حققت الضالع نصرا كبيرا على طريق تحرير واستقلال الجنوب ومع هذا النصر ظهرت الكثير من أصوات "دعاة العقلانية" الذين يطرحون فكرة أننا لكي نجني مصالح -علينا المراوغة السياسية والاعتراف بشرعية هادي وتأييد التحالف العربي بقيادة السعودية- وتأييد شرعية هادي تعني الاعتراف بالوحدة اليمنية باعتبار هادي رئيس لليمن، كما أن تأييد دول التحالف بقيادة السعودية يعني تأكيد الاعتراف بشرعية هادي وبشرعية الوحدة اليمنية، في حين أن الحقيقة والواقع غير ذلك فالشهداء والجرحى الذين قدموا دمائهم لم يقدموها لأجل شرعية هادي أو الوحدة اليمنية انما قدموا ويقدمون كل هذه التضحيات في سبيل تحرير واستقلال الجنوب وطرد الاحتلال اليمني، وبغض النظر عمن يحكم الجنوب في المستقبل فأن الهم الجنوبي الموحد هو تحقيق استقلال الجنوب ليس الا، وهذا لا يعني أن يتحول الجنوب إلى مليشيات متناحرة أو جماعات ارهابية ومتطرفة كما تحاول قوى النفوذ في صنعاء الترويج لهكذا محاذير تهدف من ورائها إلى اخافة المجتمع الدولي من مستقبل الجنوب في حال نال استقلاله، بينما الواقع يشير أن أي تباينات حدثت بين الجنوبيين في السابق لم تكن سوى تباينات نتجت بسبب تعدد وجهات النظر وكل التباينات مفادها تتمحور بين محاذير وهواجس الجنوبيين خوفا على قضيتهم وحرصا على الثورة، أما اذا نال الجنوب استقلاله الناجز فبستحيل نشوء أي خلافات بينهم نظرا لعدة مؤشرات أهمها أن الجنوبيين تعرضوا خلال عقدين من الزمن إلى معاناة طائلة وتشردوا وفقدوا ممتلكاتهم ومكانتهم ولم يجن أي جنوبي مصالح تذكر من الاحتلال اليمني بمن فيهم المقربين من صنعاء، هذا بالإضافة إلى أن سكان الجنوب ضئيل جدا مقارنة بما يختزن الجنوب من ثروات وما لديه من مواقع استراتيجية هامة تدر عليه بأموال طائلة، ولا ننسى أهم عنصر ويتمثل في الارث الثقافي والاجتماعي الجنوبي الذي اكتسبه شعب الجنوب طيلة قرنين من الزمان كانت كفيلة بأن يحفظ الجنوبيين من التشرذم المذهبي والطائفي والقبلي. وبالعودة إلى بداية حديثنا هنا حين الكلام عن مسألة المصلحة والتكتيك السياسي علينا أن نحاول المقارنة بين المصلحة المكتسبة والمصلحة المرجوة للجنوب من جهة ومن جهة أخرى ماذا سيترتب من سلبيات مستقبلية مع مدى تأثيرها واظرارها بقضية الجنوب، مع تنقيح المصلحة المرجوة في جانب الطرح الأول والتدقيق بمدى امكانية تحقيقها من عدمها باعتبارها لا تزال في طور التمني والعدمية في الوقت الحاضر. فاذا ايدنا ضرورة التعاطي مع المرحلة وتأييد شرعية هادي علينا أن نسأل أنفسنا بكل مصداقية بعيدا عن العواطف والتفكير السطحي هل تحقق لثورة الجنوب فائدة حقيقية حتى الان وهل يمكننا جني أي فوائد في المستقبل وما نسبة ضمان تحقيق هذه الفائدة التي نتمناها؟. بالمقابل ما المخاطر والسلبيات التي ستنعكس على ثورتنا مستقبلا ان لم تكن قد ظهرت ملامحها الان؟. كلنا نعرف أن تحالف السعودية قام بضرب بعض من قوات وأسلحة الحوثي وصالح بل ويحاول انهاء كل الترسانة العسكرية التابعة لهما ليس في الجنوب فقط انما في العربية اليمنية أيضا، لكن قناعة السعودية بضرب تلك القوات جاءت من مخاوفها من الحوثيين وتأمين أراضيها من الخطر الشيعي الذي تعده عدوها الحقيقي في المنطقة وهذا الأمر طبيعي بالنسبة لنا دام أننا نبحث عمن يخلصنا من الاحتلال، أو يظر قوة الاحتلال لكن هل استطاعت السعودية وحلفائها ضرب قوات الاحتلال وهل بامكانها ضربها؟. إلى حد اللحظة لم تتمكن من القضاء عليها بشكل كامل أو حتى نسبة تضعف معها وتشل قدراتها وتحركاتها في حين أن قرابة 14 لواء يمني في حضرموت لم يطلها أي قصف جوي من قبل طيران التحالف السعودي حتى اليوم هذا بالإضافة إلى أن من أولويات استراتيجية التحالف السعودي ضرب ما يخص الرئيس اليمني السابق صالح ومليشيات الحوثي مع فتح الباب أمام أي وحدات عسكرية تابعة للحوثي وصالح للتهادن معها في حال أعلنت اعترافها بشرعية هادي وحكومته، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا تزال الرياض تؤمن بقوى أخرى في العربية اليمنية تحاول من خلالها صناعة