في ظل المتغيرات المتسارعة التي تحدث في المنطقة العربية, ومن بينها اليمن, يصبح من المشروع فعلاً, الحديث عن تشكل جديد للجزء الجنوبي لشبه الجزيرة العربية, خصوصاً بعد الفشل الذريع الذي أصاب مشروع الوحدة اليمنية, التي عَقد العرب وفي مقدمتهم القوميون عليه آمالاً عريضة, باعتباره الانطلاقة الكبرى لوحدة عربية قوية ومتكاملة أسوة بالاتحاد الأوروبي, إلا أن ماجرى في عام 1994 وما بعده من أحداث حربية مؤسفة بين شمال وجنوب اليمن وماتلاه من إجراءات إقصائية وتفش صارخ للفساد وهيمنة كاملة من قبل الشمال على أرض وثروة الجنوب حتى صارت الوحدة اليمنية بمثابة مشروع ضم وإلحاق الفرع الجنوبي للأصل الشمالي كما ذكر ذلك عدد من القيادات الشمالية. وفي ظل فشل الحراك الجنوبي, منذ انطلاقته المباركة عام 1994 في الوصول إلى وحدة مكوناته النضالية وإظهار ممثلاً واحداً لها أو كما يسمونه الحامل السياسي الوطني للقضية الجنوبية, هذا الفشل سرى بدوره إلى مساعي تقريب الرؤى بين كل المكونات الحراكية في مؤتمر جامع بينها تتم فيه مدارسة وضع القضية الجنوبية, وإلى أين وصلت, وكيفية الخروج برؤية موحدة لتأسيس الحامل السياسي لها ليكون المعبر الوحيد عنها يتخاطب معه العالم بمنظماته الدولية أو أقاليمه ودوله, ويظهر قوة الحراك الجنوبي وتهيئته ليكون الممثل الوحيد للشعب الجنوبي يمكن بسهولة إيصاله لمرحلة أكثر تقدماً من حيث الانتقال لخطوات أكبر في طريق تحقيق الحل العادل للقضية الجنوبية.
هذا الفشل الذي أصاب مكونات الحراك الجنوبي ينبغي تجاوزه, والنظر إلى ما تفعله اللجان الشعبية الجنوبية في عدن التي تُعد صمام أمان الجنوب العربي من عنجهية السلطة الحوثية في صنعاء ومن خلالها تبدأ عملية التحرير والاستقلال بإنشاء فروع لها في المحافظات الجنوبية من عدن إلى المهرة, أتذكر, مع الفارق طبعاً – الدور الذي ادته طالبان في أفغانستان حين تدخلت فتجاوزت الأطراف المتنازعة في ساحات النضال والكفاح ضد الحكم الموالي للسوفيات آنذاك, ومع الفارق البسيط من حيث الأيديولوجية بين طالبان واللجان الشعبية الجنوبية التي يُذكر لها تصديها البطولي لتنظيم القاعدة وإخراجه من أبين وتصفيتها عناصره, فها هي اليوم تقف حجر عثرة أمام الأطماع الحوثية وعملائها في عدن.
إن هذه اللجان الشعبية الجنوبية إذا صدقت فيها النوايا وصفت لديها السرائر وابتعدت عن الخيانة والعمالة ضد خيارات شعب الجنوب فإنها الأمل والمستقبل المنتظر للجنوب; فسلاح القوة هو المعتبر الآن, وأما التعويل على خيار السلم بشكل مطلق فقد تم تجريبه, ولم يبق إلا خيار القوة المتزنة التي تنتزع الحق من مغتصبه وإعادته لأصحابه الذين انتزع منهم ظلماً وعدواناً طيلة 25عاماً.
ولعل ما فعله الحوثي وميليشياته من مغامرة الزحف نحو عاصمة اليمن, واكتساح معارضيه, وأرغم رئيس الدولة ورئيس الحكومة على الاستقالة بل حجر عليهما ومن معهما من الوزراء.. ما فعله الحوثي يُكرر ما فعله نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح عندما أفشل الوحدة في استخدامه خيار القوة واكتساحه للجنوب الأعزل الذي دخل الوحدة وهو يرسم في مخيلته مستقبلاً رائعاً جميلاً ينسيه أيام الاشتراكي الذي أخطأ في حق شعبه ببعض تصرفاته الخاطئة إلا أن الجنوبيين اكتشفوا أن ما اقترفه النظام السابق في حقهم أسوأ بشكل مضاعف مما اقترفه النظام الاشتراكي.
إن اسراع الأطياف السياسية الجنوبية, في الداخل والخارج, والتحرك الفاعل من قبل دول مجلس التعاون الخليجي نحو دعم اللجان الشعبية والوقوف معها ومؤازرتها, ثم بلورة عمل سياسي على أرض الجنوب العربي حتى يتم قطع الطريق عن أي مخططات وسيناريوهات دموية تنسج خيوطها مراكز القوى في الشمال الخانعة لقوة الحضور الحوثي هو الأمل الوحيد لأمن دول الخليج العربي.