ان الغيرة هي حالة في الإنسان يحفظ بسببها ما يجب عليه حفظه، من (دين) أو (وطن) أو (ناموس) أو ما أشبه ذلك، وهي من الفضائل، ولو ذهبت الغيرة من الناس فرداً كان أو جماعة ذهب كيانهم. والغيرة خلق فاضل متركب من النجدة والعدل، ومن عدل، كره أن يتعدى إلى حرمة غيره، أو أن يتعدى غيره إلى حرمته، ومن كانت النجدة طبعا له حدثت فيه عزة، ومن العزة تحدث الأنفة من الاهتضام ، لكن الغيرة في غير مكانها تتحول إلى مرض، إلا الغيرة على الوطن فهي مدعاة للفخر، والدفاع عن الوطن واجب شرعي، والموت في سبيل ذلك شهامة وشهادة. ان الشعب الجنوبي العظيم الصامد، والمرابط في ساحات وميادين النضال ومواقع الشرف والكرامة والبطولة والتضحية، قد كان في مستوى المسئولية والإيمان الراسخ في حب الوطن والغيرة عليه، حيث طبق قولاً وفعلاً مبدأ التصالح والتسامح، وجسد ذلك في تلاحمه الاخوي وأدواره النضالية وتضحياته الجسام التي ضرب بها أروع الأمثال على كافة الأصعدة والمستويات، فهل آن الأوان للقيادات السياسية الجنوبية أن ترتقي إلى مستوى هذا الشعب الأصيل، الوفي، وتتصالح وتتسامح مع بعضها من خلال لقاء تاريخي جاد يجمعها ويوحد صفها بغية تحقيق الهدف المنشود في مثل هذا الوقت الدقيق والظرف العصيب، لتثبت لشعب الجنوب من أنها معه ومنه وفي خدمته وليس العكس، هل تنظر هذه القيادات بعين الفاحص الدقيق إلى الإخوة الأعداء في صنعاء وهم يتوحدون على الجنوب حفاظاً على مصالحهم الشخصية ، أليس الأجدر بها أن تتوحد من أجل الوطن وإكراماً لهذا الشعب الحر الأبي الذي لا تستحقه.
ان من أراد أن يترك أثراً لنفسه في هذا الوطن وعلى صفحات التاريخ فالميدان أمامه، لكن عليه ان يدرك جيداً ان القيادة : فكر ودهاء وحكمة وقوة شخصية وتطلع دائم لمعالي الأمور " فلا يُكرم الخيل إلا أصحاب الخير، ولا يطلب الفروسية إلا أصحاب النفوس العالية"، ونحن في مثل هذا الظرف بحاجة ماسة لتغيير مفهوم القيادة ليتسع لجميع من لديه الطموح والإرادة لتغيير نفسه ونفع مجتمعه، فالذي يحكم نفسه يستطيع أن يحكم غيره ويحكم العالم من حوله، والذي لا يملك نفسه فهو عن غيره أعجز. ( ومن كان همه ما يأكله كان قيمته ما يخرجه).
لقد أساء الكثيرون إدراك الكيفية الحقيقية لحب الوطن، فجعلوها مجرد ألحاناً وترانيم، وطقوساً وشعارات لا تمت إلى الوطنية الصحيحة بصلة، فنشأت أجيالٌ هزيلةٌ في ولاءاتها , ساذجة في مخزونها الفكري بل والعاطفي!! لذا لا بد من وقفة جادة نراجع فيها أنفسنا ربما نستيقظ من التبلد الذى أصاب وجداننا بالعطب. أقولها صريحة ان الجنوب فوق الجميع ولن ينال منه أي تيار، إلا الذي ينتمي للحق، لأنه إذا اختلف أهل الحق قويت شوكة الباطل واجتمع حزب الباطل عليهم وغلبهم.. والقضية الجنوبية قضية حق واسترداد كرامة وتحرر من العبودية، فأما نكون أو لا نكون.. وقد حان الوقت لوحدة الصف ورأب الصدع والالتفاف نحو هدف واحد والعمل بعزيمة وإخلاص النوايا لاستعادة الوطن والكرامة.
وفي سبيل جمع الصفوف وتوحيد الناس وجمعهم يجب على كافة القوى والمكونات الحراكية والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والسلطات المحلية في المحافظات الجنوبية توحيد صفوفها، وتجميع طاقاتها وامكاناتها، والتعاون والتنسيق فيما بينها لمواجهة التحديات التي تجابهها، والتصدي للأخطار التي تتهدد الجنوب وابنائه دون استثناء. وينهض الكل بمسئوليته التزاما بوحدة الصف والهدف وانصهار الجميع في بوتقة واحدة، وانصياع الجميع لقيادة موحدة في سبيل استمرار مسيرة الثورة وتتابع الخطوات في بناء مجتمع متكامل البنيان تجمع بين أبنائه أواصر المحبة والمودة والتآلف لترفع عالياً راية الجنوب خفاقة تزهو بوحدة الهدف وتجمع القلوب حولها في عزيمة وإخلاص بلا يأس أو ملل.
اننا في هذه الأيام في أشد الحاجة لاستلهام هذه الروح لتسري في قلوبنا، ولندرك أن التشتت والاختلاف لن يحررنا ولن يبني وطنا ولا يساهم في تقدم أو نهضة ، وان مثل هذا الحال والوضع من الاختلاف والتناقض والتضاد هو وضع غير مقبول في ذاته ومرفوض بحكم طبيعته، ولا ينبغي له ان يكون اصلا، ولا ينبغي ان يستمر على هذه الحالة، ولا بد من ازالة هذا التناقض والتضاد، ويجب أن ينضم الجميع تحت مظلة واحدة كبيرة هي مظلة الوطن.
أما في حال ظل كل منا متمسك بموقفه واعتبار الجنوب مجرد قطعة أرض هو الأحق بتملكها أو قطعة قماش يريد ان يلونها على مزاجه أو يفصلها على مقاسه، فأننا بالتالي سنجد انفسنا جميعاً عراة لا قدر الله.