ضبط الخلايا التجسسية.. صفعة قوية للعدو    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    التدريب في عدد من الدول.. من اعترافات الجواسيس: تلقينا تدريبات على أيدي ضباط أمريكيين وإسرائيليين في الرياض    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    الدوري الانكليزي: مان سيتي يسترجع امجاد الماضي بثلاثية مدوية امام ليفربول    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    شعبة الثقافة الجهادية في المنطقة العسكرية الرابعة تُحيي ذكرى الشهيد    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    قبائل وصاب السافل في ذمار تعلن النفير والجهوزية لمواجهة مخططات الأعداء    هيئة الآثار تستأنف إصدار مجلة "المتحف اليمني" بعد انقطاع 16 عاما    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    حزام الأسد: بلاد الحرمين تحولت إلى منصة صهيونية لاستهداف كل من يناصر فلسطين    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    عملية ومكر اولئك هو يبور ضربة استخباراتية نوعية لانجاز امني    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    عين الوطن الساهرة (1)    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    المستشفى العسكري يدشن مخيم لاسر الشهداء بميدان السبعين    وفاة جيمس واتسون.. العالم الذي فكّ شيفرة الحمض النووي    بحضور رسمي وشعبي واسع.. تشييع مهيب للداعية ممدوح الحميري في تعز    الهجرة الدولية ترصد نزوح 69 أسرة من مختلف المحافظات خلال الأسبوع الماضي    القبض على مطلوب أمني خطير في اب    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    ضيوف الحضرة الإلهية    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن ينزلق إلى حرب أهلية
نشر في عدن الغد يوم 26 - 03 - 2015

غلب على المشهد العام في اليمن خلال الأيام المنصرمة حالة تصعيد متواترة سياسياً وميدانياً، فيما لم تلح أية بادرة من الأطراف المعنية في البلاد للتراجع عن وضع يتجه نحو الأسوأ . ففي مقابل خطاب للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من مدينة عدن دعا فيه الجميع للحوار، صرخ زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي من مدينة صعدة بالدعوة للحرب ورفد معسكرات الجيش بالمقاتلين .
مع استمرار الحشد العسكري والحشد العسكري المضاد على نحو واسع على مناطق الحدود الشطرية السابقة بين الشمال والجنوب، كانت ما تسمى اللجنة الثورية التابعة للحوثيين تعلن التعبئة العامة بتاريخ 21 مارس/ آذار، ليلحقه تصعيد أكبر من زعيم الحوثيين بالإعلان عن الخطوات العملية قبل ساعة الصفر، برفد المعسكرات بالمقاتلين ودعم التعبئة بالمال والقوافل الغذائية في خطابه يوم 22 مارس/ آذار .
المثير للاستغراب أن الرئيس السابق علي صالح حاول الاثنين الماضي، مع تصاعد المواقف المناهضة للحرب على الجنوب بحجة محاربة القاعدة والتكفيريين، أن يظهر بعيداً عن المشهد المتأزم بدعوته الرئيس هادي وعبد الملك الحوثي "لوقف الحشود والصدامات للحفاظ على أمن المواطن والوطن"، بينما كان هو أول من هدد علناً باجتياح الجنوب وطرد هادي أو كما قال: "لن يترك له إلا منفذاً واحداً للهروب من عدن"، فيما تحالفه مع الحوثي لا يخفى على أحد .
في الأثناء بدا المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر كمن لا حول له ولا قوة، بينما يدير مشاورات ومفاوضات أو حواراً مفترضاً في صنعاء، أراده الحوثيون غطاء سياسياً لهم، وفي الآن ذاته، يهيئون انفسهم عسكرياً لمعارك مقبلة، أما الأحزاب التي يتحلق ممثلوها حول طاولة بنعمر فبدت متخبطة وفي حالة عجز شديد، توزع أدوارها في الاقتراب من هادي والتمسك بشرعيته والمشاركة في حوار صنعاء إلى جانب انصار الله (الحوثيين)، في حين يصفونهم بالمنقلبين على الشرعية .
