوبي في هذه الآونة ، فالخيارات صعبه و أولها الانفصال ، و ثانيها خيار إعلان أقليم الجنوب و تشكيل حكومة أقليم مؤقتة و برلمان أقليم مؤقت و على أن يبقى العلم المرفوع علما للإقليم الذي سيبقى في إطار الجمهورية اليمنية . و حتى في حالة فرض هذا الخيار الثاني بالقوة فإنه لا يوجد تأكيد لعدم حدوث اشتباكات مسلحة . إن المسببات لانتعاش و تأجج الشطرية في الجمهورية اليمنية تتصاعد و ترتفع جنوبا بسبب من دعوات الانفصال ، و شمالا نتيجة لهيمنة قوى شمالية على السلطة و المؤسسات و قيادة الدولة في السابق و منذ منتصف شهر يناير الماضي . . و فيما سبق ( و حتى حاليا ) كان يعزو تأجج الشطرية لدى الجانبين إلى استخدام القوى النافذة في السلطة العليا ( جنوبية و شمالية ) في " صنعاء " القضية الجنوبية كورقة لعب و ضغط سياسيين و ليس كقضية شعبية . . خذ مثلا في الماضي و حاليا : الحراك السلمي الجنوبي هو القوة السياسية الكبيرة الوحيدة في اليمن التي ليس لها تمثيل حقيقي مستند على قواعده الجماهيرية في الفعاليات السياسية المصيرية و المناصب القيادية في السلطة العليا منذ بدء تكوينه . حيث تم و يتم التلاعب و الالتفاف بهذا الصدد بتحديد ممثليه سياسيا و قياديا و رسميا - و حتى عسكريا - من قبل القيادات الجنوبية و الشمالية العليا المتنفذة في " صنعاء " . و في الوضع المستجد أصبح تواجد الجنوبيين أضعف في المؤسسات العسكرية و الأمنية و في مؤسسة الرئاسة . و لا يعلم أحد متى سيصحح الحال الحالي الذي يقولون في " صنعاء " أنه مؤقت ، بينما الجنوبيون يصرخون : مؤقت إلى متى ؟ . بعد حوالي ربع قرن زمني من الوحدة اليمنية ما زال السؤال ماثلا : إلى متى يظل خطر عدم تنفيذ حلول للقضية الجنوبية سلبيا على اليمن كله ، فلا الجنوب مستفيد و لا الشمال ؟ . . حتى الآن ، ليس هناك من صدق ملموس سواء في معالجة قضايا الجنوب العادية التي سرى الملل لدى المطالبين بها فاتجهوا نحو الانفصال . أو في حوار بناء بين الطرفين من أجل حل نهائي للقضية الجنوبية . و يجب الاشارة إلى أن من معيقات الحوار المطلوب غياب رؤية " شمالية " واضحة و عملية لحل القضية الجنوبية ( حتى لدى تنظيم أنصار الله ) . و هذه سلبية يعتبرها الجنوبيون إلى جانب العوامل السلبية الأخرى السابقة الذكر " شطرية شمالية " مما يزيد من المخاطر المقبلة حول القضية الجنوبية خاصة في ظل ارتفاع وتائر الصراع في السلطة العليا في " صنعاء " و التساؤل عن موقع القضية الجنوبية و الجنوبيين فيها . - 4 - العجز عن ترميم العجلة الاقتصادية : الاقتصاد اليمني منهار . و لا مناص من إعادة تسوية العجلة الاقتصادية و ترميمها ، بيد أنه توجد عوائق تحول دون إعادة تصنيع / تجهيز / بناء / ترميم العجلة الاقتصادية اليمنية . أي إعادة رسم السياسات الاقتصادية السارية غير المجدية ، و إعادة بناء الأليات للاقتصاد الوطني الضعيف الهياكل الادارية ، و المترهل الأليات العملية ، و المثقل بالمعوقات المتنوعة . إن الوضع هنا أشبه ما يكون فيه الاقتصاد برجل هرم ليس من واجبك إنهاء أمراضه فحسب ، بل و تحويله إلى شاب ينضح بالحيوية و الصحة . ليس بالمكان متسع لتعديد و تفنيد كل حالات الانهيار الاقتصادي ، فهي معروفة ، و أهمها : الموت السريري للخزانة العامة للدولة ، و تضخم النفقات العامة ( مثال نفقات الدفاع و الأمن التي تستحوذ على ما بين : 35 – 40 % ) ، و انتفاخ نفقات بند الاجور ، و ما شابهها . و كذا قلة الموارد و إهمالها و نهبها ، و ارتفاع مستويات الفاقد الاقتصادي