حليف لها وتقدم لها كافة وسائل الدعم وتحافظ على وحداتها وقواتها بل وتسعى لدعمها بالأسلحة والمال ولم يقف الجنرال الأحمر موقف المتفرج من الذي يجري اليوم لكنه يسعى بمقابل ضرب خصومه (الحوثي وصالح) ايجاد قوى بديلة تشغل الفراغ ويبقى بامكانها التصدي للجنوبيين في حال تم القضاء على خصومه، وهذا أمر يدركه الجميع بل وندرك أن الجنرال الأحمر والزنداني وعائلة الشيخ الأحمر وقوى السلفيين ومشائخ القبائل في العربية اليمنية يحضون برعاية ودعم سعودي كبير وما وصل الى العربية اليمنية خلال الشهرين الماضيين يبلغ عشرة أضعاف ما وصل للجنوبيين. كما أن الجنرال الأحمر يعمل في الوقت الراهن على تشكيل وتدريب معسكرات جديدة وانشاء وحدات عسكرية كبرى يجري تزويدها بأسلحة ثقيلة ومتطورة لا توجد في الجنوب وهذه القوى مهمتها المستقبلية الدفاع عن الوحدة اليمنية هذا بالإضافة إلى أن بعض القوى الجنوبية المرتبطة بتحالفات حزبية أو طائفية مع العربية اليمنية اضحت محور اهتمام السعودية من حيث الدعم الكبير الذي يصلها. ونحن هنا نطرح مثل هذا الأمر ليس سوى لأجل التنبيه لما سيحل مستقبلا علينا في حال طرأت أي مستجدات خارجية ترتبط بالسعودية وبالنظر إلى الشروط المطروحة على الجنوبيين اليوم الذي يطلب منهم الاعتراف بشرعية هادي وتوحيد المقاومة الجنوبية مع المقاومة في العربية اليمنية وعدم التطرق لذكر استقلال الجنوب والسياسة الاعلامية المتبعة من قبل وسائل الاعلام الخليجية التي تعمل على تقزيم الثورة الجنوبية وتحريف الحقائق هذا في مجمله سيؤدي إلى عواقب مستقلية تؤثر على قضية الجنوب وتتمثل في شيوع ثقافة أخرى بين أوساط الجنوبيين غير الثقافة الثورية الحقيقة التي يخرج مفها جيل لا يؤمن بالجنوب واستقلاله كهدف رئيسي والانزلاق في أتون النزاعات الطائفية والعنف، هذا بالإضافة إلى الاحباط الذي سيصيب قطاع الثوار الجنوبيين المؤمنين باستقلال الجنوب. قيل للجنوبيين اصمتوا ولا تظهروا اسم الجنوب ورغبة ابنائه خلال هذه المرحلة حتى لا تقف القوى المعادية للحوثي وصالح في العربية اليمنية موقفا حياديا من الحرب فصمت الجنوبيين لكن لم يخرج أبناء العربية اليمنية لمواجهتهم ولم يقف الأمر عند التزامهم الحياد وفتح الطريق أمام التعزيزات العسكرية التي تصل إلى الجنوب بل وقف الجميع دون استثناء وقدموا ويقدمون الدعم للحرب ضد الجنوب. اذا كيف يمكننا ان نسمي هذه الحالة التي وقعنا فيها اليوم؟. يقدم الجنوبيين ضحايا كثر كل يوم بل كل ساعة وأمام هكذا تضحيات لم يصل الجنوب أي دعم حقيقي حتى الان في حين نجد بعض المستفيدين بصورة شخصية من هذا الدعم يحاولون الترويج لمشروع الفيدرالية بل والقبول بكل ما تمليه السعودية عليهم هذا الأمر يعني هو الارتزاق بكل ما للكلمة من دلالات.. فهل آن الأوان أن نناقش الأمور بكل جدية وننقذ ثورتنا قبل فوات الأوان أم أننا نظل رهن ارتباطات ومصالح وتجاذبات دول الاقليم والجوار ورهن مصالح شخصيات في الداخل، في العام 2011م واثناء ثورة التغيير اليمنية في صنعاء قالوا للجنوبيين اصمتوا حتى نسقط المجرم علي عبدالله صالح وبعد ذلك سنمنحكم الاستقلال، غادر صالح الكرسي وجاءت توكل كرمان يؤيدها المجتمع الدولي الذي منحها جائزة عالمية لا تستحقها في رسالة منه توحي بتأييد توجهها الذي سخرت تحركاتها ضد الجنوب وثورة الجنوب وجاء الجنرال الاحمر يواصل سفك دماء المتظاهرين السلميين في الجنوب واباحوا جميعهم دم كل جنوبي يرفع مطلب استقلال الجنوب، ثم ها هم اليوم يطالبون الجنوبيين الصمت في حين حتى موقف السعودية بات يتيما لأن الحوثي هو من يقف إلى جانبه المجتمع الدولي وفي مقدمتهم حلفاء السعودية الكبار كالولايات المتحدةالأمريكية وغيرها من الدول التي تبحث معه عن علاقات مستقبلية في حين امتنعت حتى المنظمات الحقوقية والانسانية من مساندة الجنوبيين أو ايصال الاغاثة اليهم حيث ربطوا مصير كل شيء بيد الحوثيين، فهل ندرك سبب هذه القناعات الدولية؟. المجتمع الدولي لم يعد يؤيد شرعية هادي فالأمم المتحدة سبق وتخلت عنه عندما وجدته فاقد لأي تأثير على أرض الواقع