القائم بأعمال وزير العدل يترأس اجتماع مجلس إدارة صندوق دعم القضاء    بليغ المخلافي.. رمزًا من رموز العطاء الوطني    هولوكست القرن 21    0محمد اليدومي والإصلاح.. الوجه اليمني لانتهازية الإخوان    انطلاق بطولة كأس الخليج للناشئين في قطر    شباب اليمن يحيون ذكرى 21 سبتمبر بفعاليات كشفية وثقافية ورياضية    وفاة 4 من أسرة واحدة في حادث مروع بالجوف    حريق هائل يلتهم أجزاء من سوق الزنداني في الحوبان شرقي تعز    نزال من العيار الثقيل يجمع الأقرع وجلال في نصف نهائي بطولة المقاتلين المحترفين بالرياض    بورصة مسقط تستأنف صعودها    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    مظاهرة غاضبة في تعز تطالب بسرعة ضبط قتلة المشهري وتقديمهم للعدالة    إب.. وفاة طفلين وإصابة 8 آخرين اختناقا جراء استنشاقهم أول أكسيد الكربون    التخدير الإعلامي والدبلوماسي: قمم بلا أفعال    زرعتها المليشيا.. مسام ينزع 1,103 لغماً خلال الاسبوع الثاني من سبتمبر    قيادي انتقالي.. الرئاسي انتهى والبيان جرعة تخدير    الصحفي الذي يعرف كل شيء    خصوم الانتقالي يتساقطون    بسبب الفوضى: تهريب نفط حضرموت إلى المهرة    وكالة تكشف عن توجه ترامب لإصدار مرسوم يرفع رسوم تأشيرة العمل إلى الولايات المتحدة    ضربة أمريكية لسفينة فنزويلية يتهمها ترامب بتهريب المخدرات    البرازيل تنضم لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    قلت ما يجب أن يقال    الرشيد يصل نهائي بيسان ، بعد الفوز على الاهلي بهدف نظيف، وسط زخم جماهيري وحضور شعبي الاول من نوعة منذ انطلاق البطولة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ عبد الله أحمد القاضي    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    متفوقاً على ميسي.. هالاند يكتب التاريخ في دوري الأبطال    مانشستر سيتي يتفوق على نابولي وبرشلونة يقتنص الفوز من نيوكاسل    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    الربيزي يُعزي في وفاة المناضل أديب العيسي    محافظة الجوف: نهضة زراعية غير مسبوقة بفضل ثورة ال 21 من سبتمبر    الأرصاد يخفض الإنذار إلى تحذير وخبير في الطقس يؤكد تلاشي المنخفض الجوي.. التوقعات تشير إلى استمرار الهطول    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    جائزة الكرة الذهبية.. موعد الحفل والمرشحون    البوندسليجا حصرياً على أثير عدنية FM بالشراكة مع دويتشه فيله    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    الصمت شراكة في إثم الدم    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن ينزلق إلى حرب أهلية
نشر في عدن الغد يوم 26 - 03 - 2015

غلب على المشهد العام في اليمن خلال الأيام المنصرمة حالة تصعيد متواترة سياسياً وميدانياً، فيما لم تلح أية بادرة من الأطراف المعنية في البلاد للتراجع عن وضع يتجه نحو الأسوأ . ففي مقابل خطاب للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من مدينة عدن دعا فيه الجميع للحوار، صرخ زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي من مدينة صعدة بالدعوة للحرب ورفد معسكرات الجيش بالمقاتلين .
مع استمرار الحشد العسكري والحشد العسكري المضاد على نحو واسع على مناطق الحدود الشطرية السابقة بين الشمال والجنوب، كانت ما تسمى اللجنة الثورية التابعة للحوثيين تعلن التعبئة العامة بتاريخ 21 مارس/ آذار، ليلحقه تصعيد أكبر من زعيم الحوثيين بالإعلان عن الخطوات العملية قبل ساعة الصفر، برفد المعسكرات بالمقاتلين ودعم التعبئة بالمال والقوافل الغذائية في خطابه يوم 22 مارس/ آذار .