في كثير من القطاعات ، و غيرها . أضف إلى ذلك التحديات الحديثة ، مثل : التدني الشديد في أسعار النفط عالميا الذي يشكل : 70 % من موارد الحكومة ، و توقف المعونات الخارجية الأساسية تقريبا ، و غيرهما . لقد رسخ الفشل الاقتصادي لأسباب عدة و بنسب متفاوتة من مجال إلى آخر و من قطاع إلى آخر . و أسهم في الفشل عدم الدقة و الجدية في رسم السياسات و المشروعات و صنع القرار الاقتصادي ، و كذا في تدني صواب عمل القيادات الاقتصادية و الخبراء ، محليين و خارجيين . و هو فشل ما زال ساريا و بحاجة إلى علاج . إن الإبقاء على عجلة السياسات و الآليات الاقتصادية القائمة يولد خطر بقاء الانهيار الاقتصادي القائم . و ينبغي تحديد كيفية إعادة تصنيعها / تجهيزها بفعالية / بناءها بحداثة / ترميمها من الأعطال السابقة و الحالية . و هذه لا شك مهمة إضافية كبيرة و فيها صعوبة و تحدي ، خاصة في ظل التوتر العام و حال التشتت السياسي و الوضع الأمني السيء في البلد ، و غيرها من المعوقات الأخرى في البيئة الاقتصادية نفسها و المعوقات في البيئة العامة المؤثرة على النشاط الاقتصادي . أضف إلى ذلك أهمية العامل البشري في ترميم عجلة الاقتصاد ، ذلك أن معظم القيادات و الكوادر المعنية في الدولة ( و ليس الكل ) من النوعية التي تسير الأعمال الروتينية و ليس لديها إبداع أو اتخاذ حلول مبدعة للمشاكل تتمتع بهما في عملها و قراراتها . إن ترميم العجلة الاقتصادية تنفيذ مهام فنية من الناحية العلمية و العلمية ، و اقتصادية تقنية ، و تنظيمية إدارية حوكمية . فهل تستطيع قيادة الدولة و الحكومة القيام بها ؟ . . لدى الجميع استراتيجيات في كل قطاع و فرع مشكوك في صوابها ، و البيئة العامة سيئة ، و الوقت ضيق أمامهما ، و الموروث متعب جدا ، و المطالب كثيرة و ملحة ، و الادارة الاقتصادية الحالية ضعيفة و مترهلة و بطيئة و متضخمة ، و الترميم و الإصلاح المطلوبين واسعين في مؤسسات و مالية الدولة و في القطاعات الاقتصادية المتعددة ( العام و المختلط و الخاص و التعاوني ) . يضاف أليه أن عملية الاصلاح و الترميم و إعادة البناء للعجلة الاقتصادية يجب أن تتم أثناء الدوران و العمل و نشاط حياة المجتمع اليمني الذي دخل تعداد سكانه هذا الشهر المليون ال : 26 . - 5 – الفساد المقاوم : اليمن وفقا لمؤشر منظمة الشفافية العالمية للعام 2014م. احتلت المرتبة : 161 من بين : 177 دولة . بما يعني أننا الدولة ال : 17 الأكثر فسادا في العالم . و ما زالت قواتنا المسلحة من ضمن قائمة أفسد جيوش عشر دول عالميا . . جرت محاولات منذ عام 2012م. للحد من الفساد . بيد أن محاولات جادة لمكافحة الفساد السائد بدأت منذ أربعة أشهر بفعل ما قامت به اللجان الشعبية الثورية الجديدة لمحاربة الفساد في مرافق الادارة و العمل . و هي شكل رهن التجربة ، و أتي حتى الأن إيجابيا و فعالا في غالبه و عن ما سبقه . و عموما تعد اللجان الشعبية الثورية لمكافحة الفساد تجربة جيدة واعدة أسهمت في الحد من مستوى الفساد الكبير الذي لم يتلقى أية ضربات موجعة فيما مضى من زمن بعيد . إن محاربة الفساد المالي و الاداري السائد لعقود زمنية خلت ليس بالأمر الهين . و عليه يجرى حاليا و بشكل عشوائي تبادل الأدوار بين الشكل الرسمي و الشكل الشعبي له بحسب حاجة الواقع . و إن جهود اللجان الشعبية الثورية لمكافحة الفساد في مرافق الدولة و مؤسساتها التي أوجدها تنظيم أنصار الله ، و جهود المؤسسات الحكومية المساندة أو المتجاوبة ، و كذا جهود الجهات الرسمية