رسخت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر التقارب الحاصل في العلاقات المصرية الروسية، ويرى المراقبون أن هذه الزيارة والحفاوة التي قوبل بها بوتين مثلتا إحراجا جديدا للإدارة الأميركية التي اتسم موقفها من النظام الحالي في مصر بالضبابية. حققت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر، أهدافها على مختلف الأصعدة، معلنة عن حقبة جديدة من التعاون الاستراتيجي بين البلدين يشمل مختلف المجالات. وأكد الرئيسان المصري عبدالفتاح السيسي والروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحفي، عقد عصر أمس الثلاثاء، عقب مباحثات أجرياها في قصر القبة بالقاهرة، على أهمية التعاون المشترك ضد الإرهاب. وأوضح السيسي أن خطر الإرهاب الذي تواجهه مصر لا يهددها بمفردها، مشيراً إلى أن زيارة الرئيس الروسي بوتين للقاهرة في هذا التوقيت تؤكد دعم موسكو في حربها ضد هذه الآفة التي تنخر أمن المنطقة. وتبادل كل من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الروسي التأكيد على توافقهما الكامل في قضايا منطقة الشرق الأوسط، لاسيما المتعلقة باليمن وليبيا وسوريا والعراق، والقضية الفلسطينية. وخلال المؤتمر الصحفي المشترك شدد الرئيسان على أهمية الحفاظ على وحدة أراضي اليمن وليبيا وسوريا والعراق. وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن مصر تدعم الحل السياسي للأزمة السورية، والذي ينطلق من مرجعيات مؤتمر “جنيف”. وتعتبر روسيا الداعم الرئيسي لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وهنا يتساءل العديد من المحللين، عما إذا كانت القاهرة تتبنى هي الأخرى هذا التوجه. إلى ذلك أوضح السيسي في المؤتمر الصحفي المشترك أنه ناقش مع الرئيس الروسي القضية الفلسطينية، واتفقا على ضرورة تنفيذ حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وعلى الصعيد الاقتصادي أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أنه وقع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، اتفاقية لإقامة محطة للطاقة النووية في منطقة الضبعة، على البحر المتوسط، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق على إقامة منطقة حرة مع روسيا. 3.5 مليار دولار ثمن أكبر صفقة عسكرية عقدتها مصر مع روسيا خلال السنوات الأخيرة من جانبه شدد بوتين في المؤتمر الصحفي المشترك، على أهمية العلاقات بين البلدين، قائلا: إن زيارة السيسي، لمدينة سوتشي بروسيا في أكتوبر الماضي، كانت مهمة، ودعاه لزيارة رسمية أخرى، مؤكدا أنه تم الحفاظ على مستوى العلاقات مع مصر، رغم كل الأحداث التي شهدتها، ومشددا على التطلع إلى المزيد من التعاون في المجالات المختلفة. وأضاف الرئيس الروسي، أن هناك آفاقا واعدة بين البلدين وسيتم التعاون في عدد من المشروعات الاستثمارية والبنية التحتية والمواصلات، وسوف تستأنف اللجنة المصرية الروسية أعمالها في هذا المجال، مؤكدا أنه تم توقيع اتفاقية في مجال الاستثمارات، وأن هناك أكثر من 400 شركة روسية على أرض مصر. وتعتبر زيارة بوتين لمصر الأولى لرئيس روسي خلال العشر سنوات الأخيرة، وقد حظيت باهتمام إعلامي مصري وعالمي كبير بالنظر إلى أهميتها، خاصة في هذا التوقيت الذي تشهد فيه المنطقة تطورات دراماتيكية تهدد استقرارها، فضلا عن العلاقة المتوترة بين الغرب وموسكو على خلفية الأزمة الأكرانية والسورية، والفتور في العلاقات الأميركية المصرية. وللتذكير فإن الرئيس بوتين كان من أوائل الداعمين لثورة 30 يونيو ومصر في الفترة الأخيرة، ويبرز هذا الدعم من خلال توقيع على اتفاق عسكري بقيمة 3،5 مليار دولار خلال زيارة السيسي لموسكو، وهي أكبر صفقة حصلت عليها القاهرة خلال سنوات. كما يبرز هذا التقارب في موقف موسكو من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في روسيا على خلفية دعم الجماعة للمقاتلين القوقاز. وترجمت مصر هذا التقارب مع روسيا عبر استقبال تاريخي للرئيس بوتين منذ أن وطأت قدمه مطار القاهرة الاثنين. ولم يكن الاحتفاء الذي استقبل به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، نظيره الروسي، تعبيرا فقط عن تقدير للضيف وبلده، بل حمل أيضا مجموعة من الرسائل السياسية لواشنطن تحديدا. وتشهد العلاقة بين القاهرةوواشنطن برودا على خلفية موقف الإدارة الأميركية من مصر منذ سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين، وسط شبهات بمواصلة دعمها لهم، ويعزز ذلك اللقاءات التي أجراها أعضاء من الكونغرس ومن الإدارة الأميركية مع وفود الإخوان القادمين من أنقرة. وقال مراقبون ل “العرب” إن زيارة بوتين للقاهرة حسمت خيارات مصر، ورجحت الكفة تجاه إمكانية الاعتماد على روسيا، التي هي بحاجة إلى حليف قوي جديد في المنطقة، يعوضها خسارة الحليف السوري، الذي يعاني من تدهور بالغ. واعتبر هؤلاء أن هذه الزيارة ستكون لها أصداء سياسية واسعة في واشنطن، قد تضع الرئيس الأميركي باراك أوباما، في موقف أشد حرجا من ذي قبل، بسبب سياساته التي جعلت القاهرة تتسرب من بين يديه بسهولة، بما تنعكس تداعياته على خريطة الأزمات والقضايا في المنطقة. بالمقابل يرى أحمد طاهر، وهو باحث مختص في الشأن الروسي، أن العلاقات العسكرية مع روسيا هامة جدا لمصر لكنها ليست بديلا عن العلاقات مع الغرب وواشنطن. واعتبر أن السياسة المصرية الجديدة ليست قائمة على الاصطفافات والتكتلات، وإنما على تنويع العلاقات، وهو ما يظهر من انفتاحها على فرنسا التي بصدد توقيع عقد عسكري ضخم معها يتعلق بشراء طائرات من نوع “رافال”.