مثلت جريمة تفجير مسجدي بدر والحشحوش في صنعاء يوم الجمعة الماضي ومقتل وجرح المئات وقبلها بيوم جريمة اغتيال القيادي الحوثي البارز عبدالكريم الخيواني تحولاً حاداً في المشهد اليمني لجهة تشدد موقف الحوثيين واتخاذهم ذلك ذريعة لشن الحرب على الجنوب "لمحاربة القاعدة و"الدواعش" التي يتعاون هادي ومليشياته الجنوبية معهم"، حسب زعم الحوثيين، "في حين أنهم يعلمون أن هذه المجاميع الموجودة من القاعدة في الجنوب هي من صنع حلفاء الحوثيين وتتحرك بأمر هؤلاء الحلفاء"، كما أشار القيادي الجنوبي حيدر العطاس، في إشارة إلى صالح . لم يفوت الحوثيون وفريق صالح السياسي والإعلامي استثمار تداعيات معركة مطار عدن وتحرير معسكر قوات الأمن الخاصة فيها، الذي كان رأس حربة لصالح والحوثيين هناك، وكان مؤملاً من قائده المُقال العميد عبدالحافظ السقاف أن يقلب الوضع في عدن لصالح الانقلابيين بعد أن حاولت قواته يوم 19 مارس/ آذار السيطرة على مطار عدن، والاستفادة من واقعة إقدام عناصر القاعدة الاعتداء على المباني الرسمية والعسكرية في مدينة الحوطة بمحافظة لحج، والتي سيطروا عليها لساعات عدة وقتل 19 جندياً بصورة بشعة ونهب أسلحة ثقيلة، قبل أن يفروا أمام تقدم قوات من الجيش واللجان الشعبية وإعادة السيطرة على الحوطة .
لكن مقابل ذلك شكل الانتصار في معركة المطار وإنهاء تمرد العميد السقاف في عدن من قبل قوات الجيش واللجان الشعبية التي قادها وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، دفعاً قوياً لجبهة الرئيس هادي، حيث كان منطلقاً جديداً ليعزز هادي وقواته جبهة محافظات الجنوب المحاذية لمحافظة تعز والضالع وابين، وهي المنافذ التي يسعى الحوثيون الدخول منها إلى عدن .
هكذا شكل التحول في المشهد العسكري والأمني في عدن فرصة أكبر لالتفاف واسع في الجنوب حول هادي، تعزز كثيراً في الأسبوع الأخير وبات بإمكان القيادات العسكرية هناك تنظيم وتعزيز الدفاع عن الحدود الجنوبية، ولعل هذا التحول استفز صالح والحوثيين الذين أرسلوا طائرات حربية للإغارة على مقر إقامته في قصر المعاشيق في عدن، لكن دون جدوى .
وعليه بدا هادي واثقاً عندما خاطب الحوثيين وصالح بالقول إن العام 2015 ليس هو العام ،1994 فقد تغيرت المعادلة على الأرض وفي القناعات عند الشعب في الجنوب، ولعل هذا ما دلل عليه الحزب الاشتراكي بالقول: "إن شن حرب عدوانية جديدة ضد الجنوب وبيئته السياسية والاجتماعية ستنطوي على عواقب لا يخال الذاهبون إلى الحرب مداها وفداحتها . ولن تشبه عواقب أي حرب سابقة من الحروب التي شنها تحالف الحرب والتقويض في صنعاء" .
الأسوأ في المشهد اليمني أن الاصطفاف السياسي والعسكري والمجتمعي يبدو في الأغلب جهوياً بين الشمال والجنوب، وهو الأمر الذي ستكون له تداعياته لاحقاً، بما يكرس انفصالاً غير معلن حتى الآن، غير أن هذا لا يلغي الاصطفاف الوطني اليمني ضد دعاة الحرب، فمع توجه حشود الحوثيين وقوات صالح إلى الجنوب برز أمامها حائط شعبي سلمي في تعز، التي أُريد لها أن تكون مؤخرة عسكرية ومنطقة حشد وانطلاق نحو عدن، فرفض أبناؤها تواجد الميليشيات المسلحة للحوثيين ورفضوا الحرب على الجنوب . يرفع الحوثيون لافتة الحرب على الإرهاب والقاعدة لاقتحام الجنوب، إلا أن ارتكاب حماقة كهذه ستكلفهم الكثير، بعد الاصطفاف الجنوبي الواسع هناك، وخاصة بعد دعوة فصائل الحراك الجنوبي التي لم تكن إلى وقت قريب تقبل الوقوف إلى جانب هادي إلى التوجه إلى الجبهات الأمامية، التي تُسيج العاصمة الجنوبية عدن .
يرى عسكري متقاعد شارك في حرب تحرير جنوب اليمن من الاستعمار، أن أي محاولة لاقتحام المناطق الجنوبية والدخول إلى عدن عملية غير سهلة ومكلفة جداً، فالحشد الشعبي واسع ومسلح إلى جانب قوات عسكرية نظامية وعسكريين ذوي خبرة ومؤهلين، وما يميز الأمر أن الحشد الشعبي، من أبناء المناطق نفسها، سيدافعون عنها في حرب شوارع أهلية، والحزام الأمني حول عدن محكم .
