سنعتبر ان الاوضاع اليمنية الحالية هي اخر عهود غياب الوعي وتبلد العقل وانعدام المسئولية ومن هذا الافتراض الذي سيجده الكثيرون غير منطقي وحتى غير تاريخي، الا ان التاريخ اليمني المعاصر يوحي الي أنا شخصيا ان اليمنيين من اقصى اليمن الى اقصاه قد سأموا الحروب والاقتتال والصراعات الدموية التي لم يكونوا يوما سببها ولم تكن هي ابدا من أجلهم، اللهم من البعض الذين لا يعني لهم اليمن اكثر من مصدر للتعيش والتكسب والارتزاق!! قد يتساءل البعض عن سبب تفاؤلي هذا، وقد يعتبر البعض الاخر انني اعيش حالة من اللا واقع، لكن من خلال قراءتي لما حدث ويحدث في اليمن خلال العقد الاخير يوحي الي ان اليمنيين لن يستمروا في غيهم وضلالهم السياسي والوطني، وان مرارة الواقع والمآزق التي انزلق اليمن اليها خلال هذه الفترة ادت الى نضج الكثير من الشباب المثقف والذين نراهن عليهم اليوم بالتوازي مع خيبة الامل الكبيرة التي مني بها اليمنيين في النخب والشخصيات السياسية التي كانوا وكنا نعول عليها كثيرا!!! حين يقف المرء اليوم لينظر خلفه الى السنوات الخمس الماضية فلن يجد في ذاكرته الا تفاصيل حصاد مُر وحجم هائل من التدمير الذي تتفاعل الياته البشرية والحديدية في صورة منقطعة النظير وقلما حدثت في الماضي، بالإضافة الى التدمير بالاستبداد والفساد وسوء الإدارة، كما يستشف له حجم المعاناة التي يعانيها المواطن اليمني في توفير حاجته الاساسية اليومية. لهذا قد يبدو المستقبل مظلما في عيون الكثير من ابناء اليمن وقد تختفي البدائل من امامهم ولا يرون أي ملامح للانفراج القريب، وخاصة اذا تحدثنا عن خمس سنوات عجاف لا يمكن حساب رصيدها بمنطق الموازين السياسية والاقتصادية والاجتماعية التقليدية، خمس سنوات عصفت باليمن وكيانه السياسي وساهمت في تفكيك وحدة شعبه الوطنية، وأدخلته في دوامة من الصراع الداخلي، وفي عجز دائم عن مواجهة تحديات التنمية والتطور، من دون ان تفتح طريقا للخلاص من الجحيم الذي سببته سياسات الهيمنة والتسلط والمشاريع الغير وطنية، خمس سنوات فعلت فعل الزلزال، بعدد ساعات ايامها ولياليها دخل اليمن في دوامة من الصراعات المحلية والاقليمي متعدد الاوجه ايضا، ادت الى اغراق كيانه الوطني في حزمة من المشاكل في كل الاتجاهات، كما ساهمت في خلق واقع شديد التعقيد يصعب ادارك عمق هاويته، كل ذلك كان ولا يزال واليوم نشاهد اليمن يعوم على بحر من الدماء والدمار وغياب الارادة وضياع الحاضر وغموض المستقبل!!! خمس سنوات لا يمكن حساب تفاصيل كوارثها وتعداد دلالاتها بالأرقام وغيرها، فقد تحول اليمن في ظل التفكك السياسي وما تمخض عنه من حكومات متلاحقة الى رقم مجهول الهوية، ووجهه مشوه المعالم وأضحت واحدة من اقدم الحضارات الانسانية على الارض تتموضع في حالة دولة فاشلة حسب المعايير الدولية والأمم المتحدة، كما انها حائزة على المركز المتقدم في الدول الاكثر فسادا في العالم!!! واليوم تكللت سنوات نصف عقد من الزمن، بسجل مفجع للعنف لا يمكن التعبير عنه الا بوصفه مجزرة داخلية متواصلة التكرار، الى جانب غياب الدولة