قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    أول تعليق من رونالدو بعد التأهل لنهائي كأس الملك    جامعة صنعاء تثير السخرية بعد إعلانها إستقبال طلاب الجامعات الأمريكية مجانا (وثيقة)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    غارسيا يتحدث عن مستقبله    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    الكشف عن قضية الصحفي صالح الحنشي عقب تعرضه للمضايقات    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة القيادي الجنوبي عبدالرحمن الجفري بمؤتمر مستقبل الجنوب ببروكسل
نشر في عدن الغد يوم 23 - 06 - 2015

القى القيادي الجنوبي كلمة سياسية هامة في مؤتمر مستقبل جنوب اليمن ( الجنوب العربي ) المنعقد في مدينة بروكسل خلال يومي 22 و23 يونيو 2015 بمقر البرلمان الاوربي وبدعوة من الكتلة البرلمانية الاوربية .


ولاهمية الكلمة تنشر عدن الغد نصها:

كلمة الأستاذ عبدالرحمن علي بن محمد الجفريرئيس الهيئة الوطنية الجنوبية للتحرير والاستقلال(الهيئة)*رئيس حزب رابطة الجنوب العربي الحر(الرابطة)**
* الهيئة الوطنية الجنوبية للتحرير والاستقلال (الهيئة) تضم 25 مكوناً من أهم المكونات السياسية والحراكية الجنوبية، كما تضم عدداً كبيراً من الشخصيات المستقلة الجنوبية المؤثرة.

** حزب رابطة الجنوب العربي الحر (الرابطة) هو حتى الآن الحزب السياسي الجنوبي الوحيد، كما أنه أقدم حزب سياسي في المنطقة حيث تم إشهاره في عدن بتاريخ:29 أبريل 1951م.


* The Southern National Organization for Liberation and Independence "Alhy'ah” consists of 25 of the most effective Southern political and Hirak organizations. It also includes many of the southern effective independent figures.

** Free South Arabian League Party "ALRABITAH” is the only southern party so far and it is the oldest political party in the region as it was declared in Aden on 29 April 1951.



بسم الله الرحمن الرحيم
أيها السيداتُ والسادةُ المحترمون..
جئنا إليكم لنُعبِّرَ عن خالص شكرنا وتقديرنا لكم، وللدور المباشر والهام الذي نأملُ أن يتولاه مجلسُكم الموقر في دعم قضيتنا – القضية الجنوبية – ولوقوفكم، اليوم، أمامَ قضيةِ شعبِ الجنوب العربي الذي بدأت معاناتُه قبلَ أكثرِ من ربعِ قرن، ومازالت مستمرة، من جرّاءِ قرارِ وحدةٍ، لم يكن لها وجودٌ في تاريخِ بلادِنا؛ فكان قراراً متسرعاً وغيرَ مدروسٍ أُتُخِذَ في حينه، على عجل، في ظروفٍ استثنائيةٍ عمّتْ العالم. فوجد هذا الشعبُ، مالكُ السلطةِ ومصدرُها وصاحبُ السيادةِ الكاملة، وجدَ نفسَه في وضعٍ لم يختره، مما أثّر سلباً ليس على كافة شؤون حياته فحسب بل ومستقبلِ حريتِه وهويتِه وأمنِه واستقرارِه في أرضه.
واسمحوا لي، أيتها السيداتُ وأيها السادةُ المحترمون، أن أبسطَ أمامكم قضيةَ شعبِنا في الجنوب العربي، ما سُمِّي في ال23 عاماً السابقة لعام 1990م باليمن الجنوبية الشعبية ثم جمهوريةِ اليمن الديمقراطية الشعبية؛ بعد أن كان اسمه الجنوبَ العربي، وعُرِفَ بهذا الاسمُ سواءً في قرارات الأممِ المتحدة السابقةِ لاستقلاله عن بريطانيا أو في وثيقة الاستقلال.
أولاً:
1. كان، ومايزالُ، الجنوبُ العربي بحكم موقعه الجغرافي المميّز على مدى التاريخ محطَ أنظارِ القوى الدوليةِ المختلفةِ سواءً في الجوارِ أو ما وراءَ البحارِ. ويبرزُ التاريخُ الحديثُ أن من بينِ هذه القوى – بريطانيا التي لم تخفِ اهتمامَها بالجنوبِ العربي بصورةٍ مباشرةٍ في بدايةِ القرنِ التاسعِ عشر وذلك من خلالِ إبرامِها مع السلطانِ أحمد بن عبدالكريم، سلطانُ لحج وملحقاتها، في 6 سبتمبر 1802م إتفاقيةِ الصداقةِ والتجارة. ولم تكتفِ بريطانيا حينذاك بالاتفاقيةِ بل حاولتْ مع سلطانِ لحج ليتنازلَ لها عن عدن. وحينما عجزتْ أمامَ رفضِِه، لجأتْ إلى القوةِ العسكرية وتمكّنتْ في 19 يناير 1839م من إحتلال عدن ثم تمددتْ في الجنوبِ العربي من خلالِ معاهداتِ الحمايةِ في بادئ الأمر، ثم معاهداتِ المستشارين لضمانِ استمرارِ وجودِها الذي فرضتْهُ لمدة 129 عاماً. وقد قاومَ شعبُ الجنوبِ العربي المحتلُ منذ لحظةِ الاحتلال ولم تتوقفْ مقاومةُ المحتلِ التي أخذتْ، في وقتٍ لاحقٍ، أشكالاً مختلفةً كالانتفاضاتِ الشعبية والاضراباتِ العمالية والنضالِ المسلح. وتُوِّجَ نضالُ شعبِ الجنوبِ العربي من أجل التحررِ من المستعمر البريطاني في 30 نوفمبر 1967م بانتزاعِ استقلالِه. ونصّتْ مذكرةُ النقاطِ المتفقُ عليها بشأنِ استقلالِ الجنوبِ العربي في المادة (1): "يحصلُ الجنوبُ العربي على الاستقلالِ في 30 نوفمبر 1967م (ويُشارُ إلى هذا اليومِ بيومِ الاستقلال)". كما نصّتْ المادةُ (2): "تنشأُ في يومِ الاستقلالِ دولةٌ مستقلةٌ ذاتُ سيادةٍ تُعرَفُ بجمهوريةِ اليمنِ الجنوبيةِ الشعبية وذلك بإرادةٍ رسميةٍ من قِبَلِ الجبهةِ القومية...."، وهي الجهةُ التي سلمتْها بريطانيا الحكمَ منفردةً بناءً على اجتماعِ جنيف بينها وبريطانيا. وقد تمَّ في وقتٍ لاحقٍ (ديسمبر 1970م) إجراءُ تعديلٍ في اسمِ الدولةِ ليصبحَ جمهوريةَ اليمنِ الديمقراطيةِ الشعبية وذلك بقرارٍ من التنظيمِ السياسي– الجبهةِ القومية – ودونَ العودةِ إلى شعبِ الجنوبِ العربي وأخذِ رأيهِ فيه مما أبرزَ، بصورةٍ لا لَبْسٌ فيها، السيرَ في إتجاهٍ يرفضُ إعمالَ الديمقراطيةِ في البلاد.