ورجح أن ما يقوم به الحوثيون هو ممارسة الضغوط من خلال الحشد العسكري والترهيب بالإعلام والدعاية والاغارة بالطيران الحربي على عدن، وإن حدث الهجوم على الجنوب ستحل الفوضى وسيتحول الأمر إلى حرب مفتوحة، وسيواجه الغزو الجديد بمقاومة شعبية شرسة، ستتخذ أكثر من شكل، مذكراً بقول بنعمر أمام مجلس الأمن "إن من الوهم الاعتقاد بإمكانية أن يسيطر الحوثيون على اليمن بأكمله أو أن يستطيع الرئيس عبد ربه منصور هادي حشد ما يكفي من القوات لتحرير البلاد"، و"أن أي جانب يريد دفع البلاد في أي من الاتجاهين سيتسبب في صراع ممتد في سياق سيناريو مجمع للعراق وليبيا وسوريا" .
وأمام تفاصيل الموقف المعقد والخطر تبرز الفرضية المؤكدة في المشهد، وهي أن جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، ماضية في مشروعها، في حين جبهتها العسكرية في محافظة مأرب تواجه مقاومة كبيرة، أوقفت الجماعة عند حدودها، وهجمات موجعة تتعرض لها في البيضاء من قبل مسلحين قبليين مدعومين بعناصر القاعدة .
وفي جبهة الجنوب يبدو هادي مدافعاً عن الشرعية ورافضاً للتمدد الحوثي، وهو الأمر الذي مثل مدخلاً لطلب تقدم به وزير خارجيته لمجلس التعاون الخليجي بمساعدة درع الجزيرة، وتأكيده على رد إيجابي تلقاه .
ويعزز الموقف الخليجي الواعد بتحرك إيجابي وقوي لجهة دعم شرعية هادي، اتفاق مسؤولين خليجيين رفيعي المستوى في الرياض الاحد الماضي على إجراءات لتصعيد الضغوط السياسية والأمنية على الحوثيين في اليمن وحلفائهم من جماعة صالح . بالمقابل جاء موقف مجلس الأمن الأخير مخيباً للآمال، عندما أصدر بياناً رئاسياً غير ملزم، لم يرتق إلى مستوى الحدث، كما كان متوقعاً لدى اليمنيين، غير أن هناك تفسيراً آخر لهذا الموقف مفاده أن المجتمع الدولي، يترك دول الخليج لتتصدى في المقام الأول للأزمة اليمنية .
ورغم كل التوقعات في أسوأ احتمالاتها لنهاية المشهد المتوتر، إلا أنه ليس من المستبعد أن تضطر جماعة الحوثي وعلي صالح الانصياع للإرادة الوطنية والإقليمية والدولية ويوقفون التصعيد، والقبول بالحوار خارج اليمن للتوصل إلى تسوية للأزمة، لأنهم سيدركون أن ليس بالإمكان أن يحققوا نصراً عسكرياً حاسماً في كل اليمن، وتحديداً في الجنوب، الذي بات بيئة رافضة كلياً لصالح والحوثيين، فيما لا يزال تنظيم "القاعدة" هو المستفيد في هذا الوضع المضطرب .
لتعبئة العامة بتاريخ 21 مارس/ آذار، ليلحقه تصعيد أكبر من زعيم الحوثيين بالإعلان عن الخطوات العملية قبل ساعة الصفر، برفد المعسكرات بالمقاتلين ودعم التعبئة بالمال والقوافل الغذائية في خطابه يوم 22 مارس/ آذار .
المثير للاستغراب أن الرئيس السابق علي صالح حاول الاثنين الماضي، مع تصاعد المواقف المناهضة للحرب على الجنوب بحجة محاربة القاعدة والتكفيريين، أن يظهر بعيداً عن المشهد المتأزم بدعوته الرئيس هادي وعبد الملك الحوثي "لوقف الحشود والصدامات للحفاظ على أمن المواطن والوطن"، بينما كان هو أول من هدد علناً باجتياح الجنوب وطرد هادي أو كما قال: "لن يترك له إلا منفذاً واحداً للهروب من عدن"، فيما تحالفه مع الحوثي لا يخفى على أحد .
