يتجه اليمن اليوم الى حقبة حرب طويلة وتصدعات حادة على جميع المستويات، هذه هي الخلاصة التي توصلت اليها مجموعة الازمات الدولية في حلقتها النقاشية التي انعقدت في العاصمة البلجيكية مؤخرا وخلصت الى نتائج مهمة في تقرير شامل خلاصته اننا امام عصر انهيار اليمن بشكل كامل. بالطبع لا احد ممن يعنيهم الشأن اليمني بشكل مباشر وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية يتمنى ان يسمع هذه النتيجة القاسية المتوقعة، ان يتشظى اليمن وتفقد اية قوة على الارض القدرة على صناعة القرار وقيادة يمن موحد يملك سيادته على ارضه ومياهه. لكن الرياح العاصفة التي ضربت اليمن وما تزال ابتداء من سقوط صنعاء في شهر ايلول سبتمبر من العام الماضي على ايدي الحوثيين بشكل فعلي، تلك العاصفة مافتئت تضرب مفاصل الدولة تباعا في ظل تعثر متلاحق لما عرف باستحقاقات المرحلة الانتقالية. كانت الاممالمتحدة تراقب عن كثب عبر مبعوثها جمال بن عمر متبنية ما عرف بالمبادرة الخليجية التي جاءت لما بعد حقبة نظام علي عبدالله صالح. لكن العناصر الاجرائية لتنفيذ بنود تلك المبادرة ظلت شبه منقطعة عما هو جار على الارض. فالنزول السريع للسلاح والمسلحين الى الشارع اليمني كان بمثابة خطوة استباقية لسد الفراغ الذي خلفه انهيار نظام صالح وهو ما لم تواكبه معالجات ناجعة اقليميا. كانت دول الاقليم قد اعطت جل اهتمامها للبركان السوري الذي لا ينطفئ والزلازل المتلاحقة على ارض الشام واثارها الارتدادية – الطائفية ولهذا لم تمنح المشهد اليمني نفس تلك الاهمية، كما يخلص الى ذلك احد باحثي مركز الازمات في مقاربته للازمة اليمنية ومقارنتها بالازمة السورية، ربما لان المتصارعين على ارض الشام كانوا قد نزلوا الى الميدان بوجوه طائفية وعرقية مكشوفة وايديولوجيات سافرة مما اثار حفيظة دول الاقليم وادى الى استفزازها لتخوض مع اطراف الازمة صراعا ضاريا لم تتوقف انهار دمائه وضحاياه من جميع الاطراف المتحاربة حتى الساعة. في المقابل كانت الازمة اليمنية تطبخ على نار هادئة، ربما هي جزء من طبيعة هذا البلد التي تبدو مثل سكون يسبق العاصفة. فلم تسمع صرخات ونداءات عاجلة وكان كل الظن انها حركة "بلطجة" هنا وهناك سرعان ما ستنهار امام هراوة الدولة. لكن هذه النظرة القاصرة وغير الاستراتيجية كانت قد مهدت الطريق للانهيار الكبير واسقاط الدولة في ظل نظام سياسي هش وولاءات قبلية ومناطقية وصولا الى الاستقطابات المذهبية. هذا الانهيار الذي لم تقرأه جيدا بيانات المندوب الاممي بن عمر ولا تقاريره ولا امتلك عبدربه منصور هادي الحنكة الكافية لتدبر حلول له ولا تم الاستنجاد بمجلس التعاون الخليجي لتطوير المبادرة الخليجية فضلا عن دخول العامل الايراني على الخط، كل هذا سارع في تفاقم المشهد وتعقيده اضف الى ذلك ان هنالك استصغارا للاعبين الذين يظن انهم مجرد لاعبين صغار ولا يستحقون عناء الاصغاء اليهم وهذا يتقاطع مع اصل القراءة المعمقة للصراعات والحروب الاهلية. الشرر البسيط في النسيج الاجتماعي ما لم يجر تحليل مصادره وتتبع مساراته قد يوصل الى حريق شامل. وهو ما حصل فعلا في المشهد اليمني وذلك من خلال قطع الطريق امام الخارجين على القانون بشكل كلي مهما كانوا وايا كانوا. حصل هذا في وقت كان هنالك فصيلان يترقبان الموقف: قاعدة اليمن التي كانت تحوم من حولها الطائرات الاميركية المسيرة، وحوثيو اليمن الذين اصبح لهم ثأر مع الدولة اليمنية بسبب حروبهم الستة الطويلة معها خاصة خلال الاعوام الاشد ضراوة (2004-2007) ثم ما تلا ذلك من تحالفات تلت الربيع اليمني عام 2011 – 2012. مقاربة مجموعة الازمات الدولية للانهيار الكبير في اليمن ترى ان هنالك اثنين من السيناريوهات المقبلة التي من خلالها يمكن قراءة الواقع اليمني المرير والمأساة التي تتفاقم على الصعيد الانساني في ظل انهيار الدولة: - الاحتمال الاول / هو احتكام جميع الاطراف المتحاربة محلية وعربية واقليمية الى قرار دولي ملزم يصدر عن مجلس الامن بوقف جميع اشكال الحرب والعنف وصولا الى تدويل للازمة اليمنية واعادة انتاج كيان الدولة بأشراف اممي. - الاحتمال الثاني / وهو القائم الان مقبل على مزيد من التعقيد وهو استعار الصراع من خلال حرب برية تدخل من خلالها حملة عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية والتحالف الخليجي – المصري – التركي - الباكستاني، تدخل مرحلة جديدة تتحول فيها اليمن الى بؤرة صراعات لأن الدخول في حرب برية قد يجر الاقليم الى تداعيات اخطر لاسيما مع احتمالات التدخل الايراني، فيما هنالك اسباب موضوعية لذلك الدخول المباشر للجيوش العربية في معارك على الارض ضد الحوثيين وكتائب علي عبدالله صالح لان بقائها متخفية عن القصف الجوي لن يتيح القضاء عليها ولا على الفوضى في اليمن. هذه القراءة من مجموعة الازمات الدولية تسلط الضوء على واقع شديد التعقيد والخطورة، لا يستقيم مع مساحات التفاؤل هنا وهناك وذلك لسبب بسيط وهو ان الاطراف المتحاربة على الارض اليمنية: الحوثيون، اتباع علي عبدالله صالح، القاعدة تضاف لهم القبائل اليمنية التي تدين بالولاء للمملكة العربية السعودية من جهة وتناصب الحوثيين العداء من جهة اخرى. كل هؤلاء خبروا الحرب جيدا وتعايشوا طويلا مع السلاح والفقر ولهذا لا يتوقعون بشكل عاجل لا ان يفارقوا السلاح ولا ان تخرج بلادهم ومدنهم وقراهم من كابوس الفقر ولهذا فقد تكيفوا مع هذا الواقع مكتفين بالقليل. انهيار اليمن كما يذهب الباحث ريتشارد سنيبر هو صورة اخرى للانهيارات العربية المتلاحقة وسيقدم صورة موازية للصراع السوري والصراع العراقي والصراع الليبي ولكن في نسخة جديدة اشد تعقيدا بسبب عوامل الجغرافيا وعوامل الجوار الجغرافي المرتبطة بتلك الازمة. * نقلا عن " ميدل ايست اونلاين"