المثير للاستغراب أن الرئيس السابق علي صالح حاول الاثنين الماضي، مع تصاعد المواقف المناهضة للحرب على الجنوب بحجة محاربة القاعدة والتكفيريين، أن يظهر بعيداً عن المشهد المتأزم بدعوته الرئيس هادي وعبد الملك الحوثي "لوقف الحشود والصدامات للحفاظ على أمن المواطن والوطن"، بينما كان هو أول من هدد علناً باجتياح الجنوب وطرد هادي أو كما قال: "لن يترك له إلا منفذاً واحداً للهروب من عدن"، فيما تحالفه مع الحوثي لا يخفى على أحد .
في الأثناء بدا المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر كمن لا حول له ولا قوة، بينما يدير مشاورات ومفاوضات أو حواراً مفترضاً في صنعاء، أراده الحوثيون غطاء سياسياً لهم، وفي الآن ذاته، يهيئون انفسهم عسكرياً لمعارك مقبلة، أما الأحزاب التي يتحلق ممثلوها حول طاولة بنعمر فبدت متخبطة وفي حالة عجز شديد، توزع أدوارها في الاقتراب من هادي والتمسك بشرعيته والمشاركة في حوار صنعاء إلى جانب انصار الله (الحوثيين)، في حين يصفونهم بالمنقلبين على الشرعية .
مثلت جريمة تفجير مسجدي بدر والحشحوش في صنعاء يوم الجمعة الماضي ومقتل وجرح المئات وقبلها بيوم جريمة اغتيال القيادي الحوثي البارز عبدالكريم الخيواني تحولاً حاداً في المشهد اليمني لجهة تشدد موقف الحوثيين واتخاذهم ذلك ذريعة لشن الحرب على الجنوب "لمحاربة القاعدة و"الدواعش" التي يتعاون هادي ومليشياته الجنوبية معهم"، حسب زعم الحوثيين، "في حين أنهم يعلمون أن هذه المجاميع الموجودة من القاعدة في الجنوب هي من صنع حلفاء الحوثيين وتتحرك بأمر هؤلاء الحلفاء"، كما أشار القيادي الجنوبي حيدر العطاس، في إشارة إلى صالح . لم يفوت الحوثيون وفريق صالح السياسي والإعلامي استثمار تداعيات معركة مطار عدن وتحرير معسكر قوات الأمن الخاصة فيها، الذي كان رأس حربة لصالح والحوثيين هناك، وكان مؤملاً من قائده المُقال العميد عبدالحافظ السقاف أن يقلب الوضع في عدن لصالح الانقلابيين بعد أن حاولت قواته يوم 19 مارس/ آذار السيطرة على مطار عدن، والاستفادة من واقعة إقدام عناصر القاعدة الاعتداء على المباني الرسمية والعسكرية في مدينة الحوطة بمحافظة لحج، والتي سيطروا عليها لساعات عدة وقتل 19 جندياً بصورة بشعة ونهب أسلحة ثقيلة، قبل أن يفروا أمام تقدم قوات من الجيش واللجان الشعبية وإعادة السيطرة على الحوطة .
لكن مقابل ذلك شكل الانتصار في معركة المطار وإنهاء تمرد العميد السقاف في عدن من قبل قوات الجيش واللجان الشعبية التي قادها وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، دفعاً قوياً لجبهة الرئيس هادي، حيث كان منطلقاً جديداً ليعزز هادي وقواته جبهة محافظات الجنوب المحاذية لمحافظة تعز والضالع وابين، وهي المنافذ التي يسعى الحوثيون الدخول منها إلى عدن .
هكذا شكل التحول في المشهد العسكري والأمني في عدن فرصة أكبر لالتفاف واسع في الجنوب حول هادي، تعزز كثيراً في الأسبوع الأخير وبات بإمكان القيادات العسكرية هناك تنظيم وتعزيز الدفاع عن الحدود الجنوبية، ولعل هذا التحول استفز صالح والحوثيين الذين أرسلوا طائرات حربية للإغارة على مقر إقامته في قصر المعاشيق في عدن، لكن دون جدوى .