في الأثناء بدا المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر كمن لا حول له ولا قوة، بينما يدير مشاورات ومفاوضات أو حواراً مفترضاً في صنعاء، أراده الحوثيون غطاء سياسياً لهم، وفي الآن ذاته، يهيئون انفسهم عسكرياً لمعارك مقبلة، أما الأحزاب التي يتحلق ممثلوها حول طاولة بنعمر فبدت متخبطة وفي حالة عجز شديد، توزع أدوارها في الاقتراب من هادي والتمسك بشرعيته والمشاركة في حوار صنعاء إلى جانب انصار الله (الحوثيين)، في حين يصفونهم بالمنقلبين على الشرعية .
مثلت جريمة تفجير مسجدي بدر والحشحوش في صنعاء يوم الجمعة الماضي ومقتل وجرح المئات وقبلها بيوم جريمة اغتيال القيادي الحوثي البارز عبدالكريم الخيواني تحولاً حاداً في المشهد اليمني لجهة تشدد موقف الحوثيين واتخاذهم ذلك ذريعة لشن الحرب على الجنوب "لمحاربة القاعدة و"الدواعش" التي يتعاون هادي ومليشياته الجنوبية معهم"، حسب زعم الحوثيين، "في حين أنهم يعلمون أن هذه المجاميع الموجودة من القاعدة في الجنوب هي من صنع حلفاء الحوثيين وتتحرك بأمر هؤلاء الحلفاء"، كما أشار القيادي الجنوبي حيدر العطاس، في إشارة إلى صالح . لم يفوت الحوثيون وفريق صالح السياسي والإعلامي استثمار تداعيات معركة مطار عدن وتحرير معسكر قوات الأمن الخاصة فيها، الذي كان رأس حربة لصالح والحوثيين هناك، وكان مؤملاً من قائده المُقال العميد عبدالحافظ السقاف أن يقلب الوضع في عدن لصالح الانقلابيين بعد أن حاولت قواته يوم 19 مارس/ آذار السيطرة على مطار عدن، والاستفادة من واقعة إقدام عناصر القاعدة الاعتداء على المباني الرسمية والعسكرية في مدينة الحوطة بمحافظة لحج، والتي سيطروا عليها لساعات عدة وقتل 19 جندياً بصورة بشعة ونهب أسلحة ثقيلة، قبل أن يفروا أمام تقدم قوات من الجيش واللجان الشعبية وإعادة السيطرة على الحوطة .
لكن مقابل ذلك شكل الانتصار في معركة المطار وإنهاء تمرد العميد السقاف في عدن من قبل قوات الجيش واللجان الشعبية التي قادها وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، دفعاً قوياً لجبهة الرئيس هادي، حيث كان منطلقاً جديداً ليعزز هادي وقواته جبهة محافظات الجنوب المحاذية لمحافظة تعز والضالع وابين، وهي المنافذ التي يسعى الحوثيون الدخول منها إلى عدن .
هكذا شكل التحول في المشهد العسكري والأمني في عدن فرصة أكبر لالتفاف واسع في الجنوب حول هادي، تعزز كثيراً في الأسبوع الأخير وبات بإمكان القيادات العسكرية هناك تنظيم وتعزيز الدفاع عن الحدود الجنوبية، ولعل هذا التحول استفز صالح والحوثيين الذين أرسلوا طائرات حربية للإغارة على مقر إقامته في قصر المعاشيق في عدن، لكن دون جدوى .
وعليه بدا هادي واثقاً عندما خاطب الحوثيين وصالح بالقول إن العام 2015 ليس هو العام ،1994 فقد تغيرت المعادلة على الأرض وفي القناعات عند الشعب في الجنوب، ولعل هذا ما دلل عليه الحزب الاشتراكي بالقول: "إن شن حرب عدوانية جديدة ضد الجنوب وبيئته السياسية والاجتماعية ستنطوي على عواقب لا يخال الذاهبون إلى الحرب مداها وفداحتها . ولن تشبه عواقب أي حرب سابقة من الحروب التي شنها تحالف الحرب والتقويض في صنعاء" .
الأسوأ في المشهد اليمني أن الاصطفاف السياسي والعسكري والمجتمعي يبدو في الأغلب جهوياً بين الشمال والجنوب، وهو الأمر الذي ستكون له تداعياته لاحقاً، بما يكرس انفصالاً غير معلن حتى الآن، غير أن هذا لا يلغي الاصطفاف الوطني اليمني ضد دعاة الحرب، فمع توجه حشود الحوثيين وقوات صالح إلى الجنوب برز أمامها حائط شعبي سلمي في تعز، التي أُريد لها أن تكون مؤخرة عسكرية ومنطقة حشد وانطلاق نحو عدن، فرفض أبناؤها تواجد الميليشيات المسلحة للحوثيين ورفضوا الحرب على الجنوب .