من الحقائقِ التي أصبحتْ اليومَ في ذمةِ التاريخ، إبرامُ إتفاقيةِ إعلانِ الوحدةِ سلمياً. واعتُبِرَ هذا الأمرُ في ظلِ المتغيراتِ الدولية وكأنَّهُ متفقٌ والقانونَ الدوليَ ومنسجمٌ وفكرةَ إنقاذِ ابناءِ الجمهوريتين الجارتين – جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية – من ويلاتِ الحروبِ التي قد خاضاها في عامي: 1972م و1979م. وبذلك جرى التعبيرُ عن نبذِ الحربِ كوسيلةٍ لإقامةِ دولةٍ موحدةٍ بديلاً عن فرضِها من أحدِ النظامين على الآخر مما دفعَ بالدولِ والمنظماتِ الدولية على صعيدِ الإقليم والعالم بأن تعترفَ بهذه الخطوةِ بالرغم من التحفظِ والدهشة التي كان يبديها بعضُ القادةِ العرب على الأسلوب، والطريقةِ، والعجالةِ الشديدةِ التي تمَّ بها إعلانُ الوحدةِ بين الدولتين.
2. باندفاعِ كلٍّ من نظامي جمهوريةِ اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهوريةِ العربية اليمنية إلى إبرامِ إتفاقِ عدن في 30 نوفمبر 1989م بشأن إتمامِ وحدةٍ في 30 نوفمبر 1990م، إلا أنه تمَّ التعجيلُ بإعلانِها في 22 مايو 1990م دون الرجوعِ إلى الشعبِ لإستفتائِه قبل الانطلاقِ إلى الوحدة مما جعلَ هذه الخطوةَ فاقدةَ المشروعية. والأغربُ من ذلك أنه بعد عامٍ من إعلانِ الوحدة أُجرِيَ إستفتاءٌ على دستورِ دولةِ الوحدةِ خلال يومي 15 و16 مايو 1991م مع ورقةٍ مرفقةٍ تشيرُ إلى أن الاستفتاءَ على الدستورِ هو إستفتاءٌ على الوحدة؛ فكانت محاولةً فاشلةً لإعطاءِ مشروعية، بعد التنفيذ، لخطوةٍ عشوائيةٍ غيرِ مدروسةٍ كانت نتائجُها فيما بعد كارثية.
في حقيقةِ الأمرِ لقد كان المبررُ المعلنُ لإعلانِ الدولةِ الواحدة على أنقاضِ الجمهوريتين هو تحقيقَ مصلحةِ الشعبين – الشعب في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والشعب في الجمهورية العربية اليمنية – باعتبارِها الغايةِ المعلنةِ التي كانا يسعيان إلى تحقيقها. فالمصلحةُ، في نطاقِ هذه العلاقة، بدت وكأنها مشتركة. وكان هذا هو مفهومَ الشعبِ الجنوبي في الإتفاقية – جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.. ولكن الطرفَ الآخرَ في الإتفاقية – الجمهورية العربية اليمنية – ممثلةً بالحاكم القبلي العسكري كان له مفهومٌ آخر، فقد اعتبرَ أنه بهذه الاتفاقية: إنما هي – حسب دعواه الباطلة – عودةُ الفرعِ للأصل.. كما عبّرَ عن ذلك أحدُ زعماءِ النظامِ العسكري الفئوي الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيسُ مجلسِ النواب، في حينه، ورئيسُ حزبِ التجمع اليمني للإصلاح، بقولِه في جلسةِ في 25 أبريل 1994م بأن الوحدةَ عندما قامتْ في مايو 1990م (أعادتْ الأمورَ إلى نصابِها بعودةِ الفرعِ إلى الأصلِ والجزءِ إلى الكلِّ والابنِ الضال إلى أبيه الشرعي.. ومنذ قيامِ الوحدةِ يحاولُ إعطاءَ الفرعِ الشارد نفسَ مكانةِ وحقوقِ الأصلِ الثابت.. وهو ما لا نرضاه ولا نقبله) وهي نظرةٌ لأطماعٍ توسعية لا أساسَ لها، لا من واقعٍ ولا من تاريخ. وهذا معناه أن الإتفاقيةَ في مفهومِ نظامِ صنعاء ليست إلا وسيلةً للوصولِ إلى الغاية، أي أن الوحدةَ لم تكن سوى مجردِ إلحاقٍ وضمٍ واحتلالٍ توسعي باسمِ الوحدة.. وهذا ما لا يتفقُ واتفاقيةَ إعلانِ الجمهوريةِ اليمنية ويتنافي وقواعدَ القانونِ الدولي، هذا من جهة.. ومن جهةٍ أخرى فإنَّ بلادَ العربيةِ الجنوبية Southern Arabia ، قبلَ الإسلامِ وبعدَه، لم تشهدْ ميلادَ كيانٍ ولا وجودَ لكيانٍ حملَ اسمَ اليمن.. إلا أنَّ العالمَ عرفَ وتعاملَ مع هذه التسميةِ – اليمن – في التاريخِ الحديثِ وذلك بعدَ إنتهاءِ الحربِ العظمى الأولى وانسحابِ تركيا من اليمنِ حيثُ أُطلِقَ اسمُ المملكةِ المتوكلية اليمنية فقط على ما عُرِفَ فيما بعد بالجمهوريةِ العربية اليمنية، ولم يكن الجنوبُ العربي جزءاً من تلك الدولةِ التي حملتْ اسمَ اليمنِ كدولةٍ لأولِ مرةٍ في التاريخ.. ومِن ثَمَّ فإنَّ مثلَ هذه الاطروحاتِ مرفوضةٌ، جملةً وتفصيلاً، لأنها تُكرِّسُ مفاهيماً يرفضُها، اليومَ، العالمُ المتحضرُ، ولا أساسٌ لها في تاريخِ تلك المنطقة.
3. جاء إتفاقُ إعلانِ الجمهوريةِ اليمنية وتنظيمِ الفترةِ الانتقالية، في أقلِّ من صفحتين، وبدا كأنّه يمثّلُ إنهاءً لمبدأ استخدامِ القوةِ أو التهديدِ باستخدامِها من أجلِ تحقيقِ وحدةٍ بين الشعبين ودولتيهما خلالَ مرحلةِ الحربِ الباردة. فاستبشرَ الشعبُ في الجنوبِ بدعاوى الأمنِ والاستقرارِ والتنمية، إلا أنّ الخلافاتِ السياسيةِ الجوهرية بينَ أطرافِ السلطةِ كشفتْ حقيقةَ التناقضاتِ القائمةِ بينَ الشعبين والبلدين خاصةً وأنّه وجدَ نفسَهُ أمامَ صورةٍ غيرِ مسبوقةٍ وغيرِ مألوفة وذلك بانتقالِ الفوضى والعشوائيةِ واستشراءِ الفسادِ والإفسادِ وغيابِ الأمنِ والنظامِ والقانونِ ومحاولةِ الإجهازِ على الهويةِ الجنوبيةِ وخصوصيتها. وفي ذاتِ الوقتِ الاصطدامِ بالمركزيةِ الشديدة وكذلك الاجهازِ على المؤسساتِ المدنيةِ والعسكريةِ الجنوبية، حيثُ أصلاً لم يتمْ دمجُ المؤسساتِ العسكريةِ والأمنيةِ للدولتينِ، خلالَ الفترةِ الانتقالية، ولا توحيدُ العملة، وبالتالي لم يكتملْ بناءُ تلك الوحدة؛ وإنما يتمُّ تدميرٌ منهجيٍ للجنوب، هويةً ومؤسساتٍ وأرضاً وإنساناً. وتعطلتْ بعمدٍ الأجهزةُ التنفيذيةُ في الجنوبِ الذي أُدخِلَ في نفقٍ مظلمٍ أثّرَ سلباً على الحياةِ اليوميةِ للمواطنين الجنوبيين.