وعليه بدا هادي واثقاً عندما خاطب الحوثيين وصالح بالقول إن العام 2015 ليس هو العام ،1994 فقد تغيرت المعادلة على الأرض وفي القناعات عند الشعب في الجنوب، ولعل هذا ما دلل عليه الحزب الاشتراكي بالقول: "إن شن حرب عدوانية جديدة ضد الجنوب وبيئته السياسية والاجتماعية ستنطوي على عواقب لا يخال الذاهبون إلى الحرب مداها وفداحتها . ولن تشبه عواقب أي حرب سابقة من الحروب التي شنها تحالف الحرب والتقويض في صنعاء" .
الأسوأ في المشهد اليمني أن الاصطفاف السياسي والعسكري والمجتمعي يبدو في الأغلب جهوياً بين الشمال والجنوب، وهو الأمر الذي ستكون له تداعياته لاحقاً، بما يكرس انفصالاً غير معلن حتى الآن، غير أن هذا لا يلغي الاصطفاف الوطني اليمني ضد دعاة الحرب، فمع توجه حشود الحوثيين وقوات صالح إلى الجنوب برز أمامها حائط شعبي سلمي في تعز، التي أُريد لها أن تكون مؤخرة عسكرية ومنطقة حشد وانطلاق نحو عدن، فرفض أبناؤها تواجد الميليشيات المسلحة للحوثيين ورفضوا الحرب على الجنوب . يرفع الحوثيون لافتة الحرب على الإرهاب والقاعدة لاقتحام الجنوب، إلا أن ارتكاب حماقة كهذه ستكلفهم الكثير، بعد الاصطفاف الجنوبي الواسع هناك، وخاصة بعد دعوة فصائل الحراك الجنوبي التي لم تكن إلى وقت قريب تقبل الوقوف إلى جانب هادي إلى التوجه إلى الجبهات الأمامية، التي تُسيج العاصمة الجنوبية عدن .
يرى عسكري متقاعد شارك في حرب تحرير جنوب اليمن من الاستعمار، أن أي محاولة لاقتحام المناطق الجنوبية والدخول إلى عدن عملية غير سهلة ومكلفة جداً، فالحشد الشعبي واسع ومسلح إلى جانب قوات عسكرية نظامية وعسكريين ذوي خبرة ومؤهلين، وما يميز الأمر أن الحشد الشعبي، من أبناء المناطق نفسها، سيدافعون عنها في حرب شوارع أهلية، والحزام الأمني حول عدن محكم .
ورجح أن ما يقوم به الحوثيون هو ممارسة الضغوط من خلال الحشد العسكري والترهيب بالإعلام والدعاية والاغارة بالطيران الحربي على عدن، وإن حدث الهجوم على الجنوب ستحل الفوضى وسيتحول الأمر إلى حرب مفتوحة، وسيواجه الغزو الجديد بمقاومة شعبية شرسة، ستتخذ أكثر من شكل، مذكراً بقول بنعمر أمام مجلس الأمن "إن من الوهم الاعتقاد بإمكانية أن يسيطر الحوثيون على اليمن بأكمله أو أن يستطيع الرئيس عبد ربه منصور هادي حشد ما يكفي من القوات لتحرير البلاد"، و"أن أي جانب يريد دفع البلاد في أي من الاتجاهين سيتسبب في صراع ممتد في سياق سيناريو مجمع للعراق وليبيا وسوريا" .
وأمام تفاصيل الموقف المعقد والخطر تبرز الفرضية المؤكدة في المشهد، وهي أن جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، ماضية في مشروعها، في حين جبهتها العسكرية في محافظة مأرب تواجه مقاومة كبيرة، أوقفت الجماعة عند حدودها، وهجمات موجعة تتعرض لها في البيضاء من قبل مسلحين قبليين مدعومين بعناصر القاعدة .
