العلاقة بين الطائفية والمواطن الواعي هناك علاقة عكسية بينهما أي كلما أرتفع منسوب مياه إحداهما إنخفض منسوب مياه الأخرى.و إذا تصاعدت قوة الطائفية في بلد، ضعفت قوة المواطن الواعي، والعكس بالعكس. إذا قلّت الطائفية، تعززت قيمة المواطن الواعي أيهما أولا؟ لا يهم ، فالعلاقة بينهما جدلية. إحداهما تؤثر في ألأخرى. أي دولة ترتفع فيها قيمة المواطن تتعزز، وتتراجع الطائفية وربما تختفي، و أي دولة تضعف فيه المواطنة وتتراجع، و تتقدم الطائفية وتسود تحرق الأخضر واليابس. لا أعني بالطائفية الإنتماء الفرعي التكويني الوراثي إلى طائفة ما، فهذا أمر يستحيل أو يصعب إلغاؤه، لكن أعني تحول هذا الانتماء إلى هوية سياسية وانتماء ومعيار سياسي. الطائفية من مخلفات عصور ما قبل الدولة ، بالإضافة إلى الدولة و مؤسساتها وقانونها وعلمها الحديث.و بوجود الطائفية يستحيل بناء دولة ذات أسس قوية تتنافس مع الدول الاخرى . تتعطل كل اشتراطات بناء الدولة المدنية الحديثة إذا سادت الطائفية ، وبغض النظر عن الشعارات البراقة التي يقولها البعض، مثل: "اخوان ، سنة وشيعة " أو" السنة والشيعة أمة واحدة"، فإننا نعاني اليوم من ارتفاع رهيب بمنسوب الطائفية لدى السياسيين بالدرجة الأولى ولدى عموم المواطنين بالدرجة الثانية. وبعد هذه الظاهرة الخطيرة تأتي كل الظواهر السلبية الأخرى التي تعاني منها بعض المجتمعات الغربية والدول العربية عامة. ثمة أسباب تاريخية وموضوعية أدت الى استفحال الظاهرة الطائفية عندنا، لكن النتيجة انها أضحت موجودة، من جهة، ومن جهة أخرى هناك جهات وأطراف محلية وإقليمية مستفيدة من صعود هذه الظاهرة مثل أمريكا والدول الأوربية وبعض الدول العربية عبر شيوخ الإرتزاق، الذين يعملون على تغذيتها وتنميتها لأغراضهم الدنيئة. وليس سراً أن الجماعات السلفية الجهادية مثل القاعدة و"داعش" وغيرها الكثير يتعَيَشون على الطائفية، لأنها بالأساس تتبع منظمات و دويلات كبرى و قد قامت بفضحهم رئيسة الارجنتين كريستينا فرنانديز دي كيرشنر . أي جدول أعمال لبناء الدولة المدنية لا يمكن أن يعمل من دون القضاء على الطائفية وتنمية المواطن، بوصفها أساس بناء ، والكفاءة بوصفها وحدة قياس. لا يمكن لمقاومة الإرهاب، وخطط التنمية، والإعمار، والبناء، والإصلاح الإداري، وكل المفردات الأخرى أن تأتي أُكُلها بصورة صحيحة ومقنعة ما لم يتم القضاء على الطائفية. ببساطة لا يمكن أن تعمل أي دولة بقيم حديثة في الوقت الذي تسيطر فيه الطائفية، بوصفها قائمة من عالم ما قبل الدولة الحديثة. لا يمكن أو من الصعب أن يعمل نظامان في مشهد واحد، نظام الدولة الحديثة، ونظام ما قبل الدولة الحديثة. فهما يتناقضان ولا يجتمعان في مكان واحد أبدا. لا يوجد سلاح أمضى في محاربة الطائفية من المواطن نفسه. فمن يريد بناء الدولة الحديثة يجب أن يعزز من قيمة المواطن بالممارسة والفكر والثقافة. حين يتمسك دعاة الدولة المدنية الحديثة، خاصة حينما يكونون في موضع المسؤولية بالمواطن ، فانهم ضمنوا أن يحاربوا الطائفية ويضيقون عليها تمهيدا للقضاء عليها. ولا يمكن أن تثمر جهودهم ما لم تعضدها المناهج الدراسية التي تحاربها من الصغر وعمل الدورات التنموية والاجتماعية ........الخ.