وتدهور الخدمات الاساسية للمواطنين في مقدمتها الصحة والتعليم والكهرباء والماء الصالح للشرب.. الخ، كما ان اخر ما وصل اليه الحال في البلاد هو حل الجيش الوطني بشكله الرسمي واستبداله بميليشيات ذات الطابع المجهول وهي بلا عقيدة قتالية، تريد ان تفرض على الشعب عملية سياسية مشوهة المعالم، تؤسس لتناقضات وتعقيدات داخل بنية الدولة والمجتمع، عملية سياسية تريد ان تشرع منطق المحاصصة الطائفية، لتستمر عرجاء تساهم في تكريس التجاذبات الطائفية والاثنية في شكل هيئات الدولة السيادية، ستلعب دورها فيما بعد في تمرير مشاريع الهيمنة على موارد البلاد ومقدراتها!!! هذا عند الحديث عن الحاضر ومعاينة تمزق البلاد الراهن، وفي محاولة لاستقراء المستقبل الذي ينتظر يمن الحضارة، لا يبدو من السهولة بمكان اكتشاف حجم الكارثة التي خلفها هذا التمزق في اربطة المجتمع والسياسة، ولا يدرك المراهقين الذين يقودون البلاد الى هذه الكارثة انهم فعلا متجهون إليها، فالسنوات الخمس الماضية كانت حرثا سلبيا في كل ميادين الحياة، ولا يمكن ان تجمع بتوصيف الا بوصفها كارثة كبرى افضت الى تغييب اليمن حضارة وانسان عن محيطه الاقليمي والدولي، كما افضت ايضا الى ادخال الفوضى والاحتراب الى عمق المجتمع اليمني الذي لم يكن يوما بهذه البشاعة وبهذا السوء!! اليوم ارى الكثير من المشاهد والسيناريوهات التي يتوقعها اغلب اليمنيين مع اختفاء و غياب العقلاء والذين لديهم كلمة مسموعة لدى المتناحرين في البلاد، كما انها اوجدت لي البدائل التي يستطيع اليمنيين كشعب مثل سائر الشعوب التي تمتلك ارادتها وحق تقرير مصيرها، الا ان ثمن هذه البدائل يجب ان يتم دفعه ولو بعد حين الا انها -البدائل- ستكون ناجعة في حالتنا نحن اليمنيين. سيناريو التجزئة والانفصال هو اكثر المشاهد والسيناريوهات التي تلوح في افق الكثير من اليمنيين، وليس مفهوم الاقلمة او الصور الاخرى للدولة الاتحادية، ولكن فك الارتباط بين دولتي عام 90م، وهو سيناريو ربما يكون قريب وممكن في حالة وحيدة وفريدة وهي ان يبقى الجنوب وحيدا يواجه مصيره في حرب غير متكافئة قامت بها عصابات ومليشيات قادمة من الشمال ومرتزقة وعملاء من الجنوب، يصاحبه صمت مريب من كافة ابناء الشمال في دعم مفضوح لهذه العصابات ولميليشيات التي يقودها الحوثي وصالح، هنا في هذه الحالة باعتقادي سوف يتعمق الشعور بالغبن وسوف تتأكد النزعة الانفصالية عند ابناء الجنوب، فقد ظهرت العديد من الشواهد التي تؤكد ان الحرب الدائرة هي حرب الشمال ضد الجنوب، حيث تحول كل الجنود الذين اعلنوا ولائهم لشرعية الرئيس هادي الى النقيض تماما، وحاربوا في صفوف مليشيات الحوثي وصالح، بالإضافة الى الكثير من الذين كانوا يعملون في الجنوب من ابناء المحافظات الشمالية كاصحاب المحال التجارية والاكشاك والاعمال الحرة، والذين شكلوا خلايا نائمة دمرت الكثير من الروابط واواصر الود الذي كان يكنه ابناء الجنوب وعدن خصوصا لهم بما احدثته من قتل ودمار وتخريب، لهذا وتجنبا لتحقيق هذا المشهد ينبغي على ابناء الشمال الرافضين للحرب الدائرة