وفي جبهة الجنوب يبدو هادي مدافعاً عن الشرعية ورافضاً للتمدد الحوثي، وهو الأمر الذي مثل مدخلاً لطلب تقدم به وزير خارجيته لمجلس التعاون الخليجي بمساعدة درع الجزيرة، وتأكيده على رد إيجابي تلقاه .
ويعزز الموقف الخليجي الواعد بتحرك إيجابي وقوي لجهة دعم شرعية هادي، اتفاق مسؤولين خليجيين رفيعي المستوى في الرياض الاحد الماضي على إجراءات لتصعيد الضغوط السياسية والأمنية على الحوثيين في اليمن وحلفائهم من جماعة صالح . بالمقابل جاء موقف مجلس الأمن الأخير مخيباً للآمال، عندما أصدر بياناً رئاسياً غير ملزم، لم يرتق إلى مستوى الحدث، كما كان متوقعاً لدى اليمنيين، غير أن هناك تفسيراً آخر لهذا الموقف مفاده أن المجتمع الدولي، يترك دول الخليج لتتصدى في المقام الأول للأزمة اليمنية .
ورغم كل التوقعات في أسوأ احتمالاتها لنهاية المشهد المتوتر، إلا أنه ليس من المستبعد أن تضطر جماعة الحوثي وعلي صالح الانصياع للإرادة الوطنية والإقليمية والدولية ويوقفون التصعيد، والقبول بالحوار خارج اليمن للتوصل إلى تسوية للأزمة، لأنهم سيدركون أن ليس بالإمكان أن يحققوا نصراً عسكرياً حاسماً في كل اليمن، وتحديداً في الجنوب، الذي بات بيئة رافضة كلياً لصالح والحوثيين، فيما لا يزال تنظيم "القاعدة" هو المستفيد في هذا الوضع المضطرب .
لتعبئة العامة بتاريخ 21 مارس/ آذار، ليلحقه تصعيد أكبر من زعيم الحوثيين بالإعلان عن الخطوات العملية قبل ساعة الصفر، برفد المعسكرات بالمقاتلين ودعم التعبئة بالمال والقوافل الغذائية في خطابه يوم 22 مارس/ آذار .
المثير للاستغراب أن الرئيس السابق علي صالح حاول الاثنين الماضي، مع تصاعد المواقف المناهضة للحرب على الجنوب بحجة محاربة القاعدة والتكفيريين، أن يظهر بعيداً عن المشهد المتأزم بدعوته الرئيس هادي وعبد الملك الحوثي "لوقف الحشود والصدامات للحفاظ على أمن المواطن والوطن"، بينما كان هو أول من هدد علناً باجتياح الجنوب وطرد هادي أو كما قال: "لن يترك له إلا منفذاً واحداً للهروب من عدن"، فيما تحالفه مع الحوثي لا يخفى على أحد .
في الأثناء بدا المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر كمن لا حول له ولا قوة، بينما يدير مشاورات ومفاوضات أو حواراً مفترضاً في صنعاء، أراده الحوثيون غطاء سياسياً لهم، وفي الآن ذاته، يهيئون انفسهم عسكرياً لمعارك مقبلة، أما الأحزاب التي يتحلق ممثلوها حول طاولة بنعمر فبدت متخبطة وفي حالة عجز شديد، توزع أدوارها في الاقتراب من هادي والتمسك بشرعيته والمشاركة في حوار صنعاء إلى جانب انصار الله (الحوثيين)، في حين يصفونهم بالمنقلبين على الشرعية .