4. تصاعدتْ حدةُ الخلافاتِ بينَ أهلِ السلطةِ وحاولَ الجنوبيون التعاملَ مع الوسائلِ السلميةِ من خلالِ الحواراتِ والنقاشاتِ والوساطات... الخ.. إلا أن القيادةَ في صنعاء اعتبرتْ أن الخروجَ من الأزمةِ لن يتأتىَ بغيرِ القوةِ العسكرية. وبمجردِ التوقيعِ على "وثيقةِ العهدِ والاتفاق" في فبراير 1994م في عمّان – المملكة الأردنية الهاشمية – لجأ نظامُ "صنعاء" إلى الاحتكامِ إلى القوةِ بغرضِ حسمِ الخلافِ السياسي لصالحِه. فكان خطابُ رأسِ النظامِ، في حينه علي عبدالله صالح، الذي ألقاهُ في 27 أبريل 1994م في ميدانِ السبعين في "صنعاء"، بمثابةِ خطابِ إعلانِ حربْ إذ قال: "... ليس هناك من سبيلٍ سوى الوحدةِ أو الموت..."، على إثرِ ذلك تمَّ تدميرُ الألويةِ العسكريةِ الجنوبيةِ المتموضعةِ في محافظاتِ اليمن (شمالاً). ونشبتْ الحربُ الشاملةُ في 4 مايو 1994م التي شنّها نظامُ صنعاء على كاملِ الترابِ الجنوبي – في الإطارِ الجغرافي للجنوب – وبكلِّ أنواعِ الأسلحةِ الثقيلة، وشملَ ذلك الطيرانَ والصواريخَ والمدفعية. وصدرتْ الفتاوى من "صنعاء" زوراً باسمِ الدينِ تُبيحُ بالنص: "قتلُ المدنيين بما في ذلك النساءُ والشيوخُ والأطفال" وبثتْها وسائلُ إعلامِهم.. وتمَّ في 7 يوليو 1994م الاجتياحُ الكاملُ للأرضِ الجنوبية، صاحبَها عمليةُ نهبٍ وسلبٍ لم يشهدْ العالمُ المتحضرُ مثيلاً لها في القرنِ العشرين.
5. وبلجوءِ النظامِ في صنعاء، في ظلِّ احتلالِه للجنوب، إلى ممارسةِ القهرِ والتمييزِ ضدَ شعبِ الجنوبِ العربي؛ فقد أكدَ بالملموسِ رفضَهُ إعمالِ قواعدِ الديمقراطيةِ والاعترافِ بحقِ هذا الشعبِ في الاختيارِ أو المشاركةِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ بصورةٍ متكافئة. فعَمِلَ على مدِّ ونشرِ أسلوبِ إدارةِ الجنوبِ بالنمطِ السائدِ في اليمن - الإدارةُ الشخصيةُ ( الحاكمُ الفردُ ) - إضافة إلى إحياءِ الثأراتِ القبليةِ وتحريكِ وتوجيهِ تنظيمِ القاعدةِ والجهاديين لإرهابِ الجنوبيين. وقد جاءتْ وثيقةُ ما أسموه الحوارَ الوطنيَ الشاملَ في:25 يناير 2014م المقرةُ والمنشورةُ لتؤكدَ في الصفحة 32 (. . . إنّ الممارساتِ العبثيةِ والخاطئةِ التي وقعتْ خلالَ الفترةِ الماضيةِ والفتاوى التكفيريةِ خلقتْ قناعةً عندَ عددٍ كبيرٍ من الجنوبيين بتقويضِ الوحدةِ السلمية وإنّ مكانتَهم في إطارِ دولةِ الوحدةِ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً قد دُمِّرتْ وضُرِبتْ في مقتل. . .).
6. وفي أثناءِ حربِ 1994م على الجنوب، تدخلَ مجلسُ الأمنِ للأممِ المتحدة وأصدرَ قراريه رقم 924 لعام 1994م ورقم 931 لعام 1994م تحتَ عنوانِ "الحالةُ اليمنيةُ". وشددَ القرارُ على وقفِ إطلاقِ النارِ وعدمِ جوازِ حلِّ الخلافاتِ السياسيةِ بالقوة طالباً استئنافَ الحوارِ بين أطرافِ النزاع، لكنّ النظامَ في "صنعاء" لم يلتزمْ بالقرارين ولا بتعهداتِه بذلك للمجتمعِ الدولي في 7 يوليو 1994م، في رسالةِ رئيسِ وزرائه للأمينِ العامِ للأممِ المتحدة.
وجاء البيانُ الصادرُ في 5 يونيو 1994م عن الدورةِ الواحدةِ والخمسين لوزراءِ خارجيةِ مجلسِ التعاونِ لدولِ الخليجِ العربية ليؤكدَ على عدمِ جوازِ فرضِ الوحدةِ بالقوةِ حيثُ أبرزَ أنّه:
"وانطلاقاً من حقيقةِ أنَّ الوحدةَ مطلبٌ لابناءِ الأمةِ العربية، فقد رحّبَ المجلسُ بالوحدةِ اليمنيةِ عندَ قيامِها بتراضي الدولتين المستقلتين، الجمهوريةِ العربيةِ اليمنية وجمهوريةِ اليمنِ الديمقراطيةِ الشعبية، في مايو 1990م، وبالتالي فإنّ بقاءها لا يمكن أن يستمرَ إلا بتراضي الطرفين. وأمامَ الواقعِ المتمثلِ بأنّ أحدَ الطرفين قد أعلنَ عودتَهُ إلى وضعِهِ السابقِ وقيامَ جمهوريةِ اليمنِ الديمقراطية، فإنّه لا يمكن للطرفين التعاملُ في هذا الإطار إلا بالطرقِ والوسائلِ السلمية".
وبعدَ احتلالِ الجنوبِ بستةِ أشهر، اعتمدتْ الجمعيةُ العامةُ للأممِ المتحدةِ تقريرَ الأمينِ العامِ المقدمَ إلى دورتِها التاسعة والأربعين والذي تضمّنَ، من جملةِ أمورٍ، "الحالةُ في اليمن"، حيثُ أشارَ إلى:
"أنّهُ قد تمَّ إغفالُ قراري مجلس الأمن 924 لعام 1994م و931 لعام 1994م وإنّ وقفَ الأعمالِ العدائيةِ لن يؤديَ في حدِّ ذاتِهِ إلى حلٍ دائمٍ للمشاكلِ التي تُشكلُ أساسَه . . . وإنني على استعدادٍ لمواصلةِ استخدامِ المساعي الحميدةِ من أجلِ التوصلِ إلى مصالحةٍ في اليمن".
7. وبالرغم من تعهداتِ النظامِ في "صنعاء" إلا أنّه سارَ في إتجاهٍ مخالفٍ لها بشأنِ الجنوب بعد أن فرضَ السيطرةَ بالقوةِ مما حوّلَ الأمرَ إلى إحتلالٍ بكل معانيه حيثُ قامَ ب:
طردِ وإحالةٍ للتقاعدِ القسري غيرِ القانوني لعشراتِ الآلافِ من العاملين الموظفين الجنوبيين المنخرطين في الخدمةِ المدنيةِ والعسكرية. ويُشكّلُ هذا الإجراءُ مخالفةً صريحةً للإعلانِ العالمي لحقوقِ الإنسان الذي ينصُ عليه دستورُ الجمهوريةِ اليمنية والعهدُ الدوليُ الخاصُ بالحقوقِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والثقافية التي الجمهوريةُ اليمنيةُ طرفٌ فيه.
التصرفِ في عقاراتِ وأملاكِ الدولةِ في الجنوب ومنْحِها للمتنفذين وصَرْفِ مزارعِ الدولةِ في الجنوب لمسؤولين ومتنفذين وتسريحِ العاملين فيها.