رحاها في الجنوب ان يخرجوا في مسيرات كاقل تعبير عن رفضهم لهذه الحرب وضد التعبئة لها وخصوصا في العاصمة صنعاء، بالإضافة الى تسيير حملات التضامن والدعم لإخوانهم في المدن المنكوبة في الجنوب في محاولة جادة ونية حسنة لإصلاح ذات البين وسد الشروخ التي نجمت عن الصمت المريب في الجزء الشمالي من الوطن على هذه الحرب التي سيكون المنتصر فيها خسران بكل المعايير الانسانية والاخلاقية. يمنى اليمن اليوم بخسارة نكراء بسبب الحصار الخانق ويتعرض لتدمير مريع للمقومات الاساسية لتكوين الدولة، سببها قوى الشر والظلام في الداخل والخارج، ولكن لن نتهم احدا بالاعتداء بمقدار ما نتهم ابناء اليمن الذين غاب وعيهم الوطني في لحظة ضعف او ربما لحظة شعور بالقوة وجروا على اليمن هذه الويلات من قصف جوي وحصار بري وبحري خانق من قوى التحالف التي ربما تكون تدخلت في الوقت المناسب حيث ان ما كان سيحدث في الجنوب هو اشد انكالا، فلم يكن من يدير هذه الحرب قائد عسكري محنك يفهم الابعاد الاستراتيجية والعسكرية الفنية والاخلاقية بل ان من يقودها زعيم عصابة متمرد وعناصر مليشيات لا اخلاقية وخلايا مأجورة منزوعة الولاء لا يحملون اخلاق او آداب الحروب التي تنص على احترامها كافة المواثيق الدولية والانسانية... بعيدا عن التنديد او رفض عاصفة الحزم الا ان مقدار الخيانات التي فضحتها هذه الحرب على الجنوب اثبت ان هذه الحرب لم تكن ذات قيمة وطنية بل كانت حرب لتعزيز الاحتلال والسيطرة على مقدرات الشعب الجنوبي ووضعهم تحت الاحتلال لعقود قادمة، ولم يكن يدور بخلد احد من عصابة 7/7 ان الجنوب اليوم تغير، واصبح لديه شعب حر يدرك ان الساسة والعملاء والخونة ليس هم من يصنع التاريخ وليس هم من يخلقون الامجاد بل الشعوب المغلوبة على امرها، فهي التي يجب ان تضع حدا للهيمنة والتسلط وان تصنع تاريخها بأيدي ابناءها العزل الذين لم يحملوا قطعة سلاح في حياتهم، وافتضاح حجم هذه المؤامرة على الجنوب جعل الشباب ينتفض ويثور ويخرج رافضا لأي تنازلات او ارتهان لأي قوى او شخصية مهما وكانت ومهما تخلت عنهم قياداتهم في الميدان وتركوهم كباش فداء للذئاب الكاسرة التي لم تعرف الرحمة يوما. وبعد هذا التوصيف والتحليل المبسط لوضع الجنوب، فانه من الحتمي والضروري على كل ابناء اليمن الموحد صوريا الان تعزيز هذه الوحدة وجوديا ووجدانيا، وذلك بعدم السكوت على ما يدور والانتفاض في صور رافضة للانقلاب والمليشيات في كل شبر من اليمن وفضح الساسة المتاجرين بدماء اليمنيين وعدم قبولهم اطلاقا في الصف الشعبي والقيادي لهم ولقضاياهم. واليوم وبعد خمس سنوات لم يبقى ما يمكن ان يتوارى او يتم اخفاؤه على العالم والمجتمع الدولي من فضائح وجرائم وانتهاكات ارتكبتها ميليشيات الحوثي وصالح والقاعدة في البلاد وهو جزء من الارث السيئ للسلوك القمعي الذي انتجته هذه العصابات، لهذا سوف تظل السنوات الماضية من تاريخ اليمنيين بالنسبة لهم زمنا لا يمكن عد ايامه السوداء ولا يمكن لهم قياس حجم الدماء التي سالت فيها ولا العذابات التي عصفت بالمجتمع من كل فئاته وافراده.