مثلت جريمة تفجير مسجدي بدر والحشحوش في صنعاء يوم الجمعة الماضي ومقتل وجرح المئات وقبلها بيوم جريمة اغتيال القيادي الحوثي البارز عبدالكريم الخيواني تحولاً حاداً في المشهد اليمني لجهة تشدد موقف الحوثيين واتخاذهم ذلك ذريعة لشن الحرب على الجنوب "لمحاربة القاعدة و"الدواعش" التي يتعاون هادي ومليشياته الجنوبية معهم"، حسب زعم الحوثيين، "في حين أنهم يعلمون أن هذه المجاميع الموجودة من القاعدة في الجنوب هي من صنع حلفاء الحوثيين وتتحرك بأمر هؤلاء الحلفاء"، كما أشار القيادي الجنوبي حيدر العطاس، في إشارة إلى صالح . لم يفوت الحوثيون وفريق صالح السياسي والإعلامي استثمار تداعيات معركة مطار عدن وتحرير معسكر قوات الأمن الخاصة فيها، الذي كان رأس حربة لصالح والحوثيين هناك، وكان مؤملاً من قائده المُقال العميد عبدالحافظ السقاف أن يقلب الوضع في عدن لصالح الانقلابيين بعد أن حاولت قواته يوم 19 مارس/ آذار السيطرة على مطار عدن، والاستفادة من واقعة إقدام عناصر القاعدة الاعتداء على المباني الرسمية والعسكرية في مدينة الحوطة بمحافظة لحج، والتي سيطروا عليها لساعات عدة وقتل 19 جندياً بصورة بشعة ونهب أسلحة ثقيلة، قبل أن يفروا أمام تقدم قوات من الجيش واللجان الشعبية وإعادة السيطرة على الحوطة .
لكن مقابل ذلك شكل الانتصار في معركة المطار وإنهاء تمرد العميد السقاف في عدن من قبل قوات الجيش واللجان الشعبية التي قادها وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، دفعاً قوياً لجبهة الرئيس هادي، حيث كان منطلقاً جديداً ليعزز هادي وقواته جبهة محافظات الجنوب المحاذية لمحافظة تعز والضالع وابين، وهي المنافذ التي يسعى الحوثيون الدخول منها إلى عدن .
هكذا شكل التحول في المشهد العسكري والأمني في عدن فرصة أكبر لالتفاف واسع في الجنوب حول هادي، تعزز كثيراً في الأسبوع الأخير وبات بإمكان القيادات العسكرية هناك تنظيم وتعزيز الدفاع عن الحدود الجنوبية، ولعل هذا التحول استفز صالح والحوثيين الذين أرسلوا طائرات حربية للإغارة على مقر إقامته في قصر المعاشيق في عدن، لكن دون جدوى .
وعليه بدا هادي واثقاً عندما خاطب الحوثيين وصالح بالقول إن العام 2015 ليس هو العام ،1994 فقد تغيرت المعادلة على الأرض وفي القناعات عند الشعب في الجنوب، ولعل هذا ما دلل عليه الحزب الاشتراكي بالقول: "إن شن حرب عدوانية جديدة ضد الجنوب وبيئته السياسية والاجتماعية ستنطوي على عواقب لا يخال الذاهبون إلى الحرب مداها وفداحتها . ولن تشبه عواقب أي حرب سابقة من الحروب التي شنها تحالف الحرب والتقويض في صنعاء" .
الأسوأ في المشهد اليمني أن الاصطفاف السياسي والعسكري والمجتمعي يبدو في الأغلب جهوياً بين الشمال والجنوب، وهو الأمر الذي ستكون له تداعياته لاحقاً، بما يكرس انفصالاً غير معلن حتى الآن، غير أن هذا لا يلغي الاصطفاف الوطني اليمني ضد دعاة الحرب، فمع توجه حشود الحوثيين وقوات صالح إلى الجنوب برز أمامها حائط شعبي سلمي في تعز، التي أُريد لها أن تكون مؤخرة عسكرية ومنطقة حشد وانطلاق نحو عدن، فرفض أبناؤها تواجد الميليشيات المسلحة للحوثيين ورفضوا الحرب على الجنوب .