الاستمرارِ في عملياتِ القتلِ العمدِ والاعتقالِ والمطاردةِ والإخفاءِ القسري حتى هذه اللحظةَ وفي هذا اليوم. وقد قُتلَ الآلافُ – هذه حقيقةٌ وموثقةٌ – وجُرِحَ مثلُهم وكذا المختفون قسرياً أيضاً.
القمعِ بالحكمِ العسكري المباشرِ واستمرارِ النهبِ والسلب.
منحِ نافذين والمقربين من النظامِ الحاكمِ في "صنعاء"، ما بعد حربِ 1994م، امتيازاتٍ في قطاعِ الاستكشافاتِ النفطية.
فرضِ أتاواتٍ على الشركاتِ العاملةِ في القطاعِ النفطي يتحصلُ عليها القادةُ العسكريون اليمنيون من مراكزِ القوى في صنعاء تحتَ مسمى "الحماية" وتُخصمُ من نصيبِ الدولةِ في شراكتِها مع شركاتِ التنقيب.
الاستيلاءِ على الأراضي والممتلكاتِ الجنوبية.
التمييزِ في المعاملةِ وغيابِ المواطنةِ المتساوية.
تقسيمِ الجنوبِ إلى مناطقٍ عسكريةٍ يحكمُها قائدٌ عسكري؛ ونشرِ أربعة وخمسين لواءً من مختلفِ التشكيلاتِ البريةِ والبحريةِ والجويةِ بالإضافةِ إلى معسكراتِ الأمنِ المركزي التي تموضعتْ في كلِّ محافظاتِ ومُدُنِ الجنوبِ، وجميعُهم من اليمن، مما أخضعَ الجنوبَ إلى احتلالٍ عسكريٍ فعلي.
رغم هزيمةِ القواتِ المسلحةِ الجنوبية في حربِ 1994م إلا أنّ المقاومةَ الشعبيةَ تصاعدتْ بدءاً من المشاركةِ في الحربِ ضدَ القواتِ اليمنيةِ تلتْها مواجهاتٌ شعبيةٌ مسلحةٌ سُحقتْ بشدةٍ ثم انطلقتْ المسيراتُ الشعبيةُ المناوئةُ للاحتلالِ وتشكلتْ الجبهةُ الوطنيةُ للمعارضة (موج)، بعد ثلاثةِ أشهرٍ من احتلالِ الجنوبِ عام 1994م، لتقودَ عمليةَ الرفضِ الشعبي والمطالبةَ بإزالةِ آثارِ الحرب. وأصدرَ برلمانُكم الموقرُ Motion بعد زيارتِنا له، عام 1998م، مسانداً لموقفِنا آنذاك، وكذا فعلَ مجلسُ العمومِ البريطاني.
كما أُعلِنَ عن حركةٍ مسلحةٍ تدعو لتقريرِ المصير (حتم) تواجدتْ في نطاقٍ جغرافيٍ محدد. ومع رفضِنا للعنفِ إلا أنّ الإحساسَ بالظلمِ والقهرِ قد ينتجُه. وقدمتْ تلك الحركةُ تضحياتٍ جسيمةٍ وتعاملتْ السلطةُ معها بكلِّ قسوةِ المحتل.
لقد أمعنتْ السلطاتُ والقواتُ المسلحةُ اليمنيةُ في قمعِ الجنوبيين وإقصائهم وتشريدِهم والاستيلاءِ على ممتلكاتِهم العامةِ والخاصةِ ولم تستجبْ لكلِّ المحاولاتِ التي تطالبُ بالحقوقِ والحرياتِ حيث تمَّ حظرُ اللجانِ الشعبيةِ التي أُعلنتْ في عددٍ من محافظاتِ الجنوب، كما سعتْ السلطةُ لمحاربةِ تيارٍ نشأ يُطالبُ بإصلاحِ مسارِ الوحدة.
وفي حضرموت الحضارةِ اندلعتْ المظاهراتُ العارمةُ ضدَ الأوضاعِ، في 1997م، وواجهتْها سلطاتُ الاحتلالِ بالرصاصِ الحيِ وسقطَ شهداءٌ وجرحى.
وفي يوليو 2004م دخلَ الرفضُ الشعبيُ الجنوبيُ للاحتلالِ اليمني منعطفاً مهماً بإعلانِ التجمعِ الديمقراطي الجنوبي (تاج)، من لندن، بأنّ الوضعَ القائَم هو احتلالٌ وأنّه يسعى لإزالتِه وتحقيقِ استقلالِ الجنوبِ بشكلٍ سلمي كما دعا أيضاً للحفاظِ على هويةِ الجنوبِ العربي المستقلة. وتصاعدتْ الفعالياتُ السياسيةُ والاعلاميةُ المُنظَّمةُ والكثيفةُ في الداخلِ والخارجِ التي ساهمتْ وسائلُ الاتصالِ في إنجاحِ تحشيدِ الشارعِ الجنوبي ورصِّ صفوفِه.
توالتْ في مُدُنِ الجنوبِ ومناطقِهِ المختلفةِ فعالياتُ الرفضِ السلمي، صاحبَها نشوءُ عددٍ كبيرٍ من الفعالياتِ الجماهيريةِ والشعبيةِ مثل ملتقياتِ التصالحِ والتسامحِ (الجنوبي – الجنوبي) الذي انطلقَ في:13 يناير 2006م من جمعيةِ ردفان في عدن، وجمعيةِ المتقاعدين العسكريين التي انطلقتْ من الضالع في مارس 2007م وغيرها، حتى توّجَ شعبُ الجنوبِ العربي، في السابع من يوليو 2007م، نضالَهُ السلميَ بإعلانِ الحراكِ السلمي الجنوبي من عاصمته عدن، الذي ينادي بتحريرِ واستقلالِ الجنوبِ العربي المحتلِ، ونبذِهِ للعنفِ والإرهابِ، عبرَ المسيراتِ السلميةِ والعصيانِ المدني السلمي، وتأكيدِهِ على الحوارِ الندي بينَ ممثلي شعبِ الجنوب العربي وممثلي اليمنِ من أجلِ إنهاءِ الإحتلالِ ونيلِ الاستقلال.
ومن المكوناتِ، التي نشأتْ، المجلسُ الوطنيُ لاستقلالِ الجنوب – وحركةُ نجاح – والهيئةُ الوطنية – والمجلسُ الأعلى للحراك، وكلُّ تلك الأعمالِ نشأتْ في محافظات "يافع" و"ردفان" و"الضالع" و"أبين" وغيرِها.
وتشكلتْ المكوناتُ الشبابيةُ والنسويةُ والمهنيةُ الجنوبيةُ وأصبحتْ روافداً هامةً للحراكِ السلمي الجنوبي تقودُ الشارعَ الجنوبيَ بمسيراتٍ واعتصاماتٍ مليونيةٍ سلميةٍ على مدى السنواتِ الثمانِ الماضية واجهتْها السلطاتُ وقواتُ الاحتلالِ اليمني بالرصاصِ سَقَطَ على إثرِها أكثرُ من ثلاثةِ آلافِ شهيداً وآلالافٌ من الجرحى، وزُجَّ بالآلافِ في السجونِ دونَ محاكماتٍ، وتعمّقَ معها الانقسامُ بينَ الجنوبِ واليمنِ بشكلٍ لم يعدْ قابلاً للترميمِ والإصلاح.
ومن الكياناتِ الشبابيةِ التي كان، ولازال، لها دورٌ بارزٌ هي: اتحادُ شبابِ الجنوب – وشبابُ 16 فبراير – والحركةُ الشبابيةُ والطلابيةُ – وملتقى شبابِ الجنوبِ التحرري – وشبابُ الكرامةِ – وحركةُ شبابِ عدن – ورابطةُ الشبابِ الديمقراطي (رشد) – وتكتلُ شبابِ عدن – وشبابُ ساحةِ المعلا – ومنظماتٌ شبابيةٌ عدةٌ في حضرموت وغيرها.