المتخصصة بمكافحة الفساد . كل هذه الجهود تواجه تحديات عدة . ذلك أن أعمالها تتم وسط واقع أن قوى الفساد في اليمن كانت عادة قوية و كثيرة ، و لا تستسلم بسهولة و تحاول التكيف مع أية وضع جديد و التحايل عليه . . على سبيل المثال لا الحصر ، أشارت انتقادات عدد من الاقتصاديين إلى عدم إدراج قضية استعادة الأموال و الأصول المنهوبة في إطار اتفاق السلم و الشراكة الوطنية : 21 سبتمبر 2014م . و ربما أريد لها أنها ضمن بنود محاربة الفساد فيه . علما بأن التقديرات المتوسطة للأموال المنهوبة خلال الثلاثة العقود الزمنية الماضية تشير إلى أنها تعادل متوسط ميزانية الحكومة اليمنية السنوية لثمان سنوات تقريبا ، بينما الأصول و الأراضي المنهوبة يعادل متوسطها المماثل بما يزيد عن ثلاثة و ثلاثين سنة تقريبا ( وفقا لنقاشات ندوة خاصة بالموضوع عقدت في هيئة مكافحة الفساد – 17 نوفمبر 2013م . ) . إن الفساد في اليمن لا يقتصر على الفساد المالي المباشر الذي يظل هدفا أخيرا . و من أهم الأوجه الأخرى فساد المناصب الذي يتولد عبر تعيينات القيادات و الكوادر المشوبة بالمحسوبية الشخصية و المناطقية و القبلية و الحزبية ( محسوبيات الولاءات الأربعة ) . و كذا المجاملات و المحاصصة السياسيين ، و مراعاة اللوابي الادارية ( جمع لوبي ) و الشللية . . و عموما ، حصل تطور طفيف و محدود في آليات اختيار القيادات و الكوادر الجيدة . و لكن هناك قوائم معينة و أسماء ثابتة تاريخيا تحظى بالأولوية من قبل جهات اتخاذ قرارات التعيين مما يساعد على بقاء الفساد المقاوم الذي هو أصلا قوي بفعل تركيبة وجوده و أساليبه الذكية و خبرته المعترف بها عالميا . ففي ندوة عن مكافحة الفساد عقدت بصنعاء يوم : 14 يناير الماضي قال القائم بأعمال مدير البنك الدولي في اليمن : ( أن اليمن يأتي في المرتبة الحادية عشرة عالميا في نسبة الدول الأعلى فسادا، و الأكثر فسادا على مستوى دول الخليج .) فكيف لو كنا نملك أموالا مثل تلك التي تملكها دول الخليج ؟ إن استمرارية الفساد المقاوم و مدى طاقاته و أساليب تكيفه مع الأوضاع الجديدة و التحايل عليها و محاولاته الدؤوبة للتوسع داخل أي نفوذ جديد ستظل من المخاطر التي تهدد اليمن . و مع أن لا دولة في العالم تخلو من الفساد إلا أن المأمول هو أن ينخفض كثيرا مستوى الفساد العالي الحالي في البلد ما لم فستبقى السلبيات الكبيرة ، و ستنمو الصراعات ، و سنواجه جميع المصائب . - 6 – ضعف إدارة المخاطر في بنية الدولة : بداية ، لا بد من القول إن لإرث الفترة الماضية إسهام في الهشاشة الحالية لإدارة المخاطر العامة لدى الأجهزة الحكومية و القوى السياسية و مراكز القوى المتنفذة المتعاقبة في السلطة . و هو إرث تجربة كانت متنوعة حتى بفعل ما قبل قيام الجمهورية اليمنية . ففي العهد الشطري السابق كانت تجربة إدارة المخاطر العامة في أحد الشطرين ( الجنوب ) تعتمد على الافراط في الرقابة و الضبط و الربط ، و تشدد و صرامة قبضة الحكم الشمولي ، بحيث أدت إلى تقييد حركة المجتمع و آليات و أدوات الاقتصاد و الحد من حركتها بما جعل النمو يحبو ببطيء و رتابة و جمود . و كانت تجربة الشطر الأخر حينها تقوم على المعالجة الآنية وفقا لمبدأ : " ما بدا بدينا عليه " و هو مبدا يتجسد في الإبقاء على المخاطر خامدة مخفية و مجمدة ، و تسكينها بالمسكنات المتنوعة المشروعة و غير المشروعة إذا ما ظهرت . و قد أدى طغيان هذا الأسلوب الأخير بعد قيام الجمهورية اليمنية ( و بالذات بعد حرب صيف عام 1994م. ) و