يرفع الحوثيون لافتة الحرب على الإرهاب والقاعدة لاقتحام الجنوب، إلا أن ارتكاب حماقة كهذه ستكلفهم الكثير، بعد الاصطفاف الجنوبي الواسع هناك، وخاصة بعد دعوة فصائل الحراك الجنوبي التي لم تكن إلى وقت قريب تقبل الوقوف إلى جانب هادي إلى التوجه إلى الجبهات الأمامية، التي تُسيج العاصمة الجنوبية عدن .
يرى عسكري متقاعد شارك في حرب تحرير جنوب اليمن من الاستعمار، أن أي محاولة لاقتحام المناطق الجنوبية والدخول إلى عدن عملية غير سهلة ومكلفة جداً، فالحشد الشعبي واسع ومسلح إلى جانب قوات عسكرية نظامية وعسكريين ذوي خبرة ومؤهلين، وما يميز الأمر أن الحشد الشعبي، من أبناء المناطق نفسها، سيدافعون عنها في حرب شوارع أهلية، والحزام الأمني حول عدن محكم .
ورجح أن ما يقوم به الحوثيون هو ممارسة الضغوط من خلال الحشد العسكري والترهيب بالإعلام والدعاية والاغارة بالطيران الحربي على عدن، وإن حدث الهجوم على الجنوب ستحل الفوضى وسيتحول الأمر إلى حرب مفتوحة، وسيواجه الغزو الجديد بمقاومة شعبية شرسة، ستتخذ أكثر من شكل، مذكراً بقول بنعمر أمام مجلس الأمن "إن من الوهم الاعتقاد بإمكانية أن يسيطر الحوثيون على اليمن بأكمله أو أن يستطيع الرئيس عبد ربه منصور هادي حشد ما يكفي من القوات لتحرير البلاد"، و"أن أي جانب يريد دفع البلاد في أي من الاتجاهين سيتسبب في صراع ممتد في سياق سيناريو مجمع للعراق وليبيا وسوريا" .
وأمام تفاصيل الموقف المعقد والخطر تبرز الفرضية المؤكدة في المشهد، وهي أن جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، ماضية في مشروعها، في حين جبهتها العسكرية في محافظة مأرب تواجه مقاومة كبيرة، أوقفت الجماعة عند حدودها، وهجمات موجعة تتعرض لها في البيضاء من قبل مسلحين قبليين مدعومين بعناصر القاعدة .
وفي جبهة الجنوب يبدو هادي مدافعاً عن الشرعية ورافضاً للتمدد الحوثي، وهو الأمر الذي مثل مدخلاً لطلب تقدم به وزير خارجيته لمجلس التعاون الخليجي بمساعدة درع الجزيرة، وتأكيده على رد إيجابي تلقاه .
ويعزز الموقف الخليجي الواعد بتحرك إيجابي وقوي لجهة دعم شرعية هادي، اتفاق مسؤولين خليجيين رفيعي المستوى في الرياض الاحد الماضي على إجراءات لتصعيد الضغوط السياسية والأمنية على الحوثيين في اليمن وحلفائهم من جماعة صالح . بالمقابل جاء موقف مجلس الأمن الأخير مخيباً للآمال، عندما أصدر بياناً رئاسياً غير ملزم، لم يرتق إلى مستوى الحدث، كما كان متوقعاً لدى اليمنيين، غير أن هناك تفسيراً آخر لهذا الموقف مفاده أن المجتمع الدولي، يترك دول الخليج لتتصدى في المقام الأول للأزمة اليمنية .

ورغم كل التوقعات في أسوأ احتمالاتها لنهاية المشهد المتوتر، إلا أنه ليس من المستبعد أن تضطر جماعة الحوثي وعلي صالح الانصياع للإرادة الوطنية والإقليمية والدولية ويوقفون التصعيد، والقبول بالحوار خارج اليمن للتوصل إلى تسوية للأزمة، لأنهم سيدركون أن ليس بالإمكان أن يحققوا نصراً عسكرياً حاسماً في كل اليمن، وتحديداً في الجنوب، الذي بات بيئة رافضة كلياً لصالح والحوثيين، فيما لا يزال تنظيم "القاعدة" هو المستفيد في هذا الوضع المضطرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.