ولا ننسى أيضاً العددَ الكبيرَ من الشعراءِ الشعبيين الذين كانوا دائماً ولازالوا في مقدمةِ الفعالياتِ منذ اليومَ الأولَ، يعبّرونَ عن مشاعرِ شعبِهم وأهدافِهِ وحراكِهِ الثوري السلمي.
كما كان الدورُ مميزاً للصحافةِ المحليةِ في الجنوبِ ومنها صحيفةُ "الأيام"، في ذلك الوقتِ، ورئيسُ تحريرِها الفقيدُ/هشام باشراحيل التي كانت الحاضنَ لتوجهاتِ الحراكِ السلمي الجنوبي. كما ساهمتْ، وتساهمُ، حتى الآن، صحفٌ جنوبيةٌ عدةٌ في دعمِ قضيةِ شعبِنا ومنها "عدنُ الغدِ" و"الأمناءُ" و"صدى عدن" و"القضيةُ" و"الجنوبيةُ" وغيرُها من الصحفِ والمواقعِ الالكترونية.
وإن مما يبعثُ على الاعتزازِ والفخرِ، دورُ حرائرِ الجنوبِ اللاتي ناضلن ويناضلن بثباتٍ وشجاعةٍ في كلِّ مجالاتِ النضالِ الحراكي الثوري السلمي.
كما أنّ خروجَ الأخِ الأستاذِ علي سالم البيض، في 2009م، وإعلانَه التأييد لحراكِ شعبِ الجنوبِِ وتنشيطَه لقناةِ "عدن لايف"، وعقدَه لمؤتمرِه في "بروكسل"، كان له أثراً معنوياً واضحاً.
ثم جاءَ "مؤتمرُ القاهرة" في 2011م وتبنّى ما كان قد طُرِِحَ، الفيدراليةَ بين إقليمين.
وتوالتْ محاولاتٌ لتحقيقِ اصطفافٍ جنوبي. وتمَّ نجاحٌ جزئي مؤقتٌ بتشكيلِ تحالفِ "التكتل الوطني الجنوبي الديمقراطي" الذي حققَ نموذجاً للتنوعِ والتعاونِ في إطارِهِ وصولاً إلى التماهي مع مطالبِ شعبِنا في التحريرِ والاستقلال. كما لا بد أن يُذكرَ دورُ "رابطةِ الجنوبِ العربي"، ودورُ بعضِ حكامِ الجنوبِ، في فترةِ ما قبلَ الاستقلال، وغيرِهم من الشخصياتِ الجنوبيةِ المستقلةِ والشبابِ والمكوناتِ في الوطنِ والمهجر. وكذلك دورُ العلماءِ ومنهم "الهيئةُ الشرعيةُ الجنوبيةُ للدعوةِ والافتاءِ والإرشاد".. وكذلك "الملتقى التشاوري لابناءِ الجنوبِ في صنعاء". كذلك قامتْ "مجموعةُ الاتصالِ" بمحاولاتٍ في اجتماعاتِها بالقاهرة وحالتْ ظروفٌ دون استمرارِها.
كما نذكرُ الدورَ الإيجابيَ الذي لعبَهُ تيارُ "مثقفون من أجل جنوبٍ جديد" وتشكيلَهُ لجنةٍ تحضيريةٍ واسعةٍ لعقدِ مؤتمرٍ جنوبيٍ جامع، وبذلتْ في ذلك جهوداً كبيرةً حالتْ ظروفٌ وأحداثٌ، حتى الآن، خارجةً عن إرادِتها، دونَ إتمامِ مهمتِها.
ولا ننسى الجهودَ والدعمَ التي بذلَها عددٌ من رجالِ الأعمالِ الجنوبيين في المهجرِ لدعمِ القضيةِ الجنوبيةِ والحراكِ السلميِ الجنوبي؛ وكذلك العددُ الكبيرُ من المغتربين خاصةً الشبابُ الذين بذلوا، ويبذلون، الجهدَ للترويجِ لقضيةِ شعبِهم بكلِّ وسائلِ التواصل، وأيضاً ما يبذلونه من دعمٍ للشبابِ المناضلين في الداخلِ والذي يقتطعونه من الدخلِ المحدودِ لعملِهم في المهاجرِ ومن قوتِ أهلِهم.. فلهم جميعاً التحيةُ والإعزازُ والتقدير.
على جانبٍ آخر.. تمتْ تحركاتٌ سياسيةٌ، في "القاهرة" في نوفمبر 2012م، بلقاءاتِ السيد جمال بن عمر، مستشارِ الأمينِ العامِ للأممِ المتحدةِ ومبعوثِه إلى اليمن.. وتمَّ طرحُ القضيةِ الجنوبيةِ بوضوحٍ وشفافية؛ وأبدى استعداداً لرعايةِ لقاءٍ (جنوبي – جنوبي) وأن يذكرَ في تقريرِه لأولِ مرةٍ شيئاً عن القضيةِ الجنوبية، وتمَّ ذلك في تقريرِه لمجلسِ الأمنِ في ذلك الوقتِ ولأولِ مرةٍ بعدَ 14 تقريراً لم تُذكرْ في إيٍّ منها القضيةُ الجنوبية.
ثم تمَّ لقاءٌ في "الرياض" في 18 ديسمبر2012م بدعوةٍ كريمةٍ من الأمينِ العامِ لمجلسِ التعاونِ لدولِ الخليجِ العربية، الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني.. حضرَه حوالي ستون من الشخصياتِ الجنوبيةِ من مختلفِ الأطرافِ؛ وكان أهمُ ما في اللقاءِ أن اتفقَ الجميعُ على مذكرةٍ مشتركةٍ تؤكدُ على هدفٍ واحدٍ هو "التحريرُ والاستقلالُ وإقامةُ دولةٍ جنوبيةٍ فيدراليةٍ وفقَ المعاييرِ الدولية"، وهو إنجازٌ غيرُ مسبوق؛ كما طالبتْ المذكرةُ الأشقاءَ في مجلسِ التعاونِ الخليجي بمبادرةٍ خاصةٍ لحلِ القضيةِ الجنوبية.
ثم تمَّ لقاءٌ رسميٌ مع السيد جمال بن عمر في "دبي" في 9 مارس 2013م. وتمَّ التأكيدُ على ما تمَّ طرحُهُ في "الرياض" وأهميةِ رعايةٍ (خليجية – دولية) للقاءٍ جنوبيٍ جامع. وصَدرَ بيانٌ مشتركٌ عن اللقاء. وهو إنجازٌ شكّلَ أهميةً كبيرةً لأنه بيانٌ مشتركٌ صَدرَ عن ممثلِ المجتمعِ الدولي وقياداتٍ جنوبية. وأكدَ البيانُ على أن سبيلَ الحراكِ الجنوبي هو العملُ السلميُ وأنه استمرَ سلمياً وسيستمرُ سلمياً. كما أكدَ على أن مبدأ الحوارِ هو السبيلُ لحلِ القضيةِ الجنوبية وأن اللقاءَ الجنوبيَ الجامعَ يتمُّ برعايةٍ (خليجية – دولية).