يؤدي إلى تراكم المشكلات و المخاطر بانتظار لحظات تاريخية ناضجة للتفجر أو للحل لها مما جعل سمة الحياة اليمنية أنها دائما ملغومة بالمشاكل و غير هانئة أو هادئة . الآن ، إذا أستقصينا الآراء لا نجد خلافا حول هشاشة بنية الدولة اليمنية في مجمل النواحي التي تخص العلاقة مع المجتمع و إدارته . . أضف إلى ذلك أن بنية الدولة تعاني من هشاشة تنظيمية تبدو في ضعف التماسك بين هيئات السلطات المركزية و الصلات فيما بينها ، و ضعف الروابط فيما بينها و بين السلطات المحلية . و القضية الأساسية في الأخير هي تأثير كل هذه الهشاشة على كيفية تعامل بنية الدولة مركزيا و في المحافظات مع المخاطر العامة أولا ، و المخاطر المحلية و القطاعية و الفرعية ، ثانيا . و بهذا الصدد تتجلى أولوية المسئولية في وقاية المجتمع و المجتمعات المحلية من المخاطر و المشكلات الكثيرة التي تحدق بهم و العمل على تقليلها و الحد منها ، و هي مخاطر كثيرة اجتماعية و أمنية و سياسية و اقتصادية ، و غيرها . هناك ثلاثة عيوب رئيسة في تعامل أجهزة الدولة و مؤسساتها و قياداتها مع المخاطر المحلية و القطاعية و الفرعية و المشكلات التي تخص كل منها في مستواه . الأول أسلوب : العمل بمبدأ : " ما بدا بدينا عليه " . و الثاني تجاهل التنبؤ و التوقع للأخطار و المشكلات القادمة . و الثالث : اللامبالاة و عدم الاحساس بالمسئولية . . و لقد أسهمت مسببات عدة في انتشار العيوب الثلاثة من أبرزها أنه لا توجد محاسبة كافية و في جميع الحالات عن ما تم و يتم عمله أو فعله من سلبيات و أخطاء و مخالفات و جرائم ، و ما شابه . هناك حالات تسامح ساذجة و سائبة تؤدي إلى عدم مخافة ارتكاب سلبيات و أخطاء و جرائم و مخالفات . حيث يوجد في اليمن ( بصورة غالبة ) عقوبة إبعاد المسئول المعني من المنصب كعقاب ( هذا في حالة اتخاذ إجراء أو عقاب ) بأن يعتبر إبعاده من المنصب و حرمانه من امتيازاته عقوبة شديدة . الجمهورية اليمنية تعيش – حاليا – وضعا انتقاليا معقدا و صعبا ، و واقعا مضطربا في معظم المجالات ، و ضبابي النظرة المستقبلية ، أيضا . مما يجعل الاهتمام بإدارة المخاطر العامة ، و أيضا المخاطر المحلية أو القطاعية أو الفرعية واجب مضاعفا . خاصة في ظل الوضع الراهن للسلطة القضائية و السلطات التشريعية . فمساندة الوقاية من المخاطر من قبل الجهاز القضائي شبه مشلولة . كما أن إدارة المخاطر العامة من قبل السلطة التشريعية تكاد تنعدم كون أجهزة السلطة التشريعية هذه شبه مقعدة ، فمجلس النواب الذي ضرب الرقم العالمي القياسي في العمر كأطول مجلس نواب عمرا في تاريخ العالم مل هو و معظم أعضاؤه العمل . و في مجلس الشورى الذي كانت رئاسة البلاد الأسبق تنظر أليه كدار رعاية لكبار المسئولين المقالين و المحالين أليه من أجهزة الدولة العليا الأخرى يقتصر عمله على ما يقارب شهرين في العام الواحد ، و ربما أقل . إن الحاجة ماسة جدا الآن لتقوية إدارة المخاطر في بنية الدولة نظرا لبدائية آلياتها و عملياتها و وسائلها . و مثل هذه الأليات و العمليات و الوسائل موجودة في اليمن مثلها مثل أي دولة نامية كشبكة متداخلة و معقدة سواء بالنسبة لوجودها في الأجهزة الحكومية ذات الوظائف المتعددة ، أو في الأجهزة الحكومية الاحترافية ، أو الاجهزة شبه الاحترافية . . و لكنها ركيكة الآليات التنظيمية ، و تقليدية الوسائل ، و شحيحة العمليات الوقائية ، و لا تلقى الاهتمام الفعال الكافي من قبل القيادات المركزية أو القيادات الأدنى منها . يتبع = 2 - 2