يرفع الحوثيون لافتة الحرب على الإرهاب والقاعدة لاقتحام الجنوب، إلا أن ارتكاب حماقة كهذه ستكلفهم الكثير، بعد الاصطفاف الجنوبي الواسع هناك، وخاصة بعد دعوة فصائل الحراك الجنوبي التي لم تكن إلى وقت قريب تقبل الوقوف إلى جانب هادي إلى التوجه إلى الجبهات الأمامية، التي تُسيج العاصمة الجنوبية عدن .
يرى عسكري متقاعد شارك في حرب تحرير جنوب اليمن من الاستعمار، أن أي محاولة لاقتحام المناطق الجنوبية والدخول إلى عدن عملية غير سهلة ومكلفة جداً، فالحشد الشعبي واسع ومسلح إلى جانب قوات عسكرية نظامية وعسكريين ذوي خبرة ومؤهلين، وما يميز الأمر أن الحشد الشعبي، من أبناء المناطق نفسها، سيدافعون عنها في حرب شوارع أهلية، والحزام الأمني حول عدن محكم .
ورجح أن ما يقوم به الحوثيون هو ممارسة الضغوط من خلال الحشد العسكري والترهيب بالإعلام والدعاية والاغارة بالطيران الحربي على عدن، وإن حدث الهجوم على الجنوب ستحل الفوضى وسيتحول الأمر إلى حرب مفتوحة، وسيواجه الغزو الجديد بمقاومة شعبية شرسة، ستتخذ أكثر من شكل، مذكراً بقول بنعمر أمام مجلس الأمن "إن من الوهم الاعتقاد بإمكانية أن يسيطر الحوثيون على اليمن بأكمله أو أن يستطيع الرئيس عبد ربه منصور هادي حشد ما يكفي من القوات لتحرير البلاد"، و"أن أي جانب يريد دفع البلاد في أي من الاتجاهين سيتسبب في صراع ممتد في سياق سيناريو مجمع للعراق وليبيا وسوريا" .
وأمام تفاصيل الموقف المعقد والخطر تبرز الفرضية المؤكدة في المشهد، وهي أن جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، ماضية في مشروعها، في حين جبهتها العسكرية في محافظة مأرب تواجه مقاومة كبيرة، أوقفت الجماعة عند حدودها، وهجمات موجعة تتعرض لها في البيضاء من قبل مسلحين قبليين مدعومين بعناصر القاعدة .
وفي جبهة الجنوب يبدو هادي مدافعاً عن الشرعية ورافضاً للتمدد الحوثي، وهو الأمر الذي مثل مدخلاً لطلب تقدم به وزير خارجيته لمجلس التعاون الخليجي بمساعدة درع الجزيرة، وتأكيده على رد إيجابي تلقاه .
ويعزز الموقف الخليجي الواعد بتحرك إيجابي وقوي لجهة دعم شرعية هادي، اتفاق مسؤولين خليجيين رفيعي المستوى في الرياض الاحد الماضي على إجراءات لتصعيد الضغوط السياسية والأمنية على الحوثيين في اليمن وحلفائهم من جماعة صالح . بالمقابل جاء موقف مجلس الأمن الأخير مخيباً للآمال، عندما أصدر بياناً رئاسياً غير ملزم، لم يرتق إلى مستوى الحدث، كما كان متوقعاً لدى اليمنيين، غير أن هناك تفسيراً آخر لهذا الموقف مفاده أن المجتمع الدولي، يترك دول الخليج لتتصدى في المقام الأول للأزمة اليمنية .

ورغم كل التوقعات في أسوأ احتمالاتها لنهاية المشهد المتوتر، إلا أنه ليس من المستبعد أن تضطر جماعة الحوثي وعلي صالح الانصياع للإرادة الوطنية والإقليمية والدولية ويوقفون التصعيد، والقبول بالحوار خارج اليمن للتوصل إلى تسوية للأزمة، لأنهم سيدركون أن ليس بالإمكان أن يحققوا نصراً عسكرياً حاسماً في كل اليمن، وتحديداً في الجنوب، الذي بات بيئة رافضة كلياً لصالح والحوثيين، فيما لا يزال تنظيم "القاعدة" هو المستفيد في هذا الوضع المضطرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.