ثم تمَّ لقاءٌ آخرٌ مع السيد جمال بن عمر في 29 مارس 2013م وتمَّ التأكيدُ على موقفِ شعبِ الجنوب، وفي تقريرِه لمجلسِ الأمنِ في أبريل شَرحَ بشكلٍ غيرِ مسبوقٍ عن القضيةِ الجنوبيةِ ودعَّمَ شرحَهُ بصورٍ للفعالياتِ الجنوبية إلا أن التقريرَ خلا من أيِّ توصياتٍ بحلِّ يلبّي الإرادةَ الشعبيةَ لشعبِ الجنوب.
وتوالتْ الفعالياتُ غيرُ المسبوقةِ، في مختلفِ مناطقِ الجنوبِ وبصورةٍ أكثر كثافةً في محافظاتِ "عدن" و"حضرموت" و"لحج" و"أبين" و"الضالع" و"شبوة"، والتي أثبتَ شعبُنا في تلك الفعالياتِ صلابةً أسطوريةً وإصراراً على تحقيقِ هدفِهِ في التحريرِ والاستقلال.. كما طَرحَ شبابٌ من مكوناتٍ سياسيةٍ وحراكيةٍ مختلفةٍ في "شبوة" مبادرةً لجمعِ البصماتِ، من كافةِ مناطقِ الجنوبِ وشرائحِهِ الشعبيةِ، على رسالةٍ موجهةٍ من شعبِ الجنوبِ إلى كلِّ العالمِ تؤكدُ تصميمَ شعبِنا على نيلِ تحريرِه واستقلالِه وإقامةِ دولتِهِ الجنوبيةِ المستقلة.. وهو فعلٌ سياسيٌ راقٍ يتعاملُ مع العصرِ وأساليبِهِ.. وشكّلوا من بينِهم لجنةً لحملةِ جمعِ البصماتِ التي تمتْ بنجاح.
ولقد حاولَنا بكلِّ السُبُلِ الممكنة، على مدى ربعِ قرنٍ من الزمان، في محاولاتٍ جادةٍ لإبقاءِ أيِّ شكلٍ من أشكالِ الوحدةِ حتى لا نصلَ إلى ما وصلنا إليه اليوم من دمارٍ وبناءِ جُدُرِ الكراهيةِ بين الشعبين الجارين الشقيقين ولكن دونَ جدوى. فقد طرحنا مشاريعاً متعددةً، ابتداءً من حكمٍ محليٍ واسعِ الصلاحيات مروراً بالدولةِ المركبةِ والفيدراليةِ على عدةِ أقاليمٍ وصولاً إلى فيدراليةٍ على إقليمين يتبعُها استفتاءٌ لشعبِ الجنوب. ووُجِهنا في كلِّ مرحلةٍ بالتسويفِ والقمعِ والإساءاتِ لشعبِنا؛ حتى وصلَنا إلى مرحلةٍ أشهدنا فيها العالمَ أن بقاءَ أيِّ شكلٍ من أشكالِ الوحدةِ بين اليمنِ الشقيقِ والجنوبِ العربي لن يزيدَ الأمرَ إلا تعقيداً والحالةَ سوءاً والأمنَ والاستقرارَ تدهوراً، وهو ما نشهدُهُ اليوم. وبالتالي، ولإنهيارِ كلِّ المؤسساتِ في اليمنِ والجنوب، فإنّه لا حلَ مطلقاً إلا إعلانَ قيامِ الدولتين، دولةِ اليمنِ، ودولةِ الجنوبِ العربي، وبناءَ علاقاتٍ سويةٍ بينهما تحققُ المصالحَ المشتركةَ لكلٍّ من الشعبين الجارين، وتحققُ الأمنَ والاستقرارَ والتنميةَ في إطارِ كلٍّ من اليمنِ والجنوبِ العربي وفي المنطقةِ والعالم.
لقد بذلتْ السلطاتُ اليمنيةُ والأحزابُ السياسيةُ اليمنيةُ بشكلٍ موحّدٍ وحثيثٍ جهوداً كبيرةً في محاولةِ تفتيتِ قوى الثورةِ الجنوبيةِ واستنساخِها، تارةً بالقمعِ وأخرى بالإغراء، وكلُّ تلك الأساليبِ لم تمكّنْها من إيقافِ مسيرةِ الثورةِ الجنوبيةِ التي تُوِّجتْ بإعلانٍ جبهويٍ عريضٍ لمعظمِ القوى السياسيةِ والجماهيريةِ والحراكيةِ في 25 يناير 2015م تحتَ إطارِ الهيئةِ الوطنيةِ الجنوبيةِ المؤقتةِ للتحريرِ والاستقلالِ (الهيئة). ولم يكن مطلبُ استقلالِ الجنوبِ العربي وحقِ تقريرِ المصير والحفاظِ على هويةِ الجنوبِ العربي المستقلةِ مجردَ شعارٍ ترفعُهُ القوى السياسيةُ والحراكيةُ الجنوبيةُ بل إنّه إرادةٌ شعبيةٌ أكدتْها المسيراتُ المليونيةُ وكذا المقاطعةُ الجنوبيةُ الشاملةُ للانتخاباتِ الهزليةِ اليمنية.. وتؤكدُها المقاومةُ الأسطوريةُ الحاليةُ، بأبسطِ الإمكاناتِ، لقوى ترسيخِ الإحتلالِ التي يقودُها الحوثيون وعلي عبدالله صالح ضدَ شعبِنا في الجنوبِ العربي.
ثانياً:
1. يتمتعُ شعبُ الجنوبِ العربي، على مدى التاريخِ، بموقعٍ جغرافيٍ مميّز، في هذه المنطقةِ من العالم، إذ يطلُ على مضيقِ بابِ المندبِ الذي يربطُ البحرَ الأحمرَ بخليجِ عدن والبحرِ العربي والمحيطِ الهندي. وتُرددُ كُتبُ التاريخِ، عندَ تناولِها العصرَ القديم، ذِكْرَ الممالكِ الجنوبيةِ العربية South Arabia Kingdoms ، إذ تُشيرُ إلى أنّ تلكَ الممالكَ الجنوبيةَ "كانوا أهلَ تَمدّنٍ، ودُوَلَهُ لا تقلُّ عن دولِ معاصريهم في آشور وفينقية ومصر وفارس. . . ". (جرجي زيدان، العربُ قبلَ الإسلامِ، الجزءُ الأولُ، الطبعةُ الثانيةُ، مطبعةُ الهلالِ، مصر 1922م ، ص135).
واستفادتْ الممالكُ العربيةُ الجنوبيةُ من هذا الموقعِ المميّز، حيثُ قامَ عربُ الجنوبِ بدورٍ نشطٍ في مجالِ التجارةِ بينَ الشرقِ والغربِ وبالأخصِ في تجارةِ اللبانِ والمُرِ التي كانت المكوناتِ الرئيسيةِ لتجارةِ البخور. ولم يكن هناك أيُّ معبدٍ أو دارِ أثرياءٍ، في بابلَ ومصر واليونان والقدس وروما، إلا ويطلبُ هذه المادةَ الثمينةَ إرضاءً لآلهتِهم. وكان الطلبُ على اللبانِ في ازديادٍ من اوروبا إلى آسيا. وأصبحتْ ممالكُ العربيةِ الجنوبيةِ جزءاً لا يتجزأُ من الاقتصادِ العالمي مع شبكةِ نقلِ بحريٍ إلى الهندِ والبحرِ الأبيض المتوسط وطريقِ الحريرِ* وسواحلِ شرقِ افريقيا.
[*Middle East Institute. The Story of Frankincense.
www.mei.edu/sqcc/frankincense]
وكان للمستشرقين السبقُ في إماطةِ اللثامِ عن مكانةِ العربيةِ الجنوبيةِ وممالكِها في العصرِ القديمِ وذلك إبتداءً من النصفِ الثاني من القرنِ الثامنِ عشر الميلادي من خلالِ البعثاتِ الأثرية. وكشفتْ الآثارُ والنقوشُ والكتاباتُ والعملاتُ عن أدوارِ الممالكِ العربيةِ الجنوبيةِ الرئيسيةِ كمملكةِ أوسان ومملكةِ قَتَبان ومملكةِ حضرموت في العالمِ القديم.
واليومَ، فإننا نؤكدُ لكم أنّ لدى شعبِ الجنوبِ العربي القدرةَ في أن يجعلَ من ميناءِ عدن – الذي كان في الماضي القريب – القرن المنصرم – أحدَ أكبرِ الموانئ ازدحاماً في العالم، كما يمكن أن يكونَ الجنوبُ العربيُ مركزاً هاماً للإستثماراتِ الدوليةِ – الإقليميةِ والعالمية.
2. وستلعبُ عدن دوراً محورياً ليس في محاربةِ ظواهرِ الإرهابِ فحسب بل واجتثاثِهِ وكذلك القرصنةِ والتهريبِ للأسلحةِ والمخدراتِ وغيرِها.
ثالثاً:
الحربُ الحاليةُ على الجنوبِ، التي شنّتْها مليشياتُ الحوثي وقواتُ الرئيسِ السابقِ علي عبدالله صالح، ذاتُها التي شنّتْ نفسَ الحربِ عام 1994م؛ واليومَ، تشنُّها بغرضِ تكريسِ فرضِ الوحدةِ، المرفوضةِ من شعبِ الجنوبِ العربي، بالقوةِ واعترفَ بذلك علي عبدالله صالح في لقاءٍ تلفزيونيٍ مؤخراً. وهي حربٌ تُشَنُّ الآن بدعمٍ من إيران.
اليومَ، نؤكدُ أنّ المطالبَ الوطنيةَ لشعبِ الجنوبِ العربي قد انتقلتْ إلى مرحلةٍ جديدةٍ بعدَ أنّ شنَّتْ قواتُ الحرسِ الجمهوري اليمني والأمنِ المركزي والجيشِ اليمني ومليشياتِ الحوثيين (أنصار الله) حربَها الشاملةَ على الجنوبِ بمختلفِ الأسلحةِ الثقيلةِ والخفيفةِ منذ فبراير 2015م ولم يكن لدى شعبِنا، وقواه السياسيةِ والحراكيةِ وكافةِ شرائحِه، من خيارٍ سوى المقاومةَ المسلحةَ دفاعاً عن النفس.. أدَّى هذا الاجتياحُ إلى قتلِ وجرحِ أعدادٍ كبيرةٍ لم نستطع حصرَها بعد. لقد أحدثَ هذا الاجتياحُ دماراً هائلاً لكلِّ شيءٍ في الجنوب، وتشرّدَ على إثرِه أكثرُ من نصفِ السكان، وتعرّضَ السكانُ في الكثيرِ من المُدُنِ لحصارٍ وحرمانٍ، قاتلٍ ومستمرٍ، من أبسطِ الضرورياتِ مثل الماءِ والغذاءِ والدواءِ والأمان، ومازالَ قائماً حتى اللحظة، أصبحَ معه أيُّ حديثٍ عن الوحدةِ ضرباً من الخيالِ واستمراراً لمزيدٍ من المعاناةِ والقتلِ والحروب.
إن شعبَنا في الجنوبِ العربي لن يقبلَ، بعدَ اليومِ، بأيِّ شكلٍ من أشكالِ الوحدةِ مع اليمنِ ولكنّه حريصٌ على أن تقومَ بينَ دولتِهِ ودولةِ اليمنِ علاقاتٌ سويةٌ ترتكزُ على المصالحِ المشتركةِ ومراعاةِ حقِ الجوار، كما هو حريصٌ على بناءِ علاقاتٍ متميزةٍ مع جوارِه الاقليمي في شبهِ الجزيرةِ العربية، وأيضاً حريصٌ على تبادلِ المصالحِ مع دولِ مجلسِكم الموقّرِ ومع العالم، وحريصٌ على تحقيقِ الأمنِ والاستقرارِ والتنميةِ في منطقتِنا والعالم.
إننا لا نَرى في الأفقِ أيَّ أمنٍ واستقرارٍ في ظلِ الاحتلالِ اليمني للجنوبِ العربي، فشعبُنا قاومَ هذا الاحتلالَ بالطرقِ السلميةِ بصدورٍ عارية، وقدّمَ الشهداءَ نتيجةَ قمعِ الاحتلال اليمني ومواجهتِهِ لحراكِ شعبِنا العربي السلمي. واليومَ، ومنذ اللحظةِ الأولى للغزوِ اليمني الجديد، والمقاومةُ الجنوبيةُ الشريفةُ تقاتلُ هذا الغزوَ الهمجيَ بأقلِّ الامكانياتِ المتوفرة؛ وقدّمتْ، ولازالت تُقدِّمُ، الآلافَ من الشهداءِ والجرحى والأسرى، وتُدمَّرُ مُدُنُه وقراه بالأسلحةِ الثقيلةِ حتى أصبحَتْ معظمُ أراضيِهِ في عدادِ الأرضِ المنكوبةِ والمحرومةِ من كلِّ وسائلِ الحياةِ – الغذائيةِ والعلاجيةِ والخدماتِ العامةِ كالماءِ والكهرباء.. ولولا تدخلُ التحالفِ بقيادةِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ لكانت المأساةُ أعظمَ وأخطرَ والإبادةُ أشمل. وكلُّ هذا الدمارِ والمآسي الإنسانيةِ غيرِ المسبوقةِ في بلادِنا، كلُّها جاءتْ وتستمرُ بسببِ هذه الوحدةِ المفروضةِ على شعبِ الجنوبِ العربي. ألا ترونَ معي أن مَنْ يقومُ بهذا لا يمكن إلا أن تكونَ قواتَ احتلالٍ همجيةٍ لا علاقةَ لها بالشعبِ الذي تقتلُهُ وتُدمِّرُ أرضَه؟!
ومن هنا، يؤكدُ شعبُنا في الجنوبِ العربي تصميمَهُ على حقِهِ المشروعِ في التحريرِ والاستقلالِ وبناءِ دولةِ الجنوبِ العربي الفيدراليةِ الجديدةِ كاملةِ السيادةِ على كلِّ أرضِه. كما أثبتتْ الأحداثُ استحالةَ الاستمرارِ لأيِّ شكلٍ من أشكالِ الوحدةِ بينَ الجنوبِ العربي واليمن.. ويستحيلُ بعدَ هذا القتلِ والدمارِ أن يقبلَ شعبُنا التعايشَ بأيِّ شكلٍ، ولو ليومٍ واحدٍ، مع قاتلِ ابنائهِ ونسائهِ وشيوخِهِ وأطفالِهِ ومع مُدمِّري مُدُنِه. وإن أيَّ فرضٍ على شعبِنا سيكونُ العائقَ الرئيسَ أمامَ أيِّ أمنٍ واستقرارٍ وتنميةٍ في المنطقة. واستقلالُ الجنوبِ وبناءُ دولتين – اليمنية والجنوبية – هو السبيلُ لإتاحةِ الفرصةِ ليشعرَ الجنوبيون بتحقيقِ إرادتِهم فتهدأُ النفوسُ وتُبنَى جسورُ المصالحِ المشتركةِ محلَّ جُدُرِ الكراهيةِ والصراعات.
أيها السيداتُ والسادةُ المحترمون..
لا يغيبُ عن الأذهانِ أنّ ميثاقَ الأممِ المتحدةِ ينصُّ على حقِ الشعوبِ في إنفاذِ إرادتِها.. والذي لا يقتنعُ أنّ هذه إرادةَ شعبِ الجنوب، فإننا نُطالِبُ فوراً بقواتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ تحمي شعبَنا وأرضَنا وتُقيمُ إدارةً محليةً للجنوبِ ويبقى شعبُنا تحتَ إشرافٍ إقليمي ودوليٍ محايدٍ لفترةٍ لا تزيدُ عن اثني عشرَ شهراً يُجرى خلالَها استفتاءٌ حرٌ مباشرٌ لاختيارِ مستقبلِه ونظامِ دولتِهِ المستقلة وُفقَ إرادتِهِ الحرة.. فميثاقُ الأممِ المتحدةِ ينصُّ على حقِّ تقريرِ المصير، الذي هو اليومَ من القواعدِ الملزمةِ في القانونِ الدولي، وسندُ الشعوبِ التواقةِ للحريةِ والاستقلال، حيثُ تنصُّ الفقرة(2) من المادة (1) على:
"إنماءُ العلاقاتِ الوديةِ بينَ الأممِ على أساسِ احترامِ المبدأ الذي يقضي بالمساواةِ في الحقوقِ بينَ الشعوبِ وبأن يكونُ لكلٍّ منها تقريرُ مصيرِه، وكذلك اتخاذُ التدابيرِ الملائمةِ لتعزيزِ السلمِ العام".
ولإدراكِ الجمعيةِ العامةِ للأممِ المتحدةِ لأهميةِ مبدأ تقرير المصيرِ للشعوب، اعتمدتْ قراراتٍٍ عديدة، منها القرارُ A/RES/637 (VII) المؤرخُ في 16 ديسمبر 1952م الذي نصَّ على أنّ:
"توصي الجمعيةُ العامةُ الدولَ الأعضاءَ في الأممِ المتحدةِ أن تؤيّدَ مبدأ تقريرِ جميعِ الأممِ والشعوبِ لمصيرِها".
ويُنَصُّ على هذا المبدأ القانوني في كلٍّ من العهدين الدوليين للحقوقِ المدنيةِ والسياسيةِ (عددُ الدولِ أطرافُ هذا العهدِ في 18 مايو 2015م هو 168 دولة) والحقوقِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والثقافيةِ (عددُ الدولِ أطرافُ هذا العهدِ في 18 مايو 2015م هو 164 دولة) حيث تَنصُّ الفقرةُ (1) من المادة (1) من هذين العهدين على أنّ:
"لكافةِ الشعوبِ الحقُ في تقريرِ المصير، ولها، استناداً إلى هذا الحقِ، أن تقررَ بحريةٍ كيانَها السياسيَ وأن تواصلَ بحريةٍ نموَها الاقتصاديَ والاجتماعيَ والثقافي".
والجمهوريةُ اليمنيةُ هي من أطرافِ هاتين الاتفاقيتين.. وذلك لإنضمامِ جمهوريةِ اليمنِ الديمقراطيةِ الشعبيةِ إليهما في 9 فبراير 1987م كما تُبرِزُ ذلك وثائقُ الأممِ المتحدةِ الخاصةُ بهاتين الوثيقتين. ويُؤكدُ هذا أنّ لشعبِ الجنوبِ العربي كاملَ الحقِ في أن يحصلَ على حريتِهِ وأن يقيمَ دولتَهُ بعيداً عن الفوضى والعشوائيةِ واللصوصيةِ والهيمنةِ والاستعلاءِ والنهبِ والسلبِ الذي لم يتوقفْ حتى هذه اللحظةِ من هذا اليوم.
أيها السيداتُ والسادةُ المحترمون..
إنكم في الإتحادِ الأوروبي تمثلونَ الجزءَ الأكبرَ من روحِ العالمِ الحرِ في هذا العصر.. ويحقُّ لنا أن نطلبَ منكم أن تؤيدوا مطلبَنا العادلَ المتفقَ مع روحِ ومضامينِ الأسسِ التي قامَ عليها العالمُ الحر.. ويحقُّ لنا أن نطالبَكم أن تقفوا معنا إحقاقاً للحقِ وبناءً لمصالحٍ مشتركةٍ يمكن تطويرُها بين بلدِنا الجنوبِ العربي وبلدانِكم.
نطالبُكم بقرارٍ يؤيدُ حقَّ شعبِنا في التحريرِ والاستقلالِ وبناءِ دولتِهِ الجنوبِ العربي الفيدراليةِ الجديدةِ كاملةِ السيادةِ على كاملِ ترابِهِ الوطني وأن تشاركوا في الإشرافِ على إجراء استفتاءٍ حرٍّ مباشرٍ تحتَ إشرافٍ دوليٍ وإقليميٍ وفي أقربِ وقتٍ حتى نتمكنَ من إيقافِ النزيفِ الذي يسببُه فرضُ الوحدةِ بالإحتلالِ والقتلِ والدمار.
أشكرُكم باسمِ شعبِ الجنوبِ العربي على إعطائي الفرصةَ لأشرحَ قضيةَ بلادِي.. وأشكرُ زملائي في التجمعِ الديمقراطي الجنوبي (تاج) الذين بذلوا جهداً كبيراً لتحقيقِ هذا اللقاءِ الإيجابي.
وأحيي شعبَنا العظيمَ في الجنوبِ العربي الذي يقفُ صامداً ضدَ الغزوِ والإحتلالِ والذي يقدّمُ الشهداءَ في ملحمةٍ أسطوريةٍ في نضالٍ غيرِ متكافيءٍ لصدِّ حربٍ عدوانيةٍ على أرضِهِ تقودُها ميليشياتُ الحوثي والقواتُ التابعةُ لعلي عبدالله صالح.
واسمحوا لي أن أستعيرُ (بتصرفٍ) ملاحظةً ذكيةً وعميقةً أوردَتْها إحدى نساءِ الجنوبِ العربي الدكتورة سناء مبارك حيثُ قالتْ:
"إنّهُ لم تُسجَّلْ أيُّ حالاتِ نزوحٍ من الجنوبِ إلى أيِّ منطقةٍ في اليمنِ (الشمال) مهما كانت آمنةً مستقرة. فإذا نظرْنا إلى الضالع، مثلاً، سنجدْ أنّ "قعطبةَ" آمنةٌ وكذلك "مريسَ" وهي ملاصقةٌ وقريبةٌ جداً إلا أنّ النزوحَ كان باتجاهِ "ردفانٍ" و"يافعٍ" في الجنوبِ العربي رغم بُعدِ المسافة!!. وأشفقُ على من يحاولُ إثباتَ أنّ لليمنِ هويةً وقضيةً وطنيةً جامعة.. الشرخُ واضحٌ وصريحٌ وأصبحتْ جيبوتي أو أيُّ دولةٍ أخرى أقربَ إلى وجدانِ الإنسانِ في الجنوبِ من أيِّ محافظةٍ أو منطقةٍ تنتمي إلى الشمالِ (اليمن)".
ألا يدلُّ ذلكَ على انتهاءِ أيِّ رغبةٍ في النفوسِ عندَ ابناءِ الجنوبِ العربي في أيِّ شكلٍ من أشكالِ الوحدةِ مع اليمن؟!
إنّ هذا يحزنني.. فقبلَ الوحدةِ كانت المودةُ بينَ الشعبين قائمةً والوشائجُ الاجتماعيةُ قائمة. أعينونا لاستعادتِها بنيلِ استقلالناِ وبناءِ دولةِ الجنوبِ العربي الفيدراليةِ كاملةِ السيادةِ على كاملِ أرضِ الجنوبِ بحدودِها المعروفةِ دولياً قبل 22 مايو 1990م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.